حلم التتويج الأولمبي

 

د. محمد بن خلفان العاصمي

 

"الجنون هو أن تفعل ذات الشيء مرةً بعد أخرى وتتوقع نتيجةً مُختلفةً". ألبرت آينشتاين.

 

هذه المقولة التي أثبتت صحتها دائمًا عندما يتعلق الأمر بتكرار العمل بنفس الأسلوب والطريقة والأدوات والأدهى أن يتوقع المرء نتيجة مختلفة عن السابق؛ وهذا هو الجنون بعينه الذي تحدث عنه آينشتاين، فلا يُمكن أن ينتج من ذلك سوى نفس النتائج السابقة وفق السياق العلمي المعروف بالمدخلات والمعالجات والمخرجات.

نحن نكرر أنفسنا في ظل سعينا للوصول إلى التتويج الأولمبي، ونقوم بعد نهاية كل أولمبياد منذ لوس أنجلوس 1984، عندما شاركنا لأول مرة بنقد أنفسنا بنفس الطريقة، ثم نعود لنكرر نفس الأساليب التي نتوقع أن الحل سوف يكون عن طريقها، ونقوم بتشكيل اللجان، والبحث عن المنح الأولمبية، ونشارك بنفس البطولات، ونعد منتخباتنا بنفس الطريقة السابقة، ونتعاقد مع خبراء بنفس المستوى الذي لم نُحقق معه النجاح، وكذلك المُدربين، وهلم جرا من أساليب مُكررة تضمن تحقيق الفشل في الأولمبياد التالي.

ورغم أنَّه أتيحت لنا فرصة لمعرفة بعضٍ من الطريقة الصحيحة لصناعة بطل أولمبي، وفي فترة قريبة من بداية مشاركاتنا الأولمبية، عندما بلغ البطل العالمي محمد بن عامر المالكي نهائي مسابقة 400 متر في أولمبياد سيؤول بكوريا الجنوبية العام 1988، ليفتح لنا الباب على مصراعيه لتحقيق الحلم، وبدلًا من استنساخ العمل الذي قمنا به لتحقيق المالكي هذا الإنجاز  والاقتراب أكثر من النجاح الأولمبي، وتحقيق الحلم في وقت مبكر، إلّا أننا أهدرنا الفرصة، ونسينا الطريقة، وتراجعنا إلى مستوى لم يعد لدينا أي أمل للحلم.

في "أولمبياد باريس" الكثير من النماذج التي يُمكن البناء عليها لصناعة بطل أولمبي، فما بين الصرف الباهظ وبين الصدفة وبين الإصرار توج أبطال ورصعوا صدورهم بالمجد الأولمبي، وقد يكون البطلان الباكستاني أرشد نديم والرامي التركي يوسف ديكيتش أكثر ما لفت نظر العالم حول أهمية الموهبة قبل الصرف الباهظ في صناعة بطل أولمبي، وكيف أن التخطيط الحقيقي يبدأ من نقطة هامة وهي معرفة نقاط قوتك والمربع الذي تستطيع اللعب فيه قبل أي أمر آخر، حيث أذهل أرشد العالم وهو يحقق ميدالية ذهبية في رمي الرمح رغم تواضع الظروف التدريبية في بلده، بينما حقق يوسف إنجازه بدون أدوات احترافية خاصة بالرماية ما عدا مسدس في يد واليد الأخرى في جيبه.

لا يوجد لدينا جُهد حقيقي للوصول إلى التتويج الأولمبي، وما يحدث هي اجتهادات لا أكثر، والجميع يتذرع بضعف الدعم المادي، وضرورة الصرف بسخاء لا محدود، وأن الميدالية يجب أن تكلف ملايين الريالات، وهذا الحديث أجده في سياق "معذرة إلى ربك"، أما عندما نرى دولًا لا تتوافر لديها البنية التحتية الرياضية التي لدينا، ويُتوج أبطالها في الأولمبياد؛ بل إن بعض الأبطال من دول لم يسمع عنها كثير منَّا ولا يعرف موقعها على الخارطة، فهنا نقول ليس الدعم هو معضلتنا، وإنما المشروع الحقيقي الذي يصل بنا إلى منصات التتويج، وعندما نمتلكه وقتها نتحدث عن الصرف والدعم.

أصبح رفع العلم في حفل افتتاح كل أولمبياد هو منتهى أحلامنا ومبلغ آمالنا، وإنني أقولها آسفًا  إننا لم نستثمر الإمكانيات والممكنات التي لدينا لتحقيق أكثر من رفع العلم والعودة، وسط تسابق لحضور الأولمبياد وتشكيل الوفد الإداري والفني الذي يفوق عدد اللاعبين في كل مشاركة، وفي ذاكرتي الكثير من الحكايات التي يندى لها الجبين في هذا الجانب.

لن نبلغ أهدافنا إذا ما أستمر العمل بنفس الوتيرة ونفس المنهجية ونفس الطريقة ونفس الأداء، وما سوف يحدث في أولمبياد لوس أنجلوس 2028، لن يكون سوى حلقة في سلسلة الضياع الأولمبي والبحث غير المجدي عن تتويج مفقود لم نعرف له طريقًا ولن نعرف ما دمنا لم نصحح من تفكيرنا.

ولعلي أختم هنا مثلما بدأت بمقولة لآلبرت آينشتاين قد تكون مفتاح الحل لواقع مختلف لرياضتنا ومشاركاتنا القادمة؛ حيث يقول "لا يُمكننا حل مشكلة باستخدام نفس العقلية التي أنشأتها".

والله والوطن من وراء القصد.

تعليق عبر الفيس بوك