نصيب العالم من "طوفان الأقصى"

 

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

التقليد والمُحَاكَاة من سمات البشر وصفاتهم اللازبة منذ فجر الخليقة، لهذا كانت "الحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق النَّاس بها"، بقطع النظر عن مصدرها وجغرافيتها، لهذا رأينا الكثير من الأفكار العابرة للحدود والأجيال بطابعها الإنساني الصرف تنتقل وتستقر في جغرافيات وعقول ووجدان أقوام شتى حول العالم، والقاسم المشترك بينهم في تلقيها هو مردُّها الإنساني الفطري المُجرّد من أي بصمة خصوصية.

حين تولّى المناضل أحمد الشقيري مُهمة إنشاء وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية في مطلع ستينيات القرن الماضي، قام بجولة حول العالم للتعريف بقضية فلسطين، وكانت الصين وفيتنام من ضمن تلك الجولة. وحين جلس بجوار الزعيم الصيني ماو تسي تونج، أبدى الشقيري إعجابه بحنكة الزعيم ماو وواقعيته حين أقام نواة مشروعه الثقافي الثوري للصين في مدينة صينية كبديل عن بكين، والتي استعصى عليه ورفاقه حينها السيطرة عليها، وبقيت بأيدي المناوئين من مناصري الإمبراطور، فكان رد ماو على إعجاب الشقيري: "لقد تعلمت هذا التكتيك من نبيكم مُحمد، حين أقام نواة دولته بالمدينة المُنورة حين استعصت عليه مكة".

غادر الشقيري ورفاقه بكين إلى فيتنام؛ حيث قابلوا الزعيم المناضل هوشي منه؛ حيث أبدى الشقيري إعجابه بتكتيك حرب العصابات التي انتهجها هوشي منه في مواجهة جيوش الغُزاة لبلاده، فتلقى الشقيري الرد الصادم الثاني حين قال له الزعيم الفيتنامي: "لقد تعلَّمتُ هذا التكتيك من القائد العربي المغربي عبدالكريم الخطابي في مواجهاته مع الإسبان بالريف المغربي، فيما عُرف تاريخيًا بـ"ثورة الريف".

وقد عرف العالم كذلك وعايش الثورة الفرنسية وفلاسفتها وعبرت الحدود دون وسطاء، وتناقل العالم فصولها ومراحلها في زمن بدائية التواصل بين جغرافيات العالم، وكذلك الحال بالنسبة للثورة البلشفية الشيوعية في روسيا بقيادة لينين ورفاقه، والثورة الكوبية بقيادة الزعيم المناضل فيدل كاسترو ورفيق دربه الأبرز تشي جيفارا.

"طوفان الأقصى" اليوم ليس حدثًا عربيًا طارئًا على أرض عربية مُحتلة تسمى فلسطين؛ بل قيمة إنسانية أخلاقية تحرُّرية تَعني العالم الحر بأسره، وهذا ما تجلّى في التعاطف العالمي التصاعدي غير المسبوق مع القضية الفلسطينية منذ الطوفان المبارك.

في ضجيج طوفان الأقصى، رسائل إنسانية كثيرة تتسلل بهدوء نحو وجدان المواطن العربي والعالم في سياق نظرية التقليد والمحاكاة العابرة للأجيال والحدود.

فلسطين آخر احتلال في العالم المُتشدِّق بالحريات والسيادة للشعوب، وفلسطين فسيفساء من الديانات تجعل منها قيمة روحية وأخلاقية غير موصوفة، وفلسطين غُبنٌ تاريخي غير مسبوق وبتوافق دولي لا مثيل له، واحتلال فلسطين ليس للاستيطان؛ بل قاعدة مشروع غربي إمبريالي احتلالي للسيطرة على العالم الحُر.

"طوفان الأقصى" في حقيقته وعمق رسالته ومقاصده، ليس تحرير فلسطين فحسب؛ بل تحرير عقل عربي وعالمي أسرَته سرديات مُضلِّلة، قَلَبت الأباطيل إلى حقائق، وزينتها للمغفلين والغافلين، وسكبتها قسرًا في عقولهم فغيَّبت وعيهم.

سيدخل "طوفان الأقصى" التاريخ العربي والإنساني من أوسع أبوابه، وسيخرج الزيف الصهيوني من التاريخ إلى مزبلته الواسعة، لتطويه الذاكرة ويحتضنه النسيان الخالد.

قبل اللقاء: ستبقى فلسطين نبضَ العالم وقِبلة أحراره حتى مطلع الفجر الصادق.

وبالشكر تدوم النعم.

الأكثر قراءة