كشف الستار عن حالة ظَفَارِ للشيخ عيسى الطائي قاضي قضاة مسقط (16)

 

تحقيق: ناصر أبوعون

 

يقول الشَّيخُ القاضِي الأجَلّ عِيَسى بِنْ صَالِحٍ بِنْ عَامِرٍ الطَّائِيُّ: [وَالْمُرَادُ بِالْعَمَالِيقِ (طَسَم)، وَصُوْرَةُ خَبَرِهَا بِاخْتِصَارٍ؛ أَنَّ (عِمْلَاقَ) مَلِكَ طَسَم كَانَ مَلِكًا جَبَّارًا، وَكَانَتْ (جَدِيسُ) رَعِيَّةً لَهُ، فَإذَا زُفَّتْ عَذْرَاءُ مِنْهُمْ لِـ(بَعْلٍ) أُدْخِلَتْ عَلَيهِ قَسْرًا، فَإِذَا اِفْتَرَعَهَا زُفَّتْ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الْبَعْلِ. حَتَّى تَزَوَّجَتْ (عُنَيْزَةُ اِبْنَةُ غِفَارِ) أُخْتُ سَيِّدِ جَدِيْسَ الْأَسْوَدُ بنُ غِفَارٍ بـِ(كُفْءٍ) مِنْ سَرَاةِ جَدِيْسَ؛ فَلَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَى الْمَلِكِ عِمْلَاق وَافْتَرَعَهَا خَرَجَتْ تُنَادِي وَتَقُولُ:

لَا مَعْشَرَ أَذَلَّ مِنْ جَدِيْسَ

أَهَكَذَا يُفْعَلُ بِالْعَرُوسِ

عَدِمْتُكُمْ يَا سُقْطَ النُّفُوسِ

فَأثّرَ قَوْلُهَا فِي قَلْبِ أَخِيْهَا الْأَسْوَدِ بِنْ غِفَار، فَعَمَدَ إِلَى حِيْلَةٍ فَاسْتَضَافَ الْمَلِكَ عِمْلَاقَ وَجَمِيْعَ أَرْبَابِ دَوْلَتِهِ، وَنَحَرَ لَهُمْ الْجُزُرَ، وَأَمَرَ قَوْمَهَ أَنْ يَدْفِنُوا سُيُوْفَهُمْ بِرَمْلِ الْوَادِي الَّذِي سَيَترُكُ الطَّعَامَ فِيْهِ لِـ(عِمْلَاقَ) وَأَصْحَابَهُ، فَلَّمَّا جَاءَ الْمَلِكُ عِمْلَاقُ وَجُنُودُهُ وَاشْتَغَلُوا بِالْأَكْلِ عَمَدَتْ جَدِيْسُ إِلَى سُيُوْفِهِمْ وَاسْتَخْرَجُوهَا مِنَ وَرَاءِ أَظْهُرِ طَسَمَ وَضَرَبَ الْأَسْوَدُ بِنْ غِفَارٍ عِمْلَاقَ بِنَفْسِهِ وَحَكَّمَ السَّيْفَ فِي طَسَمَ حَتَّى أَبَادَهَا، وَلَمْ يَفْلُتْ إِلَا رَجُلٌ مِنْهُمْ مَضَى إِلَى الْمَلِكِ حَسَّانَ (مُسْتَصْرِخًا)، فَـ(اسْتَشَاطَ) حَسَّانُ غَضَبًا، وَقَالَ:أَتَفْعَلُ جَدِيْسُ ذَلِكَ وَأَنَا بِـ(غُمْدَانَ ظُفار)؛ فَنَهَضَ لِقَتْلِ جَدِيَس، ونهاه وُزَرَاؤُهُ أنْ يفعل، فأبى إلا ذاك وَمَضَى صَامِدًا إِلَيْهِمْ حَتَّى أَبَادَهُمْ قَتْلًا. وَالْقِصَّةُ فِي ذَلِكَ مَشْهُورَةٌ، وَمَا قِيْلَ فِيهَا مِنَ الشِّعْرِ تَرَكْنَاهُ")].

***

عِملاق تزوّج كل نساء المملكة

- قال الشَّيخُ القاضِي عِيَسى الطَّائِيُّ: [وَالْمُرَادُ بِالْعَمَالِيقِ (طَسَم)، وَصُوْرَةُ خَبَرِهَا بِاخْتِصَارٍ؛ أَنَّ (عِمْلَاقَ) مَلِكَ طَسَم كَانَ مَلِكًا جَبَّارًا، وَكَانَتْ (جَدِيسُ) رَعِيَّةً لَهُ.فَإذَا زُفَّتْ [عَذْرَاءُ] مِنْهُمْ لِـ(بَعْلٍ) أُدْخِلَتْ عَلَيهِ قَسْرًا، فَإِذَا اِفْتَرَعَهَا زُفَّتْ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى بَعْلِها)].

قال ابن الأثير: "كان (طسم) بن لوذ بن إرم بن سام بن نوح، و(جديس) بن عامر بن أزهر بن سام بن نوح ابني عمٍّ، وكانت مساكنهم موضع اليمامة، وكان اسمها حينئذ (جوا)، وكانت من أخصب البلاد وأكثرها خيرا، وكان ملكهم أيام ملوك الطوائف (عِمْلَاقَ أو عِمليق)، وكان ظالما قد تمادى في الظلم والغشم والسيرة الكثيرة القبح، وإنَّ امرأة من جديس يقال لها (هُزيلة) طلقها زوجُها وأراد أخذ ولدها منها فخاصمته إلى عمليق وقالت: أيها الملك حملته تسعا، ووضعته دفعا، وأرضعته شفعا، حتى إذا تمت أوصاله، ودنا فصاله، أراد أن يأخذه مني كرهًا، ويتركني بعده وَرْهٍا. فقال زوجها: أيها الملك إنها أُعطيتْ مهرها كاملا، ولم أُصِبْ منها طائلا، إلا وليدا خاملا، فافعل ما كنت فاعلا. فأمر الملك بالغلام فصار في غلمانه، وأن تُباع المرأة وزوجها فيعطى الزوج خمس ثمنها وتعطى المرأة عشر ثمن زوجها(1)، فقالت هزيلة:

أتينا أخا طسم ليحكم بيننا

فأنفذ حكما في هزيلة ظالما

لعمري لقد حكمت لا متورعا

ولا كنت فيمن يبرم الحكم عالما

ندمت ولم أندم وأنى بعترتي

وأصبح بعلي في الحكومة نادما

"فلما سمع عملاق قولها، أمر أَنْ لاتُزَوَّجَ بِكْرٌ من جديس وتُهْدَى إلى زوجها حتَّى يَفْتَرِعَها، فلقوا من ذلك بلاءً وجَهَدًا وذُلًا، ولم يزل يفعل ذلك"(2)

جُموع ومَعَانٍ خَفيَّة في العربية

 - [عَذْرَاءُ]: العذراء من النساء: الْبِكْر، والعذراء من الرّمال التي لم تُسْلَك، ويأتي جمعها على ثلاثِ صور:

(أ) [(عَذارَى)]: بالألف المقصورة المسبوقة بفتح، وشاهدها الشعريّ في قول تأبَّط شرًّا:

وَقَدْ صِحْتُ فِي آثَارِ حَوْمٍ كَأَنَّهَا

عُقَيْلٍ أَوْ بَكَارَةُ حِمْيَرَا(3)

(ب)[(عَذارِي)]: بالياء المعجمة المسبوقة بكسر، وشاهدها في قول طرفة بن العبد البكريّ:

وَعَذَارِيْكُمْ مُقَلَّصَةٌ

فِي دُعَاعِ النَّخْلِ تَجْتَرِمُهُ(4)

(ج)[(عَذَائِر)]: ونقرأها في شِعْر مهيار الديلميّ:

عَذَائِرًا تَكُوْنُ مَا شِئْتَ بِهَا

كُلُّ ضُحَى تَهْنِئةً مُعَرِّسًا(5)

- [(بَعْل)]: زوج المرأة، ونقرأ شاهدها من كلام العرب في كتاب (مجمع الأمثال)؛ من قول إحدى صواحب العجفاء بنت علقمة السعديّة "خَيْرُ النِّسَاءِ الْمُبْقِيَةِ عَلَى (بَعْلِهَا) الصَّابِرَةُ عَلَى الضَّرَّاءِ؛ مَخَافَةَ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهَا مُطَلَّقةً، فَهِي تُؤْثِرُ حَظَّ زَوجِهَا عَلَى حَظِّ نَفْسِهَا"(6). ويأتي الجمع من كلمة (بعل) على أربع صور:

