تشو شيوان **
خلال الأيام الماضية، نظَّمت القيادة الشرقية لجيش التحرير الشعبي الصيني تدريبات عسكرية في مضيق تايوان وشمال وجنوب وشرق جزيرة تايوان؛ بمشاركة قواتها من القوات البرية والبحرية والجوية وقوة الصواريخ؛ مما لفت انتباه العالم لهذه التدريبات التي تُعدُ تدريبات اعتيادية يقوم بها الجيش الصيني بين الحين والآخر، ولكن بخلاف هذه التدريبات يجب القول إنَّ قوى استقلال تايوان هي المسؤولة عن تصاعد التوترات في مضيق تايوان وفي تايوان نفسها.
لقد طرحت بعض وسائل الإعلام الغربية سؤالًا مُهمًا ومُثيرًا ويشغل بال الكثيرين: هل من الممكن أن تقوم الصين بزيادة التصعيد في مضيق تايوان مع اشتعال مناطق أخرى حول العالم؟ وقبل الإجابة عن هذا السؤال، أودُ أن أؤكد حقيقة معروفة مرة أخرى، ألا وهو أن هناك صين واحدة في العالم، وتايوان جزءٌ لا يتجزأ من الأراضي الصينية أبدًا. وأعتقد أن هذا المفهوم يحظى بقبول كبير من أغلبية دول العالم؛ حيث نعرف أن الاعتراف بمبدأ "صين واحدة" يمثل حجر الأساس لإقامة العلاقات الدبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية، والآن تقيم أكثر من 180 دولة علاقات دبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية، وذلك يثبت أن هذا المبدأ معروفٌ لدى المجتمع الدولي، وهذه نصف الإجابة تقريبًا.
أما النصف الثاني، فإننا يجب أن نعرف أن الصين لا تقوم بزيادة وتيرة التصعيد، وبالعكس قوى استقلال تايوان وبعض الدول الأجنبية هي المسؤولة عن التصعيد الذي نشهده طيلة السنوات الماضية؛ إذ تسعى الصين إلى حل مسألة تايوان بشكل سلمي، وعن طريق مبدأ "دولة واحدة ونظامان"، وتؤكد أن مسألة تايوان من الشؤون الداخلية الصينية، فلا تستطيع أي دولة أخرى أن تتدخل فيها أبدًا. أما بالنسبة إلى إدارة التحالف الأخضر الحالية في سلطة تايوان، فهي تعمل على تضعيف العلاقة مع الأُمّة الصينية، ولكن مسألة تايوان خط أحمر بالنسبة للحكومة الصينية، ولا تسمح الحكومة الصينية استقلال تايوان أبدًا وهذا بات أمراَ واضحًا ومعلنًا بشكل دائم، وستبذل أقصى الجهود واستخدام جميع التدابير لحماية سيادتها الوطنية وسلامة أراضيها بكل تأكيد، وهذه هي الإجابة كاملة.
بالمختصر المفيد- كما يقولها أصدقاؤنا العرب- فإنَّ تايوان جزء من الصين، والصين لا تريد زيادة التوترات في مضيق تايوان، ولكن إذا استمرت القوى الانفصالية التايوانية في عملها ونهجها بالتعاون مع بعض الدول الغربية في محاولاتها للانفصال واستخدام أراضيها لتكون قواعد عسكرية غربية، هنا تختلف الحسابات وتختلف معها الإجراءات، ومن حق الصين أن تُدافع عن سيادة ووحدة أراضيها، وحقها هنا مشروع بمضامين وأعراف وقوانين دولية تحترمها الصين، لكن يبدو من الواضح أن هناك من لا يحترمها.
وإذا نظرنا إلى الأعمال الصينية المضادة تجاه الأعمال الانفصالية لقوى استقلال تايوان، فنعرف أن الصين تزيد المناورات العسكرية بشكل أكبر وبنطاق أوسع، وخلال العامين الماضيين فإن المناورات العسكرية لم تُعقد في مضيق تايوان فحسب؛ بل في شمال جزيرة تايوان وجنوبها وشرقها، وكل ذلك ليكون رادعًا قويًا للأعمال الانفصالية لقوى استقلال تايوان، وإذا رجعنا إلى التاريخ، فإن العملية التاريخية لإعادة توحيد الصين لا يمكن إيقافها ولا رجعة فيها أبدًا.
ولنكن صرحاء، أن تصعيد الأزمة في مضيق تايوان يثير القلق الشديد لدى المجتمع الدولي حاليًا، خصوصًا وأن الصين أكبر قاعدة تصنيع في العالم. أما منطقة تايوان الصينية فهي واحدة من أكبر قواعد التصنيع لأشباه المُوَصِّلات في العالم، وإذا استمر الوضع المتوتر في مضيق تايوان، فقد يؤدي إلى إعادة تشكيل سلاسل الإمداد العالمية، وهذه خسائر ضخمة للمجتمع الدولي. لكن للأسف الشديد، الولايات المتحدة ترى أن الصين منافس إستراتيجي لها، وتسعى إلى الحد من التنمية الصينية، لذا كانت مسألة تايوان ورقة ضغط بالنسبة لها، والقوى الانفصالية التايوانية تتآمر مع الولايات المتحدة وتُلوِّح بورقة ضغطهم هذه بين الحين والآخر.
وإذا ما تحدثنا عن الصين، فإن الصين ترغب في تحسين العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة وتحقيق المصالح المشتركة، لكن الولايات المتحدة تتبنى إستراتيجيتها المضادة للصين، وهناك تناقضات جوهرية بين البلدين؛ مما تسبب في توتر الأوضاع في مضيق تايوان وفي بحر الصين الجنوبي. غير أن الصين ستبذل أقصى جهودها لتعزيز الاستقرار في عالم مضطرب، مع استعدادها الدائم للعمل مع المجتمع الدولي لتنفيذ مبادرة التنمية العالمية ومبادرة الأمن العالمي، وغيرهما من المبادرات الأخرى التي تصالح الأطراف المعنية، وذلك لتقديم مساهمات إيجابية لحماية السلام والتنمية والاستقرار في العالم.
** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية