ناصر بن سلطان العموري
في الوقت الذي كنت فيه بصدد نشر مقال بعنوان "مُستثمر بريال" ليس تقليلاً من عملة الريال العُماني، ولكن كناية عن ازياد الأفراد بمُسمي مُستثمر ومنحها لكل من هبَّ ودبَّ من يملك ريالاً أو مليونا، وذلك بعد ما كان المستثمر تصحبه سمعة وهيبة، بل كان يخيل لنا أنه حقيبة أموال متنقلة جاءت لتعم الخير وتبث الفرح من خلال ما سوف تستثمره من مشاريع يعود خيرها على البلاد والعباد.
في المُقابل ونتيجة لفتح باب الاستثمار على مصراعيه دون ضمانات كافية، بتنا نسمع قصصًا عجيبة غريبة عن مستثمرين أضروا بالسمعة الاقتصادية للبلد، من خلال استغلال وضعهم ومسمَّاهم كمستثمرين في التحايل على أبناء البلد والمُقيمين فيه؛ بل وامتلأت قاعات هيئة حماية المستهلك والادعاء العام والمحاكم بضحايا هؤلاء المستثمرين الوهميين، الذين لا علاقة لهم بالاستثمار سوى اسمه، ولا هدف لهم سوى الكسب بطرق احتيالية، معتقدين أنَّ حملهم لـ"بطاقة مستثمر" يُوفر لهم الحماية!
لكن مع صدور قرار وقف إصدار تراخيص الاستثمار الأجنبي للمُقيمين من أصحاب التراخيص لفئة العقود الخاصة، وكذلك قرار وقف إصدار تراخيص الاستثمار الأجنبي لفئة المقيمين من أصحاب المهن محدودة المهارة. هذان القراران مثّلا عودة لتصحيح المسار فيما يتعلق بتنظيم الاستثمار الأجنبي؛ لأنَّ ما ذُكر من أنشطة سُمح بها للمستثمر الأجنبي، هو في الأصل يعمل لدى مؤسسة فردية أو متوسطة دون الطلب منه استيفاء اشتراطات الملاءة المالية، كان بمثابة محاربة للتاجر العُماني الممتهن لنفس الأنشطة، ناهيك عن استغلالهم الوضع في اصطحابهم أسرهم وإضافتهم كشركاء، واستغلال المرافق وتحويل أموالهم للخارج، دون وجود مردود مادي حقيقي تستفيد منه البلد!
المستثمر الجاد هو الذي يأتي لتحقيق قيمة مضافة لاقتصاد البلاد من خلال إيجاد صناعة وتجارة تجزئة حقيقية، وضخ مبالغ للاستثمار في البلد، والتي عادة ما يتم تحديدها في دول كثيرة قبل فتح السجل التجاري، واستفادة أبناء البلد مما توفره مشاريع الاستثمار الأجنبي من وظائف وأعمال، والأهم ضمان عدم منافسة المواطنين في تجارتهم المحدودة.
إنَّ إصدار مثل هذه القرارات بكل تأكيد يصُب في مصلحة البلد من الجانب الاقتصادي؛ حيث يعود بالنفع فيما يتعلق برفع حجم الاستثمارات، وهذا بحد ذاته يخدم المشاريع النوعية واستراتيجية الاستثمار للبلد؛ مما يسهم في إنشاء مشاريع ضخمة ترفد الاقتصاد بسيولة مالية ووظائف، فضلًا عن دوران عجلة التنمية، وهذا بدوره يتيح الفرصة لإنشاء مشاريع صغيرة ومتوسطة للشباب العماني، ومن الضروري مُزامنة هذا القرار مع فتح الكليات والمعاهد الفنية لتأهيل الشباب العماني في شتى المجالات الفنية؛ سواءً كانت مجالات الكهرباء أو الميكانيكا او الحدادة أو التبريد والتكييف، وغير ذلك من المهن، حتى يستفيد من هذا القرار الشباب العماني. ويصحب ذلك بالطبع متابعة الجهات المختصة آلية تنفيذها ومدى الجدية في تطبيقها على أرض الواقع.
ومن هنا يجب على وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار تقييم الوضع السابق ووضع إلية استثمارية وشروطا للراغبين في الحصول على تراخيص الاستثمار تسهم في التنويع الاقتصادي للبلد، وزيادة التنافسية وتحفيز الابتكار، والنهوض بالاقتصاد؛ بما يؤدي إلى زيادة الأرباح وبالتالي تمويل مختلف قطاعات الصحة والتعليم والصناعة والزراعة، كي ينعكس بشكل إيجابي على المعيشة عمومًا، ويخلق فرص عمل مستدامة، ويزيد الدخل القومي.