 (أ)- [بُعُولة]، وشاهدها في قول حِرَاب بن الورد النَّهميّ الهَمَدانيّ:

ضَرْبَنَا السَّهْمَ فِي خُرُدٍ

حِسَانٍ وَمَالٍ مِنْ [بُعُولتِها] كَثِيرِ(7)

(ب)- [بُعُول]، ونقرأ شاهده اللغويّ في شعر الأفوه الأوديّ:

فَأُبْنَا بِحُورٍ كَالظِّبَاءِ، وَجَامِلٍ

وَلَمْ يَمْنَعِ الْبِيْضَ الْحِسَانِ (بُعُولُها)(8)

(ج)- [بِعَال]، ونجد شاهده الشعريّ في ديوان مِهيار الديلميّ:

رَأَتْكَ مَوَدَّتِي كُفْئًا فَفَرَّتْ

وَكَانَتْ نَاشِزًا تُعْيي (الْبِعَالا)(9)

(هـ) – [أَبْعُل]، وقد ورد أيضًا في ديوان مهيار الديلميّ في قوله:

أَبْنَاءُ نِسْبَتِهَا، وَ(أَبْعُل) عُذْرِهَا

وَإِذَا عَدَتْكُم أَعْزَبَتْ وَتَأَيَّمَتْ(10)

- [(قَسْرًا)]: غصبًا وقَهْرًا وغَلَبَةً، ومنه قولُ بَرَّة بِنْتِ الْحَارِثِ الكِنَانِيّة:

وَالْمَوتُ يُورِدُهُمْ مَوَارِدَهُمْ

(قَسْرًا) فَقَدْ ذَلُّوا عَلَى (الْقَسْرِ)(11)

 - [(افترعها)]: (افْتَرَعَ الْبِكْرَ): افْتَضَّ بَكَارَتَها، وشاهِدها في قول علي بن أبي طالب– رضي الله عنه-: "والشَّيْبَاءُ: الْمَرْأَةُ الْبِكْرُ. وَلَيْلَةَ اِفْتِضَاضِهَا، لا تَنْسَى بَعْلَهَا الَّذِي (اِفْتَرَعَهَا) أَبَدًا"(12)

عُفَيرة تقود الثورة ضد عِملاق

- قال الشَّيخُ القاضِي عِيَسى الطَّائِيُّ: [(حَتَّى تَزَوَّجَتْ عُنَيْزَةُ اِبْنَةُ غِفَارِ أُخْتُ سَيِّدِ جَدِيْسَ الْأَسْوَدُ بنُ غِفَارٍ بـِ(كُفْوءٍ) مِنْ (سَرَاةِ جَدِيْسَ)، فَلَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَى الْمَلِكِ عِمْلَاق وَافْتَرَعَهَا خَرَجَتْ تُنَادِي وَتَقُولُ:

