كشف الستار عن حالة ظَفَارِ للشيخ عيسى الطائي قاضي قضاة مسقط (14)

 

تحقيق: ناصر أبوعون

 

 

يقول الشَّيخُ القاضِي الأجَلّ عِيَسى بِنْ صَالِحٍ بِنْ عَامِرٍ الطَّائِيُّ: [(وحَدُّ ظَفَارِ مِنْ (سدح) أَوْ مِنْ (ريكوت)، و(ريكوت) اِسْمُ وَادٍ يَفْصِلُ مَا بَيْنَ (عُمَانَ) وَ(ظَفَارِ) إِلَى (رخْيُوتَ)، وَ(رخْيُوت) آخِرُ حُدُودِ (ظَفَارِ)، وهِيَ ثَغْرٌ عَلَى الْبَحْرِ يَبْعُدُ عَنْ ظَفَارِ ثَلاثَةُ أَيَّامِ وَحَوْلَهَا (جِبَالُ الْقَمَرِ) المَشْهُورَةِ الْمَعْرُوفَةِ فِي الْجُغْرَافِيَا بـِ(جِبَالِ الْقَمَرِ). وبَعْدَ (رخْيُوت) بِلَادُ الْمَهَرَةِ (جادب والغيضة) وغيرها ويَحْكُمُ (بِلادَ الْمَهَرِةِ) مَشَايخٌ مِنْهُمْ وَمَرْجِعُهُمْ إِلَى حَاكِم (جَزِيْرَةِ سقطرى) (ابن عفرار). وبـ(ظَفَارِ) ثلاثُ مَحِلّاتٍ؛ مَحِلَّةٌ شَرْقِيّ الحِصْنِ يَسْكُنُهَا (الشَّنَافِرُ) ومَحِلَّتَانِ جَنُوبِ الْحِصْنِ يَبْعُدَانِ عَنْهُ قَلِيْلًا يَسْكُنُ أَحَدُهُمَا (آل كُثَيْرٍ) وَ(السَّادَةْ الْهَاشِمِيُونَ) ويَسْكُنُ الأُخْرَى (آل كُثيرٍ) أيضًا، وتُسَمَّى الأُوْلَى (حَافَةُ بَنُو رَوَّاس) والثّانِيَةُ تُسَمَّى (حَافَّةُ الْمَرَاهِين) وَكِلَاهُمَا تُسَمَّى (صَلَالَةُ) أيضًا، وفِي أَعْلَى (ظَفَارِ) الْجَبَلُ الّذِي يَسْكُنُهُ (القرا) وهُمْ قَبَائِلُ (ظَفَارِ) الأَعْرَابِ أَصْحَابُ الْمَوَاشِي والْأَغَنَامِ و(القرا) كثيرةُ العَدَدِ وهَذَا الْجَبَلُ يَبْعُدُ عَنْ (ظَفَارِ) مِقْدَارَ أَرْبَعِ سَاعَاتٍ تَقْرِيْبًا، وَهُوَ مُمْتَدٌ مِنْ (مِرْبَاط) إِلَى (رخْيُوت)؛ أَعْنِي الْجَبَلَ الَّذِي يَعْتَادُهُ الْخَرِيْفُ؛ وهُوَ مَوْسِمُ الْمَطَرِ عِنْدَهُم)].

*****

جغرافية ظفار بين الطائيّ وتوماس ومايلز

يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى الطَّائِيُّ [(وحَدُّ ظَفَارِ مِنْ (سدح) أَوْ مِنْ (ريكوت)، و(ريكوت) اِسْمُ وَادٍ يَفْصِلُ مَا بَيْنَ (عُمَانَ) وَ(ظَفَارِ) إِلَى (رخْيُوتَ)، وَ(رخْيُوت) آخِرُ حُدُودِ (ظَفَارِ)، وهِيَ ثَغْرٌ عَلَى الْبَحْرِ يَبْعُدُ عَنْ ظَفَارِ ثَلاثَةُ أَيَّامِ وَحَوْلَهَا (جِبَالُ الْقَمَرِ) المَشْهُورَةِ الْمَعْرُوفَةِ فِي الْجُغْرَافِيَا بـِ(جِبَالِ الْقَمَرِ)]

