صاحب السمو السيد/ نمير بن سالم آل سعيد
إذا أتيت بثلاثة أشخاص على حدة وفاجأتهم بصفعة قوية مُتساوية القوة على وجه كل واحدٍ منهم، هل ستكون ردة فعل الثلاثة واحدة؟!
قد يغضب الأول غضباً شديداً ويرد الصفعة بأقوى منها مُباشرة. أما الثاني فقد يمسك خده من الألم ولا يصدر منه أي ردة فعل سوى النظر إلى صافعه بخوف وصمت لكف الضرر عنه مخافة التصعيد والأذى الإضافي. أما الثالث فقد يُرحب مستسلماً مبتسماً لصافعه ويعرض له الخد الآخر ليصفعه فيه، وقد يتضامن معه ويهادنه ويتواطأ لأجله، راضخاً منفذًا مُبتغاه.
وإذا حصل لك ما حصل بأن يصفعك أحدهم على وجهك، ماذا أنت بالحال فاعل؟! هل سترد الصفعة؟! أم تستسلم للخوف والصمت والتأجيل رغم الألم والإهانة الفورية المُبرحة؟! وتتحمل وتتجاوز الموقف وكأنه لم يكن مُؤثِرًا السلامة على أمل أن يرد حقك ولو بعد حين، مؤمنًا بأنك لن تصل إلى الإنصاف إلا بعد تكبد مرارات الإجحاف؟ أم أنَّ ردة فعلك تعتمد على من يكون الصافع والحالة التي أنت عليها ومصلحتك الشخصية لتتفاعل وفق ذلك حسب ما يأتي به الموقف؟!
أم أنت لا تقبل الظلم والاستبداد من أي كان، وستنتصر لكرامتك المهانة حتى ولو كان ذلك سيتسبب في إيذائك؟!
الصفعة واحدة، وردود الأفعال مختلفة، هكذا الإنسان محركه تفكيره، وتقوده تصرفاته لتأتيه النتائج حسب ما يقوم به من أفعال.
والصفعة في الحياة ليست بالضرورة أن تكون لطمة على الخد، وإنما قد تكون ظلمًا تتعرض له في حياتك يأتيك من جهة عامة أو خاصة أو جماعة أو فرد يسلبك حقك أو يتعدى على حدودك.
وتلك قد تكون من أشد الصفعات التي قد يتلقاها المرء في حياته، وقد تأتيه مرة واحدة في الحياة أو مرات متوالية. والقرار هل النهوض والمواجهة والمقاومة إلى النهاية وليكن ما يكون؟! أم الاستسلام والاستكانة والصبر على الظلم والهوان خشية من ضرر أكبر وخسارة أفدح؟!
مثل ذاك الهندي الفقير الذي قام بصفعه الضابط الإنجليزي أيام الاحتلال البريطاني في الهند. فأعاد الهندي الفقير الصفعة بمثلها وأقوى منها، مُنتقمًا لكرامته؛ فذهب الضابط إلى قائده وأخبره بجرأة الهندي الفقير وتمرده بقيامه بصفعه، وهو الضابط الإنجليزي ذو المهابه والاحترام. فقال له قائده لا تعاقبه أو تسجنه؛ بل اذهب واعطه المال ليفتح تجارة، فاستغرب الضابط من ذلك لكنه نفَّذ تعليمات قائده مستجيبًا لأوامره.
وبعد عدة سنوات قليلة ازدهرت تجارة الهندي الفقير وأصبح غنيًا، فقال القائد المسؤول عن الضابط، اذهب الآن إلى ذلك الهندي في السوق واصفعه بقوة أمام حشد من النَّاس. وفعلاً ذهب الضابط وصفع الهندي وأطاح به على الأرض، فنهض الهندي دون أن يُبدي أي مقاومة، ناظرًا إلى الضابط محركًا رأسه يمينًا وشمالًا وكأنه مُستعد لتلقي المزيد من الصفعات برضاه!!
ذهب الضابط إلى قائده ليخبره بما حصل، فقال له قائده: اسمع أيها الضابط: حين صفعته وهو فقير لم يكن لديه ما يخسره أو يدافع عنه إلّا كرامته التي أهدرتها بصفعه أمام جماعته. فكان لا بُد أن يستعيد كرامته المفقودة التي ليس لديه سواها، فردَّ عليك الصفعة بأقوى منها غير مبالٍ حتى لو تسبب ذلك في مقتله!
لذلك.. احذر من يأس اليائسين وامنحهم الأمل ليقتاتوا به ويعيشوا عليه. ولذا عندما أصبح الهندي غنيًا خشي على تجارته وأمواله ومستقبله ومصالحه، فلم يقدر أن يرد الصفعة، وحتى لو انهالت عليه الصفعات كثيرًا!