لَا مَعْشَرَ أَذَلَّ مِنْ جَدِيْسَ

أَهَكَذَا يُفْعَلُ بِالْعَرُوسِ

عَدِمْتُكُمْ يَا سُقْطَ النُّفُوسِ

- [(عُنَيْزَةُ اِبْنَةُ غِفَارِ)] في هذا الاسم تصحيفٌ، وربّما الخطأ في تدوين رحلة الشيخ عيسى الطائيّ إلى (ظَفار) وقع من الناسخ لتقارب الحروف بين (عُنَيْزَةُ)، و(عُفَيْرَة)، ولكون الكلمتين على وزنٍ واحد، أو ربّما وقع الخطأ في السماع عند الإملاء. وفي القاموس: "(عُفَيْرَة) كـ(جُهَيِنَة). واسمها الصحيح المتداول (عُفَيْرَة بنت غِفَارِ) امرأة من حكماء الجاهلية" واسمها "عُفَيْرَةُ بنتُ عَبَّاد أخت الأسود بنِ غِفار، الملقَّبَة بـ(الشموس) شاعرة جاهلية من أهل اليمامة من بني جديس بـ (نجد)، لها خبرٌ وشعرٌ في تحريض قومها على قتال (طسم)، في قصيدة شهيرة تتناقلها الألسن"(13)[(كُفْء)] بسكون الفاء المعجمة، أوبضمها [(كُفُء)]، والجمع: [(أَكْفَاء)]، والمقصود (زوج) نظيرٌ لها في المجد والسؤدد، وعلو الشرف، وطهارة النسب. ومن شواهدها في كلام العرب ما هو منسوب إلى الحارث بن كعب المَذْحِجيّ: "زَوِّجُوا النِّسَاءَ (الْأَكْفَاءَ)، وإِلَّا فَانْتَظِرُوا بِهِنَّ الْقَضَاءَ، وَلِيَكُنْ أَطْيَبَ طِيْبِهِنَّ الْمَاءُ"(14). ولم يأتِ استعمال هذا لفظ (كُفء) من قِبلِ الشيخ عيسى الطائيّ اعتباطًا، وإنما لاشتغاله باللغة فهو على علم بمعناه خارج النص (القاموسيّ)، وداخل النصّ (السياقيّ)؛ فضلا عن اشتغال الشيخ بالقضاء، وهو قاضي قضاة مسقط، وقد عرضت له العديد من القضايا حول الكفاءة بين الزوجين؛ لذا آثر استخدامه لما يحمله من دلالة مفضلا إياه على مفردات مطروقة منها:(النظير والنِّد والمُماثِل). و"الكفاءة في الزواج هي المماثلة بين الزوجين دَفْعًا للعار في أمور مخصوصة، ويُراد منها تحقيق المساواة في أمور اجتماعية من أجل توفير استقرار الحياة الزوجية وتحقيق السعادة بين الزوجين حتى لاتُعيّر المرأة أو أولياؤها بالزواج بحسب العُرف"(15)، و"لا يكاد ينعقد الإجماع في المسائل المتعلقة بالكفاءة في الزواج باستثناء الدين والخلق، أمّا باقي الصفات الأخرى فهي مسائل اجتهاديّة"(16)، ونقل ابن حزم الظاهريّ اتفاق الفقهاء في أنّ نكاح المرة كُفؤًا لها في النسب والصناعة جائزٌ"(17)، واتفق العلماء في اعتبار الكفاءة عند التزويج، وإنّما الخلاف بأي شيءٍ تحصل؟(18)، "واعتبر الحافظ القاسم الحنفيّ اشتراط الكفاءة من الأمور معقولة المعنى وميسرة التحقق فجعلها في الموطن الثالث من رسالته في باب الكفاءة في النكاح، وربط الحكمة من وراء اعتبارها هو دفع العار عن الزوجة ووليها إذا تزوجت بغير كفء لها"(19)

- [(سَرَاة جَدِيْسَ)]، (سَرَاة الشيء) في اللغة: أعلاه، والمقصود من بيت سليلِ مجدٍ دعائمه أعزُّ وأطول. ونقرأ شاهده في بيت شعر منسوبٍ إلى مالك بن فهم الأزديّ يقول فيه:

جلبتُ الخيل من (سَرَوَاتِ)

نَجْدٍ ووَاصَلْتُ الثَّنَايَا غَيْرَ وَانِ(20)

-[(خَرَجَتْ عُفيرة تُنَادِي وَتَقُولُ:

لَا مَعْشَرَ أَذَلَّ مِنْ جَدِيْسَ

أَهَكَذَا يُفْعَلُ بِالْعَرُوسِ

عَدِمْتُكُمْ يَا سُقْطَ النُّفُوسِ

جاء في تاريخ المسعوديّ ما يندى له جبين الكرامة الإنسانية من السكوت على مظاهر الإذلال التي تتأبّها نفسُ العربيّ الحُرّة المتوارثة؛ فذكر لنا الشيخ عيسى الطائيّ أنّه "لمّا كانت ليلةَ هدي (عُفَيرَة) إلى زوجها انطلق بها إلى الملك (عِملاق) ليطأها على عادته مع كل نساء مملكته، ومعها القينات يُغنين ويقلن في غنائهن:

ابْدِي بـ(عِملوقِ) وقُومِي فَارْكَبي

وبَادرِي الصُّبْحَ بِأَمْرٍ مُعْجبِ

فَمَا لِبِكْرٍ بَعْدَكُمْ مِنْ مَذْهَبِ

فلما دخلت (عفيرةُ) على (عِملاق) افترعها وخلّآ سبيلها، فخرجت [(تُنَادي)]على قومها في (دمائها) شاقةً جيبها عن قُبُلِها ودُبُرها، وهي تقول:

