د. خالد بن علي الخوالدي
كنتُ أرغب في الكتابة عن الشهيد البطل والمُجاهد العظيم الذي حرَّك مشاعر الشرفاء حول العالم يحيى السنوار، والذي يعجز أي كاتب مقال أن يُوفيه حقه أو يتحدث عن مناقبه وجهاده المبارك، فكيف بمثلي أن يكتب عنه والعظماء تُخلدهم أفعالهم إلى يوم الدين، ومع رغبتي الجامحة في خوض هذا التجربة الصعبة إلا أني توقفت لعدة أسباب منها قراءة عشرات المقالات عن الشهيد البطل؛ حيث استطاع هؤلاء الكتاب أن يرسموه في مقالاتهم ووصفوا بطولاته التي ستظل شاهد عيان على رجل أحبَّ الله ورسوله والجهاد في سبيله وبذل الغالي والنفيس في عودة الأقصى الشريف من يد الصهاينة الغاصبين، وفي الجانب الآخر توقفت للكتابة عن الحدث الأبرز هذا الأسبوع "ندوة محافظة شمال الباطنة في ذاكرة التاريخ العماني".
وهذه الندوة لم تكن مجرد ندوة علمية عادية؛ بل مثّلت محفلًا توثيقيًا لوجدان وطن ومواطن، وتوثيق عظيم لرجال عظماء، وذاكرة مُحافظة لها دورها الكبير في تغيير الأحداث والوقائع قديمًا وحديثاً، ويكفي فخرًا وشرفاً ومجداً بأن احتضنت هذه المحافظة وتحديد مدينة صحار التاريخية دعوة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم للدخول في الإسلام، وزاد هذا الشرف شرفا أعظم وأبهى وأرقى كما ثبت في الأحاديث الشريفة بأن الحبيب الأعظم كفن بثوبين صحاريين. ولعمري أنَّ هذا الأمرين فقط يكفيان بأن ندرس تأثير ومكانة هذه المحافظة التاريخية على الواقع العماني تاريخيا وحضاريا، فكيف إذا عرفنا أنَّ صحار التي هي القلب النابض لمحافظة شمال الباطنة، وكانت من الأمصار التي مصرها سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ناهيكم عن الشواهد التاريخية والكتابات العظيمة التي دونت لهذه المحافظة بكل ولاياتها من قبل المؤرخين والكتاب القدماء، ولهذا المحافظة أيضا الشرف العظيم بانطلاق دولة البوسعيد من أراضيها ومن قلعتها الشامخة قلعة صحار التاريخية، ماذا يمكن أن نكتب ونذكر وتاريخ ولايات المحافظة زاخر بالعديد من الأحداث التاريخية والتي لا تكفيها ندوة ولا 29 ورقة عمل. وهنا نطلق دعوة للجميع لزيارة المعرض الوثائقي لتاريخ المحافظة والذي يفتح على فترتين صباحية ومسائية من تاريخ 21 إلى تاريخ 26 من أكتوبر الجاري بقاعة مجان في ولاية صحار.
أوراق العمل المُحكّمة التي تناولت محافظة شمال الباطنة من عدة جوانب تاريخية وسياسية واقتصادية وتجارية واجتماعية وغيرها من الجوانب سوف يتم توثيقها في مجلدات ستكون شاهدًا ومرجعًا لكل الباحثين والمهتمين، ومرجعًا لأبناء المحافظة حتى يعرفوا تاريخهم ويكون لهم منطلق لتحقيق المزيد من الإنجازات التي سيسجلها التاريخ وستكون شاهدة لهم على ما قدموه من جهد وعمل، فبعد مضي سنوات طوال سيسكن هذه الأرض بشر آخرون، وسيذكرون ما قدمنا وما تحقق من صروح حضارية وإنجازات، لذا علينا أن نعمل ونجتهد؛ فالتاريخ لا يذكر المُتخاذلين والكسالى والمتشائمين، العظماء وحدهم من يخلدهم التاريخ ويوثق سيرتهم، كن أحدهم وبادر واعمل واجتهد؛ فلكل مجتهد نصيب الآن وغدًا وعندما نرحل أيضًا.
ودُمتم ودامت عُمان بخيرٍ.