رؤية حالمة في قضايا وطن شامخ

 

 

‏راشد بن حميد الراشدي

 

في يوم مُشرق وبعد متابعتي لعدد من التغريدات والمناشدات حول عدد من قضايا الوطن وهمومه من مختلف فئات المجتمع عبر وسائل التواصل الاجتماعي قضايا حملت ويحمل همها كل لبيب عاقل وكل مُواطن غيور على وطنه يتمنى تحقق الأمل في حلها ومعالجتها واختفاء ظواهرها وأعراضها.

في فترة الظهيرة ومع قيلولة ما بعد الظهيرة التي لا أفارقها، غفت عيني قليلاً في سويعات راحة للنفس وتجديدا للنشاط والفكر، ومع ذلك الهجيع لروحي ترآى لي ذلك الحلم الجميل وأنا أخُط رسالة إلى الأب الحاني والسلطان الشهم الكريم جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله- رسالة حملت كل تلك الهموم التي تدور في خلدي وكل تلك القضايا الوطنية الحاضرة التي يجب وضع النقاط على حروفها في وطن شامخ بمجده ونهضته الفتية وسلطانه الكريم المُخلص لوطنه وشعبه، رسالة حملت الحب لله وللسلطان ولثرى هذا الوطن العزيز، رسالة بها معاني وأمنيات سعيدة لشعب أبهر العالم بطيبته وحسن خلقه لكل من زار عُمان وعاش في كنف أرضها المحبة للجميع؛ حيث بدأت رسالتي بمخاطبة سيدي السلطان:

سيدي السلطان المعظم..

أبناؤكم ووطنكم العزيز الذي يكن لكم ولمقامكم السامي كل محبة وود وإخلاص وتفانٍ، يحمل اليوم همومًا نأمل إيجاد الحلول الجذرية لها وإصلاحها على بساط رؤيتكم السديدة التي غرستم شجرتها الزاهرة منذ توليتم مقاليد الحكم في البلاد. فلقد طالت هذه الهموم كل بيت تقريبًا في هذا الوطن، وكل شاب بلا عمل، وهم يثمنون دوركم العظيم وجهودكم الجبارة وأنتم تسابقون الزمن في إدارة شؤون البلاد باقتدار، لوضعها في مكانها الصحيح بين الأمم، وهم يحلمون اليوم بعيش كريم وبتغير مسارات حياتهم، بعد أعوام من الصبر على ما مر بالبلاد وبالعالم أجمع من أزمات متتالية، على أمل انفراجة تحمل الخير في قادم الأعوام، وهم واثقون بأن الخير قادم بعد الله في نهجكم الكريم وقيادتكم الحكيمة المخلصة. ومع تقادم السنين والأيام وزيادة انقباضة حلقة الصبر التي مرت على بعضهم لسنوات ثقال ومع ارتفاع تكلفة المعيشة وازدياد أعباء رب الأسرة وولي الأمر وقلة ما في اليد، فإنني أرفع لجلالتكم أهم قضايا الوطن، وقد سبق أن تناولتها المقالات، لكن بدون حلول فاعلة.

سيدي السلطان المعظم..

إن ما يحدث من أحداث في وطن السلام يحتاج الى اهتمامكم الكريم وتوجيهاتكم السديدة وحكمتكم البالغة في الأمر؛ فالبطالة المنتشرة بين أبناء المجتمع والتي تعدت 100 ألف باحث فضلا عن المُسرَّحين، تزيد من هموم أبناء الوطن وأسرهم، الذين هم عماد الوطن، والذين يعيشون بلا عمل، ولا مصدر عيش كريم يضمن سير نهج حياتهم إلى الأفضل من خلال مصدر دخل ثابت يعينون به أهليهم وأنفسهم، إضافة إلى تراكم الديون التي أثقلت كاهل بعض الأسر، وألقت بعدد من المواطنين في غياهب السجون، وكذلك تراجع أجور العاملين من الموظفين العمانيين، بينما في الوقت ذاته يزداد عدد العاملين الوافدين؛ حيث وصل عددهم قرابة المليونين، وهم يعملون في معظم قطاعات الإنتاج؛ حيث تمتلئ الشركات بأعداد كبيرة منهم وبدون حلول جذرية يلمسها المواطن أمامه في إحلالهم بأبناء الوطن، وتعمين تلك الوظائف التي يشغلونها.