لَا أَحَدَ أَذَلَّ مِنْ جَدِيْسَ

أَهَكَذَا يُفْعَلُ بِالْعَرُوسِ

- [(تُنَادِي)]: من (تَنَادِي القوم): أيْ دَعْوَةُ بَعْضِهِم بَعْضًا، وشاهدها نقرأه في قول امريء القيس بن حُجْر الكنديّ(21):

فَكَانَ (تَنَادِيْنَا) وَعَقْدَ عِذَارِهِ

وَقَالَ صَحَابِي: قَدْ شَأَوْنَكَ فَاطْلُبِ

وأبت (عُفيرةُ بنت عبّاد الجديسيّة) أن تمضي إلى زوجها، وأنشدت أبياتا ثوريّة على وزن البحر الطويل، تحرّض فيها (قومها /جديس) على قبيلة (طسم) وملكهم (عملاق)(22)

أَيَصْلُحُ مَا يُؤتَى إلى فَتَياتِكُم

وَأَنْتُمُ رِجَالٌ فَيكُمْ عَدَدُ الرملِ

أَيَصْلُحُ تَمْشِي فِي الدِّمَا فتياتكم

صبيحةَ زُفَّتْ فِي النِّسَاءِ إِلَى البَعْلِ

فإن أنتم لا تغضبوا بعد هذه

فكونوا نساءً لا تغيضوا على الكُحل

ودونَكم طِيبَ العروسِ؛ فإنّما

خُلِقْتُم لأثوابِ العَروس وللغسل

فقبحًا وشيكا للذي ليس دافعًا

ويختال يمشي بيننا مشية الفحل

فلُو أَنَّنَا كُنّا رِجالاً وكُنْتُمُ

نِسَاءً لكُنَّا لا نُقِرُّ على الذُّلِ

فَمُوتُوا كِرَاماً واضرموا لعَدُوَّكُمُ

بحربٍ تلظَّى بِالضِّرام من الْجَزْلِ

ولا تجزعوا للحرب يا قوم، إنّما

نقوم بأقوامٍ كرامٍ على رِجْل

فيَهْلَكُ فِيَها كُلُّ نِكْسٍ مُواكِلٍ

وَيَسْلَمُ فِيْها ذُو النَّجَابة والفَضْلِ

الزوج والعروس.. لطيفة لغوية

من جماليات اللغة العربية المساواة بين الذكر والأنثى من جنس الإنسان والحيوان، وكل اثنين لا يستغني أحدهما عن الآخر في لفظة (الزَّوجُ)؛ فيُقال للرجل (زوجٌ)، وللمرأةُ (زوج)؛ قال الله جل ثناؤه:{اسكن أنت وزوجك الجنة} (البقرة:35) بدون التاء الدالة على التأنيث. و[(العَرُوس)] تُطلق على المرأة أيامَ البناء بها والدخول عليها، وشاهدها نقرأه عند امريء القيس بن حُجْر الكِنْديّ عندما شبّه ظهر الفرس الأملس بالحَجَر الذي تَطْحضنُ العروسُ عليه الطِّيْبَ:

كَأنَّ عَلَى الْمَتْنَيْنِ مِنْهُ إِذَا اِنْتَحَى

مَدَاكَ عَرُوسٍ أَوْ صَلَايَةَ حَنْظَلِ(23)

وتُجْمَع [(العروس)] على ثلاث صيغٍ منهما اثنتان يندر استعمالها بين الناس؛ هي:

(أ)- [(عُرُس)]: وشاهدها الشعريّ في قول الأسود يَعْفُر النَّهْشَليّ:

جَرَّتْ بِهَا الْهَيْفُ أَذْيَالًا مُظَاهِرَةً

كَمَا تَجُرُّ ثِيَابَ الْفُوَّةِ (الْعُرُسُ)(24)

(ب)- [(عِرَاس)]: ونقرأها في شعر أبي سعيدٍ الرُّسْتُميّ:

وَكَأَنَّ سَاعَاتِي (عِرَاسٌ)، وَالنَّوَى

غَيْرَانُ يُوْعِدُهَا بِوَشْكِ طَلَاقِ(25)

(ج)- [عرائس)]: وشاهدها نعثر عليه في شعر العبَّاس بن مرداس السُّلَميّ:

ولو مات منهم من جرحنا لأصبحت

ضباع بأكناف الأراك عرائسًا(26)

