يوسف عوض العازمي
@alzmi1969
"يتضح أن الانتقال إلى الديمقراطية في كثير من البلاد لم يحقق كل النتائج أو الآمال التي دارت بخلد المدافعين عن هذا الانتقال فأحيانا توقفت النظم الديمقراطية الجديدة عند الشكل دون المضمون، وفي أحيان أخرى ارتدت إلى أشكال من السلطوية". د. علي الدين هلال.
*************
هناك نظرية إستراتيجية للباحث البريطاني رالف ستايسي اسمها "نظرية ستايسي"، وهي تعتمد على عاملين مُهمين؛ هما: اليقين والتوافق، وينبثق منهما عدة سياقات، وهي تتضمن وضع تقدير للمواقف وإيجاد الحلول لها وفق خط عريض لنطاق يحدد ماهيَّات العوامل المدركة. وعطفًا على هذه النظرية الشهيرة وغيرها من النظريات التي نظمت الحلول المناسبة لحالات سياسية واقتصادية عديدة، فهي تعتبر- أو يعتبرها البعض- مقياسًا للعديد من الحلول للمعضلات أو المواجهات التي تواجه كيانات السياسة ومنصات الاقتصاد.
اليقين يعني حصول الحدث فعليًا، واليقين بوجود مشكلة ما، والتوافق يعني توافقية القناعة بالحدث وحصوله، والتجهز لمواجهته بالشكل المطلوب في هذه الحالة وفق توجهات إدارة المكان لذات الحدث. لا شك أنني لن أُدخل القياس الأكاديمي العلمي لهذين القياسين، لأنَّ المقال ليس بمقامه، لكني أُعرِّج على متوازنات ردة الفعل الآنية وعلاقتها بإستراتيجية ردع مفترض وجودها منطقيًا، رسوخ القناعة بطريقة ما للردع غير كافية ولا تأمن من خوف؛ بل الواجب التجديد المستمر لوسائل الردع من حيث القوة والكفاءة والكيف .
وما زلت مع الاقتباسات التي رأيتها ضرورية لفتح مدارك القارئ، وكذلك لتوضيح الفهم أكثر، وهنا أمُرُّ مرور الكرام على الكتاب ذائع الصيت "سيكولوجية الجماهير" لجوستاف لوبون، إذ كتب بدقة في أحد عناوينه الرئيسية بالكتاب: "في كفاحها الأبدي ضد العقل، لم تنهزم العاطفة أبدًا".
ويقول نيقولا ميكيافيلي في كتاب "الأمير" عن الجنود المأجورة وفي حاضرنا قد يكون المقصود الجنود المحاربين بالوكالة عن غيرهم، أو طرف غير موجود في الدولة مقر الجنود المأجورة، بأنهم "ذوو مطامع ولا أمانة لهم، يظهرون الشجاعة أمام الأصدقاء، والجبن أمام الأعداء".
في تكليفات تقدير الموقف لأي سياسي لا يكفي إلمامه الأكاديمي بالتحليل والتقييم؛ إذ للتجربة برهان لا يستهان به، وللفطرة والمواهب الشخصية محلها من الإعراب في هذا السياق العسر، والاعتماد على نظريات لن يفتح الإشارة الخضراء دائمًا أمام الحلول، فلكل حدث إشارته الخضراء، ولكل مقام مقاله ووضعه.
من بديهيات تقدير الموقف لأي حدث، الأفق الواسع والنظرة الثاقبة والإلمام بحركة التاريخ ذو العلاقة بالحدث، وفهم سياسات البلد مقر الحدث، وما هي نقاط القوة والضعف، واحتمالية وجود ثغرات ممكن اختراقها، وأوراق الضغط لدى أطراف الحدث ودقة القراءة لها، وتقييم الموقف وآثاره على كل أطراف الحدث، والأخذ باحتمالات الأسوأ ثم السيئ ثم الأقل سوءًا، وهلم جرًا.
ومن أصعب تقديرات الموقف هو التعامل مع الحركات غير الشرعية المدعومة من دول خارجية، واستطاعت بنفوذ هائل ودعم غير محدود من السيطرة على قرار الحرب والسلام رغمًا عن حكومة شرعية قائمة. هنا ستجد تركيز هذه الحركات على محاولة السيطرة على عاطفة الجماهير، وتشكيل رأي عام مُؤثِّر لصالحها في وسائل الإعلام ووسائل التواصل. وتقدير الموقف في مثل هذه المواقف هو دعم الحكومة الشرعية، وتجاهل وجود الحركات غير الشرعية، مع أهمية التنبُّه لها ولتحركاتها، وقياس التحرك وبناء فرضيات واقعية عطفًا على متواجدات النقاط الممكن تحقيقها في الساحة السياسية.
من المُهم محاربة الحركات غير الشرعية بشكل واضح، عبر ضرب الممول الرئيس لها، حتى يركن الوضع للحكومات الشرعية، وإعادة تشكيل هيكلة بنائها من جديد.
في كتابه "قواعد اللعبة"، توقع المفكر السياسي مارك أمستيوز 3 نماذج مستقبلية متوقعة على نظام الدولة والمؤسسات الدولية. ينبثق النموذجان الأوليان من مذهبي الواقعية والمثالية، أما الثالث فهو النموذج الحديث. ويمثل النموذج الأول استمرار النظام الدولي التقليدي، لكن مع حدوث تغيُّرات مهمة ستطرأ على كل من الدولة والمؤسسات الدولية. أما النموذج المثالي أو المؤسسي، فتتقلص فيه سلطة الدولة ويتسع فيه دور الحوكمة الدولية. والنموذج الثالث والذي أَطلق عليه أمستيوز اسم "النموذج الحديث"؛ فيفترض أن مستقبل النظام الدولي سيتحول جذريًا عن لعبة العلاقات الدولية التقليدية. (1)
أيُّ تعاملٍ مع أية حركات غير شرعية قد يفتح أبواب الفوضى على مصراعيها، ووجود الحكومات الشرعية أيًّا كان سلوكها أخف ضررًا من وجود حركات حزبية تُدعم وتُموَّل وتأخذ أوامرها وتعليماتها من الخارج!
********************
- كتاب: "قواعد اللعبة". مارك أمستيوز، نشر وترجمة دار الفاروق، ط 2، ص 330 (منقول بتصرف).