صندوق الاحتمالات

 

عائض الأحمد

الاعتقاد بأن الأعين تتجه إلى أفعالك والآذان لا تسمع إلا أقوالك وحديث الأرض ينصت تحت وقع أقدامك، فهذا إفراط مفرط جدًا فيما تتوقعه، واعلم أنك ذاهب إلى "متلازمة الإفراط"، فتشقى وتُشقِي من حولك، والغريب أن كل هذا عائد عليك، وتعيش في دوامة الخلاص المنتهي إلى بداية من الصفر، وكأنك تدور في حلقه أنت ساكنها الوحيد، وتظن سوءًا أنت صانعه، فلا أحد يحاكيك أو ينتظر منك رد فعل أو مستحيلا لا تطيقه؛ بل صانع وَهْمٍ يمارس كل ما تعلَّمه ويُسقطه شقاء وجلد لذاته، في صمت يشبه الضجيج، يزلزل وحدته، ويقتل افراحه، بإشعال الندم، وتذكيه نار حارقة مستعرة يترقب من يطفئها ليضرمها مرة بعد أخرى.

أقصى الاحتمالات أن تعيش وحيدًا تنشد عطفًا لن تجده، أو مكلوم ينزف جرحه دون من يُطبِّبه، أو يحلف  الزمان بعقوقك، بين سفاء عصركـ فيجحدوا كل ما بذلت وأفنيت عمرًا من أجله، فيأتيك حديث النفس متسائلًا: أوَ هذا جزاء المحسنين؟

كما تظن إحسانًا بذاتك، فهناك من يتيقن خطيئته، وقبح يُشعره بوجودك، قبل أن تخطو خطوة للقائه، فيجعل من صورتك محضرَ اتهام لمتهم حكم عليه بأقصى درجات الفساد دون أن يقرأ سطرًا من صحيفتك أو يستنطقك بحرف أبجدي اعجزه، وتراءى له عدم جدواه.

فعلت هذا واحجمت عن ذاك لقدرة اخذتك غالبًا، ولمنع أعاقك لعدمها، وإلا لفعات كما فعل أقرانك، فلم تكن رادعك أخلاق، ولم يكن خوفًا يستفز إنسانًا علم أنَّ احتمال حدوث الخطأ كصوابه. عندما تفقد صوابك ويسيرك عقلك الباطن التواق لتجربة شيء يخفيه ويحدث به ذاته الخرساء خوفًا أن يسمع، فيندم من سامعيه، فكيف إن علّموه وغلبه الهوى وسقط قناع الحكمة في وحل حلم راوده وحيدًا فشاهده العالم أجمع؟!

في ذات المساء حلفت لها أن تكون قبة منزلي البيضاء خالصة لها ملجأها ومسقط رأسها، فغدرتني احتمالات البشر، فسقطت في بئر إسفافي ولحظة غضبي، فما ندمت وغشيني ضعف وانكسار كمثله يوم.

ختامًا: بلغتُ خطواتي الأخيرة، واستطيع الآن أن أتلمَّس موضع قدماي، فلِم تحاسبني وأنت تقودني؟! 

شيء من ذاته: حديث الماضي واجتراره ليس أكثر من دعوة للألم لقتل متعة اللحظة، ثم لطم ولعن الحاضر.