هلاك قبيلة طسم في ليلة واحدة

- قال الشَّيخُ القاضِي عِيَسى الطَّائِيُّ: [(فَأثّرَ قَوْلُهَا فِي قَلْبِ أَخِيْهَا الْأَسْوَدِ بِنْ غِفَار فَعَمَدَ إِلَى حِيْلَةٍ، فَاسْتَضَافَ الْمَلِكَ عِمْلَاقَ وَجَمِيْعَ أَرْبَابِ دَوْلَتِهِ، وَنَحَرَ لَهُمْ الْجُزُرَ، وَأَمَرَ قَوْمَهَ أَنْ يَدْفِنُوا سُيُوْفَهُمْ بِرَمْلِ الْوَادِي الَّذِي سَيَترُكُ الطَّعَامَ فِيْهِ لِـ(عِمْلَاقَ) وَأَصْحَابَهُ، فَلَّمَّا جَاءَ الْمَلِكُ عِمْلَاقُ وَجُنُودُهُ وَاشْتَغَلُوا بِالْأَكْلِ عَمَدَتْ جَدِيْسُ إِلَى سُيُوْفِهِمْ وَاسْتَخْرَجُوهَا مِنَ وَرَاءِ أَظْهُرِ طَسَمَ وَضَرَبَ الْأَسْوَدُ بِنْ غِفَارٍ عِمْلَاقَ بِنَفْسِهِ وَحَكَّمَ السَّيْفَ فِي طَسَمَ حَتَّى أَبَادَهَا)].

 - [(فَأثّرَ قَوْلُهَا فِي قَلْبِ أَخِيْهَا الْأَسْوَدِ بِنْ غِفَار)] فقال لـ(قومه جديس): "يا معشر جديس! إن هؤلاء (القوم/طَسَم) ليسوا بأعزّ منكم في داركم إلّا بما كان من ملك صاحبهم علينا و عليهم، ولو لا عجزنا و إدهاننا ما كان له فضل علينا. و لو امتنعنا لكان لنا منه النّصف. فأطيعوني فيما آمركم به، فإنّه عزّ الدهر، وذهاب الذلّ.[(فَعَمَدَ إِلَى حِيْلَةٍ)]، فقال:إنّي أصنع للملك طعاما ثم أدعوهم له جميعا؛[(فَاسْتَضَافَ الْمَلِكَ عِمْلَاقَ وَجَمِيْعَ أَرْبَابِ دَوْلَتِهِ، وَنَحَرَ لَهُمْ الْجُزُرَ)]. [(وَأَمَرَ قَوْمَهَ أَنْ يَدْفِنُوا سُيُوْفَهُمْ بِرَمْلِ الْوَادِي الَّذِي سَيَترُكُ الطَّعَامَ فِيْهِ لِـ(عِمْلَاقَ) وَأَصْحَابَهُ)]؛ فإذا جاءوا يرفلون في الحلل ثرنا إلى سيوفنا وهم غارّون فأهمدناهم بها. فصنع طعاما كثيرا وخرج به إلى ظهر بلدهم، ودعا عمليقا وسأله أن يتغدى عنده هو وأهل بيته، فأجابه إلى ذلك وخرج مع أهله يرفلون في الحلي والحلل، [(فَلَّمَّا جَاءَ الْمَلِكُ عِمْلَاقُ وَجُنُودُهُ)]، حتى إذا أخذوا مجالسهم ومدّوا أيديهم إلى الطعام،[(وَاشْتَغَلُوا بِالْأَكْلِ)] أخذت (جديس) سيوفهم من تحت أقدامهم فشدّ (الأسود) على (عملاق ملك طَسَم) فقتله، وكلّ رجل منهم على جليسه حتى أماتوهم. فلمّا فرغوا من الأشراف [(وَحَكَّمَ الأسودُ السَّيْفَ فِي طَسَمَ)] شدّوا على السّفلة من (طَسَم) فلم يدعوا منهم أحدا"(27) [(حَتَّى أَبَادَهَا)] عن آخرها.

الناجي الوحيد من مذبحة طسم

- قال الشَّيخُ القاضِي عِيَسى الطَّائِيُّ: [(وَلَمْ يَفْلُتْ إِلَا رَجُلٌ مِنْهُمْ مَضَى إِلَى الْمَلِكِ حَسَّانَ (مُسْتَصْرِخًا) فَـ(اسْتَشَاطَ) حَسَّانُ غَضَبًا)].