وقول الشيخ عيسى الطائيّ [(وحَدُّ ظَفَارِ مِنْ (سدح) إلى رخيوت] فيه إجمال لجغرافيّة إقليم ظَفارِ، ولكن صاحب كتاب (البلاد السعيدة)، ضيّق حدودها وربّما قصد بها برترام توماس عاصمة الإقليم فقال بأنّ: "ظَفَارِ كلمة لها معنى محدود، فهي تُطلَق على عاصمة المنطقة التي تضم (صلالة) و(الحافة) و(الحصن)، ومن عادة البدو إطلاق مثل هذه الاصطلاحات على مناطقهم كتسميتهم (الهفوف) بالأحساء، والدوحة بـ(قطر)(1)؛ ولكن س.ب. مايلز أفاض في الوصف الشامل، بل رسم من خلال رحلاته إلى هناك إحداثيات كاملةً للإقليم فقال: "يقع الإقليم على الحافة الغربية لخليج كوريا موريا(الحلانيات) مدخل إقليم ظفار الذي يمتد إلى (رأس الشجر) بمسافة 130 ميلا، وباتساع حوالي 18 ميلا من البحر وحتى التلال الممتدة إلى الصحراء. ويتكوّن الإقليم من سهل بحري باتساع عشرة أميال في المركز، وحوالي أربعين ميلا طولا، وينتهي بسلسلة من التلال على شكل هلال يبلغ ارتفاعها من ألفين إلى أربعة آلاف قدم، منحدرة نحو (صحراء الأحقاف)، وهي تغطي منطقة تبلغ مساحتها ألفين من الأميال المربعة تقريبًا، وهذه المنطقة تمثِّل بسكانها ومنتجاتها الطبيعية واحدةً من أكثر مناطق شبه الجزيرة وهي اسم لكل الإقليم وليس للمدينة وحدها، حيث إن تسميتها القديمة كما يخبرنا (هينز) أنها كانت للجبل وليست للمدينة. وتنتهي الأرض الطمييّة على الساحل بانحدار حادٍ عند كل حافة، في الشرق (مرباط) وفي الغرب (بندر ريسوت)"(2).

منازل أزد عُمان في بلاد اليمن

يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى الطَّائِيُّ [(و(ريكوت) اِسْمُ وَادٍ يَفْصِلُ مَا بَيْنَ (عُمَانَ) وَ(ظَفَارِ) إِلَى (رخْيُوتَ)]؛ ووادي (ريكوت) ينحدر مجراه ليَصُبَّ في نيابة (حاسك)، وهو وادٍ يقع في منطقة وعرة التضاريس عميق القاع طويل المجرى، و"هو خصيبٌ، ويشكّل سيلا غاضبًا جارفًا بعد الأمطار، ويقع تحديدًا على الحافة الغربية من خليج كوريا موريا (الحلانيات)، حيث توجد (غُبَّة دوم) في الجزء الشماليّ من سلسلة (جبال سمحان) ويفصلها عن الصحراء"(3)و[(عُمان)] "هي أبعد جهات العرب من ناحية الشرق، ويمتد شاطئها من رأس الحد إلى الرأس المعروف بـ(رأس مسندم)، وتكثر به المرافيء الجيدة، كما يكثر السمك بمياهه. وأهل عُمان مشهورون من قديم الزمان بالمهارة في الملاحة والاتجار مع بلاد الهند، وأمّا سطح عُمان فجبليٌّ يبلغ غاية ارتفاعه في الجبل الأخضر، وعاصمة عمان هي (مسقط) وتقع إلى الشمال منها (صحار) عاصمة عُمان القديمة(4). و"مرتفعات عُمان تقع في أقصى جنوب شبه جزيرة العرب، وتفصلها صحراء (الرَّبع الخالي) عن شبه الجزيرة، وتمتد هذه المرتفعات موازيةً لساحل (خليج عُمان) من (رأس مُسندم) في الشمال حتى (الجبل الأخضر) الذي يزيد على 3000 آلاف متر فوق سطح البحر، أمَّا السهل فهو يمثل القلب الزراعيّ لـ(عُمان)"(5).

