رحلة بناء الهُوية والمواطنة

 

أحمد بن موسى البلوشي

 

الهوية والمواطنة مفهومان أساسيان في تشكيل المجتمعات الحديثة؛ حيث يُسهمان في بناء الشخصية الفردية والجماعية، وتحديد الانتماءات والقيم التي تجمع أفراد المجتمع؛ فالهوية تُعبر عن الخصائص الفريدة التي تميز الفرد أو المجموعة، مثل اللغة، الدين، الثقافة، والتقاليد.

والهوية ليست مجرد انعكاس لماضينا؛ بل أيضًا توجيه لمستقبلنا، وتشكل الهوية الوطنية جزءًا من الهوية الشخصية للفرد؛ حيث ترتبط بمكان ولادته، تاريخه، وثقافته، والمواطنة هي العلاقة بين الفرد والدولة، وتتضمن حقوقًا وواجبات. المواطنون يشاركون في بناء المُجتمع، ويحصلون على حماية الدولة ومزاياها، وفي المقابل، يلتزمون بالقوانين ويُشاركون في الحياة العامة، وتساهم المواطنة الفاعلة في تعزيز الديمقراطية والتعايش السلمي.

وتؤدي وزارة التربية والتعليم دورًا محوريًا في تشكيل الهوية الوطنية وتعزيز قيم المواطنة من خلال المناهج الدراسية التي تُعد الوسيلة الرئيسية لتحقيق هذا الهدف، ويتعرف الطلبة من خلال المناهج على تاريخ بلادهم وجغرافيتها، بالإضافة إلى القيم والتقاليد التي تشكل هويتهم الوطنية. وفي إطار جهودها المستمرة لتعزيز هذه القيم، استحدثت وزارة التربية والتعليم هذا العام منهجًا خاصًا يُركز على تعليم الناشئة مفاهيم الهوية والمواطنة، مما يُسهم في بناء جيل واعٍ بتراثه وثقافته وقادر على المُشاركة الإيجابية في المُجتمع.

بالرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها وزارة التربية والتعليم لتعزيز الهوية الوطنية وقيم المواطنة، إلا أنَّ هناك تحديات تعترض هذه الجهود، ومن أبرز هذه التحديات تأثير العولمة وانتشار تكنولوجيا المعلومات، التي قد تؤدي إلى تآكل بعض جوانب الهوية الوطنية نتيجة للتعرض المكثف لثقافات وقيم خارجية، وأركز هنا على وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، حيث تساهم في تشكيل الآراء، نشر المعلومات، وبناء العلاقات الاجتماعية. لكن تأثيرها يتجاوز ذلك ليشمل جوانب أعمق تتعلق بالهوية والمواطنة، وتلعب هذه المنصات دورًا معقدًا في تشكيل وتغيير الهوية الفردية والجماعية، وفي الوقت نفسه، تؤثر بشكل كبير على ممارسات المواطنة وسلوكيات الأفراد داخل المجتمع، ويتطلب الأمر هنا توازنًا دقيقًا في ذلك، ويأتي هنا دور الوالدان في غرس هذه القيم في نفوس أبنائهم، حيث تبدأ رحلة بناء الهوية والمواطنة في الأسرة قبل أن تتعزز في المدرسة والمجتمع.

وتمارس الأسرة دورًا حيويًا في تكوين الهوية الوطنية وغرس قيم المواطنة في نفوس الأبناء. من خلال التربية السليمة والتوجيه المُستمر، ويمكن للوالدين تشكيل جيل واعٍ يعتز بهويته الثقافية والدينية، ويفهم دوره كمواطن فاعل في بناء المجتمع والوطن. بالتالي، فإنَّ التعاون بين الأسرة والمدرسة والمجتمع هو المفتاح لضمان تنمية هوية وطنية قوية ومواطنة إيجابية لدى الأجيال القادمة.

في الختام.. إنَّ الهوية والمواطنة ركيزتان أساسيتان في تشكيل المجتمعات المتماسكة والمزدهرة، ومن خلال تعزيز الهوية الوطنية والفخر بالتراث الثقافي، يتم تمكين الأفراد ليصبحوا جزءًا فاعلاً في بناء مجتمعهم. وفي الوقت ذاته، تُعزز المواطنة روح المسؤولية والتعاون بين الفرد والدولة، مما يسهم في استقرار وتطور المجتمع. ومع التحديات المتزايدة الناتجة عن العولمة والتكنولوجيا الحديثة، يصبح دور كل من الأسرة والمدرسة والمجتمع أكثر أهمية في الحفاظ على توازن الهوية والمواطنة، لضمان تنشئة أجيال تدرك قيمها وتشارك بإيجابية في مستقبل وطنها.

تعليق عبر الفيس بوك