"وهو رجل من (طَسَم)، وكان اسمه: رَبَاح بنُ مُرّة الطَّسَمِيّ، فأتى إلى (حَسَّان بِنُ تُبَّعٍ الحِمْيَريّ) ملك اليمن يومئذٍ؛ فاستغاث به، وأخبره بالذي صنعت جديس بقومه. وقال له: -"نحن عبيدك ورعيتك وقد اعتدى علينا جديس"(28)- "دعتنا جديسُ مَدْعَاة فلمَّا أجبناهم مُتفضلين في الحُلَل وقَدْ أَعدُّوا لنا السلاح عند جِفَانِهم؛ فما ذُقنا الطعام حتى صِرنا حُطاما، قطعُوا أرحامنا، وسفكوا دماءنا. [(وَقَالَ:أَتَفْعَلُ جَدِيْسُ ذَلِكَ؟! وَأَنَا بِـ(غُمْدَانَ ظُفار)]؛فوعده بالنُّصرة، [(فَنَهَضَ لِقَتْلِ جَدِيَس)]، ثم نادى في حِمْير بالمسير"(29)،[(ونهاه وُزَرَاؤُهُ أنْ يفعل)]، وقالوا له: مالنا في هذا من أرب، هم إخواننا فلا نُعين بعضنا على بعض. وهم عبيدك فدعهم أيها الملك. [(فأبى إلا ذاك)]، فقال حسّان لهم: ما هذا بحسن، أرأيتم لو كان هذا فيكم. أكان حسنًا لملككم أن يهدر دماءكم؟ وما علينا في الحكم إلا أن ننصف بعضنا من بعض. فقام فرسان جيش حسّان فقالوا: أبيت اللعن، الأمر أمرك، فمرنا بما أحببت، فأمرهم بالمسير"(30) [(وَمَضَى صَامِدًا إِلَيْهِمْ حَتَّى أَبَادَهُمْ قَتْلًا)].

شواهد شعرية على معانٍ لغوية

- [(يَفْلُتْ)]: فَلَتَ الشَّخص: خَلَصَ ونَجَا، والشاهد الشعريّ فيها من قول عَديّ بن زيد العِباديّ:

يَوْمَ يَقُولُون: يَالَـ بَرْبَرَ، وَالْـــ//ــيَكْسُومَ لا (يَفْلِتَنَّ) هَارِبُها(31)

- [(مُسْتَصْرِخًا)]: اسم فاعل، والمُسْتَصْرِخ من الأشخاص: المُستغِيث، وشاهده من قول النعمان بن المنذر اللخميّ، قال يذكر لكسرى حال جَدّه حين قصد ملك اليمن: "فَأَتَاه مَسْلُوبًا طَرِيْدًا مُسْتَصْرِخًا"(32)

- [(اسْتَشَاطَ حَسَّانُ غَضَبًا)]: اسْتَشَاطَ الشخصُ: تَحَرَّقَ وتَلَّهَبَ غَضَبًا. وشاهده في قول الربيع بن ضُبَيعِ الفَزَارِيّ:

دَارِ الصَّدِيْقَ إِذَا اِسْتَشَاطَ تَغُيَّظًا

وَالْغَيْظُ يُخْرِجُ كَامِنَ الْأَحْقَادِ(33)

يُتبع...

المصادر والإحالات:

(01) الكامل في التاريخ، عز الدين ابن الأثير، ج1، دار الكتاب العربيّ، 1997م – 1417هـ، ص:321

(02) المرجع نفسه: ص: 322

(03) ديوان تأبّط شرًّا وأخباره: جمع وتحقيق وشرح: علي ذو الفقار شاكر، دار الغرب الإسلميّ، بيروت، ط1، 1984م، ص: 1000

(04) ديوان طرفة بن العبد، شرح الأعلم الشنتمريّ، تحقيق: دريّة الخطيب، ولطفي الصقّال، إدارة الثقافة والفنون، البحرين، المؤسسة العربيّة، بيروت، ط2، 2000، ص: 84

(05) ديوان مهيار الديلميّ، تحقيق: أحمد نسيم، مطبعة دار الكتب المصريّة، القاهرة، ط1، 1931م، 2/144