هناك مترتبات مالية بدأت تُثقل كاهل المواطنين والأسر، مثل زيادة أسعار الخدمات العامة بمختلف أنواعها والتي ساهمت في تفاقم الالتزامات المالية على المواطنين، وكذلك ارتفاع تعرفة الكهرباء والمياه، اللذين يمثلان عصب حياة الإنسان، فضلًا عن الرسوم التي تفرضها بعض الجهات الحكومية في المعاملات اليومية.

الضرائب المفروضة على عدد من السلع والخدمات التي تقدمها الحكومة وضرائب الشركات ساهمت كذلك في التضييق على حال المواطن، وعدم استطاعته شراء أبسط احتياجاته من السلع الأساسية والاستهلاكية.

كل ذلك ساهم في ضعف الاستثمار الجاد في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وعدم استطاعة الشباب الطموح تكوين كيانات شبابية منتجة تكون نواة لمستقبل أفضل للاقتصاد رغم جهود الحكومة لدعمهم، بسبب منافسة الوافد في كل الانشطة التي يمكن للمواطن العمل فيها بتفانٍ واقتدار، وكذلك نتيجة لاستغلال البعض للقوانين القائمة، مثل قانون استثمار رأس المال الأجنبي والتأشيرات السياحية وغيرها.

أهمية وضع رؤية استراتيجية لسوق العمل العماني ورفده بما يحتاجه من كفاءات من أبناء الوطن مثل الأطباء والممرضين والمعلمين والإداريين وغيرهم، من خلال طرح أعداد أكبر في تلك التخصصات من قبل وزارة التعليم العالي في عدد من التخصصات، فمع حصول أعداد كبيرة من الطلبة العمانيين على نسب عالية في شهادة الدبلوم العام بمعدلات تقارب 100%، بات حريًا بنا طرح 2000 مقعد لدراسة الطب مثلًا، وكذلك بالمثل في كل التخصصات التي يجب تعمينها وإحلال ابناء الوطن فيها. لكن في المقابل يتم طرح آلاف المقاعد في قطاع الهندسة المكتظ بالخريجين في مختلف التخصصات ولم يحصل كثير منهم على فرص وظيفية الى اليوم. لذا نأمل توجيه تخصصات التعليم العالي لما يحتاجه الوطن من التخصصات التي يشغلها الوافد وفي مختلف المجالات التي يحتاجها الوطن.

العمالة الوافدة تُحوِّل إلى بلدانها مليارات الريالات سنويًا والتي لا يستفيد منها الوطن شيئًا، بينما بعض أبناء الوطن يعيشون على الكفاف، مع وجوبية أن تكون هذه الوظائف ومصادر الدخول المحولة للمواطن بدلًا من الوافد؛ فالمواطن أحق بالعمل في وطنه. ومع وجود خطط ورؤى طموحه للاحلال والتعمين ومكافحة الفساد المتمثل في تحايل الشركات وتنصلها من واجباتها في إحلال المواطنين وتسريحهم، وهو أمر يتوجب معالجته بسرعة.

إننا اليوم نطرق بمطرقة الإصلاح لتغيير الواقع لصالح أبناء هذا الوطن، ولا يخالطنا شك أن نتائج ذلك ستكون مُبهرة على الوطن وابنائه واقتصاده وسلمه وأمنه بإذن الله.

إن الهاجس الأمني والسلوكي والضغط على مكتسبات التنمية من خدمات ومشاريع التي يستفيد منها الوافد يجب التفكير فيها بيقين أكبر، لكي تظل عُمان مُزدهرة ومُتقدِّمة.

 

سيدي السلطان المعظم..

إن الأمل بكم قد تحقق منذ انبلاج فجر العهد الجديد، والسلطان الراحل- طيب الله ثراه- توسم في مقامكم الكريم الخير لعُمان، وقد تحققت المنجزات العديدة بحمد الله وتوفيقه في مختلف المشاريع التي نراها اليوم وتقلص الدين العام.

أبناء وطنكم اليوم يطرقون بابكم الكريم لعرض احتياجاتهم وهمومهم التي يعيشونها، ومقاكم الرفيع منبع عزتهم وافتخارهم، راجين الله عز وجل تحقيق آمالهم وفك كربهم، والوفاء للوطن وسلطانه وخدمته وبنائه، وهم قد شمّروا عن سواعد الجد بشهاداتهم العلمية والإخلاص والتفاني في العمل، كلٌ في مجاله واختصاصه.

حفظ الله عُمان وسلطانها وشعبها وأدام عليهم نعمة الأمن والأمان والاستقرار والسلام، وأبناء عمان يرفلون في أثواب العزة والكرامة والفخر.