"تكافل صحار" يُثمر عطاءً

 

جابر حسين العماني

jaber.alomani14@gmail.com

 

تلقينا دعوة كريمة من فريق تكافل صحار الخيري، لحضور افتتاح المعرض الخيري الرابع للكتاب، وكان تحت شعار: "جذور المعرفة تثمر عطاءً"، والذي من أهدافه بناء مجتمع واعٍ ومُثقف، وذلك من خلال ترسيخ ثقافة العمل التطوعي وتشجيع القراءة، واستقبال الكتب المتبرع بها من أفراد المجتمع والمؤسسات الحكومية والخاصة وعرضها للبيع بأسعار رمزية وتنافسية، وتخصيص عائدات المعرض للأسر المُعسرة.

وهنا لا يسعنا إلّا أن نتقدَّم بالشكر الجزيل، والتقدير الوفير، لفريق تكافل صحار الخيري على مبادرته الطيبة، والمتمثلة في معرض الكتاب الرابع، آملين تكرار المبادرة وتطويرها لما لها من فوائد عظيمة على المجتمع وأبنائه الكرام.

إنَّ من أهم الثقافات التي ينبغي زرعها بين أركان المجتمع العربي والإسلامي، وسقيها بالفكر الإيجابي حتى تؤتي ثمارها، هي: ثقافة المبادرات الخيرية، لأنها في حد ذاتها مسؤولية مجتمعية، يجب أن يتحملها الجميع، كل بحسب إمكانياته وقدراته الفكرية والجسدية؛ حيث إنها تمثل الهوية الإسلامية والعربية والعمانية على وجه الخصوص، خصوصًا ونحن نعيش اليوم في مجتمع محافظ تربى على فعل الخيرات وعرف عنه أنَّه لا ينبت إلا طيبا.

ويجب أن تكون ثقافة المبادرات ثقافة راسخة، كما ينبغي إشهارها في كل الميادين الاجتماعية، والحث الدائم على الاهتمام بها، حتى يتمكن الجميع من المشاركة الفاعلة في خدمة المجتمع، من أجل تعزيز روح المواطنة الصالحة، وذلك لا يكون حتمًا إلّا بخلق المزيد من الأفكار الإيجابية الصالحة في إعداد العمل الاجتماعي وتطبيقه بالشكل السليم، حتى يُسهم في رقي ونجاح وازدهار المجتمع ونقله من ظلمات الجهل إلى نور العلم والفهم، وتحقيق الكثير من المكاسب والإنجازات الاجتماعية والوطنية التي تصب في مصلحة الوطن والمواطنين الكرام.

واليوم عندما نتأمل صفات العلماء الكبار، والقادة الحكماء الأخيار، نجدهم يركزون في جميع الجوانب الحياتية والاجتماعية والأسرية على خلق ثقافة المبادرات والسعي الدائم لتحقيقها، فهي في حد ذاتها سر عظيم من أسرار النجاح الاجتماعي، وهو ما أوصى به ديننا الحنيف وممثله صوت العدالة الإسلامية صاحب كتاب نهج البلاغة، خليفة المسلمين العادل الإمام علي بن أبي طالب، وهو القائل: "بَادِرُوا آجَالَكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ فَإِنَّكُمْ مُرْتَهَنُونَ بِمَا أَسْلَفْتُمْ وَمَدِينُونَ بِمَا قَدَّمْتُمْ"، وقال أيضًا: "بَادِرُوا بِعَمَلِ اَلْخَيْرِ قَبْلَ أَنْ تُشْغَلُوا عَنْهُ بِغَيْرِهِ".

إنَّ ثقافة المبادرات الاجتماعية هي من أهم الصفات التي عرف بها سيد البيان الإمام علي بن أبي طالب، وعُرِفَ بمبادراته الكثيرة والمتنوعة، وهو أول الفتيان الذين بادروا لدخول الاسلام، وأول من بادر لنصرة النبي الأكرم، وبات على فراش الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ليقيه شر الأعداء، وأول من بادر وضحّى بنفسه ودمه وماله من أجل الدفاع عن النبي صلى الله عليه واله وسلم، وهو من ينبغي التأسي به والسير على نهجه المبارك.

اليوم إذا أراد الإنسان أن يتحلى بروح المبادرة الفاعلة في جوانبه الحياتية والاجتماعية، فعليه قبل كل شي أن يسعى لزرع الثقة في نفسه، ثم التحلي بروح الشجاعة والإقدام، وعرض أفكاره على العقل الواعي، واستشارة الحكماء قبل اتخاذ القرار، واحترام الفرص واستغلالها، وتوظيفها بالشكل اللائق والسليم، من دون أي تأخير أو كلل أو ملل، وإلّا ستَحِلُ العوائق التي من شأنها أن تعرقل مسيرة الخير والتقدم المنشودة والمطلوب تفعيله لمصلحة المجتمع وأفراده.

لقد بين الإمام علي بن أبي طالب، سوء التأخير والتواني في كلمتين لا ثالث لهما عندما قال: "اَلتَّوَانِي إِضَاعَةٌ"، ومن هنا على الإنسان أن يسعى ويبادر دائما لفعل الخيرات ولا يتوانى عن فعلها حتى لا يتأخر ويكتب من النادمين الذين تسببوا في تأخير النجاح لأوطانهم.

وكما إن ثقافة المبادرة ثقافة يجب الاهتمام بها من قبل المجتمع وأفراده، كذلك هي مسؤولة عظيمة ملقاة على عاتق الحكومات، فمن واجب الحكومات الاهتمام بصناعة المبادرات في شتى المجالات الحياتية التي تصب في مصلحة المواطن وهي كثيرة نذكر منها الآتي:

  • أولًا: المبادرة بإنشاء المشاريع العملاقة التي لها أهداف واضحة لتطوير الوطن ومؤسساته المختلفة.
  • ثانيًا: المبادرة لتعزيز دعم الابتكار والابداع، وذلك من خلال دعم المبتكرين والمبدعين من أبناء الوطن وتهيئتهم لبناء أوطانهم ومجتمعاتهم بالشكل اللائق بهم وبسمعة أوطانهم.
  • ثالثًا: التصدي للتحديات المجتمعية التي قد تفرض على الوطن، ومحاولة تصفية الفساد بأنواعه وأشكاله، ومحاربة المُفسدين.
  • رابعًا: الحفاظ على المنجزات، والدعوة المستمرة لتطويرها، وعدم التفريط بها مهما كانت الأثمان.
  • خامسًا: العمل على صناعة الأجيال الواعية التي تحتفظ بكرامة وسمعة الوطن ومنجزاته.
  • سادسًا: محاسبة المحتويات التافهة والفاسدة، والتشجيع على صناعة المحتويات الواعية التي من شأنها أن تسهم في نجاح وازدهار المجتمع وأفراده.

وأخيرًا.. على الجميع أن يعي أن للمبادرات فوائد جمة، ومن أهمها كشف القدرات والمهارات والمواهب واظهارها للجميع ليستفيد منها الوطن ومن عليه، كما إنها تسهم في ترسيخ ثقافة المسؤولية المجتمعية ليكون الجميع على قدر عال من الالتزام بالمسؤولية؛ سواءً كان ذلك على صعيد الأسرة أو بيئة العمل أو المجتمع.