(06) مجمع الأمثال، أبو الفضل الميدانيّ (ت،518هـ)، حققه: محمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة السُّنّة المحمدية، القاهرة، 1955م، 2/135

(07) شعر همدان وأخبارها في الجاهلية والإسلام، جمع وتحقيق: حسن عيسى أبوياسين، دار العلوم، الرياض، ط1، 1983م، ص:251

(08) شعراء مَذحج وأخبارهم وأشعارهم في الجاهلية، صنعة: مُقبل التَّام عامر الأحمديّ، مجمع العربية السعيدة، صنعاء، ط2، 2014م، ص: 400

(09) ديوان مهيار الديلميّ، تحقيق أحمد نسيم، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، ج3، ص:14

(10) المرجع نفسه، 1/1978 - 1979

(11) زهر الآداب، وثمر الألباب، أبو إسحاق الحصريّ القيراونيّ (ت، 453هـ)، ضرحه ووضع فهارسه: صلاح الدين الهواريّ، المكتبة العصرية، صيدا، بيروت، 2001م، ج2/141

(12) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد (ت، 656هـ)، تحقيق: محمد أبو الفضل، دار الكتب العربية، القاهرة، منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفيّ، مؤسسة إسماعيليان، قُمْ، ط2، 1967م، 8/43

(13) الأعلام للزركلي مج4،باب العين ص:239- ابن الأثير:1/122/ أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام»، مؤسسة الرسالة - بيروت 1379 هـ): 1033- الأغاني للأصفهاني، ط دار الكتب: 11/165

(14) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، 17/120

(15) الفقه الإسلاميّ وأدلته، وهبة الزحيليّ، دار الفكر، دمشق، سوريا، ط2، 1985م، 7/229

(16) الكفاءة في الزواج ودور العُرف في التوسعة في مجالاتها، محمد مستوريّ، مجلة الحقوق والعلوم الإنسانية، مج13، 2020، ص:314

(17) مراتب الإجماع، ابن حزم، مكتبة المقدسيّ، مطبعة السعادة، القاهرة، 1357هـ، ص: 64

(18) الذخيرة، القرافي، تحقيق: محمد بوخبزة، دار الغرب الإسلاميّ، بيروت، ط1، 1994، ص: 212

(19) الكفاءة في النكاح، بن قطلوبغا، تحقيق: عبد الستار أبو غدة، دار البشائر الإسلاامية، بيروت، ط1/2002، ص: 32-33

(20) شعراء عُمان في الجاهلية وصدر الإسلام، جمع وتحقيق: أحمد محمد عبيد، المجمع الثقافي، أبوظبي، 2000م، ص: 84

(21) ديوان امريء القيس، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، القاهرة، ط5، 1990م، ص: 50

(22) مروج الذهب للمسعودي، ج2، ص: 137-138

(23) ديوان امريء القيس، شرحه: عبد الرحمن المصطاويّ، دار المعرفة، بيروت، ط2، 2004م، ص: 59

(24) ديوان الأسود بن يَعْفُر، صِنْعة: نوري حمودي القيسيّ، وزارة الثقافة والإعلام، بغداد، 1970م، ص: 39

(25) شعر أبي سعيد الرُّستميّ(ت، 400هـ)، جمع وتحقيق: نادي حسن شحاتة، مجلة الجمعية المصرية للدراسات السردية، ع:10، 2013، ص: 158

(26) ديوان العباس بن مرداس السُّلميّ، جمعه وحققه: يحيى الجبوريّ، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1991، ص: 94

(27) الأغاني للأصفهاني، مج11، ص: 114-115

(28) معجم البلدان، ياقوت الحموي، مج5، ص: 445

(29) مروج الذهب، ج2، ص: 140

(30) المرجع نفسه، ص: 141

(31) ديوان عدي بن زيد العِباديّ، تحقيق: محمد جبار المعيبد، شركة دار الجمهورية، بغداد، 1965م، ص: 47

(32) العقد الفريد: ابن عبد ربه الأندلسيّ(ت، 328هـ) شرحه: أحمد أمين وآخرون، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، ط3، 1973م، 2/9

(33) الربيع بن ضُبيع الفزاريّ، حياته وشعره، تحقيق: عادل جاسم البياتيّ، مجلة آداب المستنصريّة، بغداد، العدد: 10، 1984م، ص: 46