"نانا".. أعجوبة الموسيقى الصوتية

 

علي بن سهيل المعشني

asa228222@gmail.com

 

تتسلل ظلال المساء بهدوء من منحدرات جبال ظفار الشامخة، بينما تعزف نسمات "الكوس" العليلة القادمة من بحر العرب سيمفونيتها الفريدة على أغصان الأشجار. وفي تلك اللحظات السحرية، تصدح أصوات الراعيات بألحان "النانا" الشجية.على نظام السوبرانو (1)، هذا الصوت الأصيل ينساب من أعالي الجبال، ويتردد في جنبات الأودية والكهوف، ليشكل معزوفة طبيعية متكاملة؛ حيث تتحول الجبال والأودية إلى منظومة موسيقية تحاكي حناجر المُغنيات وكأنها  مزامير داوود.

  • الدخلة اللحنية لفن النانا:

تُعبر الدخلة اللحنية لهذا الفن.

""نانا نانا نانانا" عن الشكوى والتفاعل العاطفي والوجداني بين مغني "النانا" والطبيعة المحيطة من حوله.

  • النانا ولد من رحم الخريف:

يتمتع فن "النانا" بجغرافية خاصة تتبع امتداد البساط الخريفي الأخضر في سهول وجبال ظفار، بدءًا من "صرفيت" بولاية ضلكوت غربًا، وصولاً إلى أطراف جبل سمحان الشرقية بولاية سدح. يُعتبر "النانا" وليد الخريف، إذ استلهم جماله من الطبيعة الخلابة والإبداع الإنساني الفريد.

  • النانا تراث إنساني:

"النانا" إعجوبة الموسيقى الصوتية النقية، الخالية من الآلات والمؤثرات الصوتية الحديثة.  هذا الفن يأخذك إلى تجربة حسية غنية، تجمع بين ضدي الحزن والفرح، مما يمنحه بُعدًا حسيًا لا نهائيًا.

  • تاريخ فن النانا:

يعود أصل فن "النانا"  في جبال ظفار، وبدايته بقدم لغة أهل الريف، الجبالية الشحرية. وهو فن نسائي في الأصل، إلا أنه قبل ما يزيد على قرن من الزمان شهد تحولًا بانضمام الرجال إليه، ليصبح جزءًا من تقليد ثقافي مشترك يُعبر عن عبق الماضي وروح الحاضر.

  • شعر النانا:

يشكل الشعر قلب "النانا" و محوره، حيث يتميز بتنوع أوزانه التي تعكس غنى هذا الفن. يعتمد شعر "النانا" على توازن دقيق بين الإيقاع الوزني  واللحن، مما يُضفي عليه جمالية خاصة في اللحن والأداء. ومن أبرز أوزان النانا "المثنى"، الذي يتكون من شطرين (صدر وعجز) ويُعد الأكثر شيوعًا وانتشارًا بفضل إيقاعه الغنائي الجذاب بين أنواع شعر النانا. يليه وزن المثولث والذي يتكون من شطرين (صدر وعجز) بزيادة كلمة واحدة لكل شطر عن وزن المثنى. والوزن الطويل يأتي على نفس وزن المثنى بعدد أبيات حسب رغبة الشاعر أو المدى الذي يريده من قصيدة النانا الطويلة.

  • النانا صورة شعرية:

شعراء "النانا" يمتلكون قدرة استثنائية على توظيف الصور و استدعاء المشاهد سواء من الماضي أو الحاضر أو المستقبل، وتوظيف ذلك كله في لوحات فنية تحمل عبق الأرض والتاريخ والخيال والرمزية التي تصل إلى مستوى اللغزية مما يجعل قصيدة النانا لجة عميقة ذات أوجه متعددة تفتح عليها أبواب التأويلات مما يتطلب فهما عميقاً وقراءة متمكنة للمعنى الذي تحمله قصيدة النانا.

بهذا.. يبقى فن "النانا" أحد أبرز الفنون التي تحاكي الروح وتعبر عن أصالة الإنسان والطبيعة، ليظل هذا الفن تراثًا خالدًا يحمل في طياته جمال ظفار وسحرها متوجًا بإبداع إنساني فريد.

--------------

  1. السوبرانو: الصوت النسائي الصادح بأعلى الطبقات.

تعليق عبر الفيس بوك