وقُبَيل انهيار (سدِّ مأرب) كانت منازل (أزد عُمان) في بلاد اليمن ثلاثة عشر منزلا هي: "(بارق) و(الحال/ بلد باليمن) و(بَيْش/ من مخاليف اليمن) و(أَبيدَة/ من منازل أزد السراة بين تهامة واليمن)، و(مأرب) و(مَرْأة/ قرية قرب مأرب)، و(القُفْس/ من جبال كرمان مما يلي البحر وسكانه من اليمانيّة ثم من الأزد ثم من ولد سليمة بن مالك بن فهم) و(رَيْسُوت/ بين عُمان وعدن)، و(تَثْنيت/ من مساكن أزد شنوءة، وموضع قريب من (تثليت) قرب (مكة) و(تُؤَام/ موضع بايمامة يشترك به عبد القيس والأزد وبنو حنيفة) و(العُداف/ وادٍ وجبل في ديار الأزد بالسراة) و(بحري منفلوط)، و(الحُرف/ موضع باليمن)، وإنّ تَصَدُّعَ سدِّ مأرب قد أرغم (الأزد) على الهجرة من (سبأ)، وإنّ هذا كان من سبب تفرقهم في البلاد فلحقت (الأوس والخزرج) بـ(يثرب)، ولحقت (خزاعة) بـ(مكة)، و(أرض تهامة)، ولحقت (ماسخة) و(ميدعان) و(لهب) و(غامد) و(يشكر) و(بارق)، وغيرهم بـ(الشُّراة)، ولحق (مالك بن عثمان بن أوس) بـ(العراق)، ولحقت (جفنة) و(آل محرّق بن عمرو بن عامر) و(قضاعة) بـ(الشام)، ولحقت بـ(عُمان) قبائل (وادعة) و(الْيَحْمَد بن حمى،[إسعاف الأعيان،ج1،ص:11] وهو لقب عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. وفيه تلتقي قبائل عديدة من الأزد، أي تلتقي في (الْيَحْمد) فانظر في سياق الأنساب ترَ كثيرًا من أنساب الأزد تلتقي باليحمد بن حمى.) و(خزام) و(عتيك) [إسعاف الأعيان:ج1، ص:110] العتيك بن الأزد بن عمران بن عمرو بن حارثة بن ثعلبة بن أمريء القيس بن مازن بن الأزد. وبقية النسب معروفة، وإليهم تُنْسب (محلة العتيك) بـ(نَخَل)، فهي بهذا الاسم إلى الآن. وفروع العتيك منتشرة في عُمان أفخاذًا وبطونًا وفصائل. ومن العتيك نصر بن منهال، وولداه المنهال وغسان)"(6).

ثغر رخيوت وجبال القمر

يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى الطَّائِيُّ [وَ(رخْيُوت) آخِرُ حُدُودِ (ظَفَارِ)، وهِيَ ثَغْرٌ عَلَى الْبَحْرِ يَبْعُدُ عَنْ ظَفَارِ ثَلاثَةُ أَيَّامِ وَحَوْلَهَا (جِبَالُ الْقَمَرِ) المَشْهُورَةِ الْمَعْرُوفَةِ فِي الْجُغْرَافِيَا بـِ(جِبَالِ الْقَمَرِ)].

جاء في كتاب (لغة عاد ص:59) أنّ جبال القمر "سُميت بهذا الاسم نسبةً لقبيله القمر المهريّة الذين يعتبرون من السكان الأصليين لهذا الجبل، الذي يرتفع حوالي 1200 متر فوق سطح البحر، وهذه الجبال تتوافر على الكثير من المعادن النفيسة النادرة في شبه الجزيرة العربية، وتُعتبر مناطق الوجه البحريّ من أخصب أراضي ظَفَارِ وبها أجود المراعي ومصدر متجدد للحوم ومنتجات الألبان والجلود وغيرها من الموارد الأخرى". ورخيوت مكونة من 60 أو 70 منزلًا طينيًا يسكنها (بيت عكّاك) و(بيت حردان) و(بيت عيسى) و(بيت شماسة). وتقع عند مصب وادٍ يحمل نفس الاسم، وتفصلها عن (صفقوت) إلى الشرق سلسلة من التلال الجبلية المنحدرة على جانبها باتجاه البحر. واشتهرت ولاية رخيوت بسوق تجاري قديم وتجارة مزدهرة وتبادل تجاري بين سكان الولاية والمناطق المجاورة، حيث كانت الكثير من السفن ترسو على ساحلها محمّلة بالبضائع من الهند واليمن وإفريقيا وتأتي القوافل البريّة محمَّلة باللبان والجلود والسمن والذرة وتصدرها الولاية إلى الخارج وشكَّل التُّجار في (رخيوت) علاقة تجاريّة مع بعض تجّار تلك الدول مما أكسبها موقعا تجاريا رائدا وشهرة واسعة"(7).

العُمانيون في ظَفَارِ وسُقطرى

يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى الطَّائِيُّ [(وبَعْدَ (رخْيُوت) بِلَادُ الْمَهَرَةِ (جادب والغيضة) وغيرها ويَحْكُمُ (بِلادَ الْمَهَرِةِ) مَشَايخٌ مِنْهُمْ وَمَرْجِعُهُمْ إِلَى حَاكِم (جَزِيْرَةِ سقطرى) (ابن عفرار)].

يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى الطَّائِيُّ [(بلاد المهرة (جادب والغيضة)]؛ وجاء في (بستان العجائب): "أنّ للمهرة مُحافظةً على الصلوات، ولهم لغة غير العربيّة، يُقال: إنّها (لغة قوم عادٍ)، وأرضهم طيبة ذات زرع ونخل وغياض، وأكثرهم بَوَادي في الجبال"(8)، و"كان جغرافيو العرب يسمونها (الشّحر)، وتمتد شرقًا من (سيحوت) إلى (حاسك)، واشتُهرت منذ القديم بالبخور والصموغ، وأرضها قاحلة" و"(جزيرة سقطرة) واقعة في البحر بين (شواطيء المهرة) و(رأس حافو) و(جزائر موريا) أمام شواطيء المهرة(9)، و"مهرة والشحر كانتا تحت السيادة العُمانية على عهد (جيفر وعبد)، وقد بعث إليهم جيفر رسوله فدعاهم إلى الإسلام فأسلموا"(10)، و"(الغيضة) هي العاصمة المدنية والإدارية للمهرة، ومرّ بها الرَّحَّالة بطليموس سنة 203 ق.م، وقد وصف (خور جربون) بأنه الذي تقع عليه مستوطنة السبعة مساجد، وهي اليوم يُطلق عليها (كدمة أيروب)، وهي تقع في شرق (الغيضة) بحوالي 23كيلو مترا تقريبًا. ويُقال إنّها دُمِّرت مرتين؛ في الأولى دمّرتها دولة (أوسان) لامتناعهم عن دفع الضرائب، والمرة الأخرى في العصر الحديث في القرن السادس عشر أثناء حملة (ليوكويرك) على يد البرتغاليين، وقد وصلت حدود المهرة في بعض مراحلها التاريخية إلى (الشحر) غربًا، و(حاسك شرقا)، وكذا إلى قبر النبيّ (هود) – عليه السلام-، في الغرب، و(ثمود) في الشمال الغربيّ، وكانت (جزيرة سقطرة) عَشيَّة الاستقلال الوطني في نهاية 1967، تابعة لسلطنة المهرة، ومقر إقامة سلاطينها"(11).

وخضعت [(جزيرة سُقَطرى)] "للتجَّار العرب الجنوبيين (العُمانيين)، وأطلق عليها الهنود:"دوفيه سكحدار أو ديفيا سوكترا أو ديو سكرايدا"؛ وتعني باللغة السنسيكريتية (جزيرة النعيم)،- ويتفق الأغلب من الباحثين أنّ اسمها مكون من مقطعين هما: (سوق/ قطرة) حيث كانت سوقا لقطرات الصَّبر واللبان ودم الأخوين - وتبلغ المسافة بين النتوء الشماليّ الغربيّ للجزيرة المسمّى (رأس باشوري)، والشاطيء الجنوبي للجزيرة العربية عند (رأس فرتك) 345كم. وتعد جزيرتي (سقطرى وعبد الكوريّ) أكبر جزيرتين مأهولتين في أرخبيل سقطرى في البحر العربيّ على بُعْدِ (105-370) كم، إلى الشرق من (رأس جفارد فوي – رأس عيد) في الشمال الشرقي للصومال، وتكثر فيها النباتات والحيوانات المستوطنة التي لا وجود لها في الأماكن الأخرى، وبفضل عزلتها القديمة عن جيرانها وطبيعتها حافظت على خصوصية الوسط الجغرافيّ المدهش لحياة الناس بدءًا من العصر الحجريّ وحتى الوقت الراهن. قال عنها أحمد بن ماجد[جزيرة عامرة قريبة التدوير وطولها وعرضها قريب خمسين فرسخًا، بل أزيد وفيها الماء من كل مكان، وهي على مشارف بَرّ الصومال، ذكرها عمر بن أيوب شهنشاه في مصنف كتاب تقويم البلدان، وفيها خلق كثير، وقد مَلَكَها من قديم الزمان خلق كثير فلم تتمّ إلا لأهلها"(12)

سقطرى تحت حكم آل عفرار

و[(ابن عفرار)]، قال البحار العُمانيّ أحمد بن ماجد [ج2،م1،ص:368-369]: إنّ (محمد) بن علي بن عمر بن عفرار وبني عبد النبي السليماني الحميري، وكلاهما من مشايخ المهرة بنوا في (سقطرى) حصنًا وحكموا بعض أهلها وسخّروهم، ولذا قتل أهل سقطرى (أحمد) بن محمد بن عفرار الذي تولى عليهم بعد موت أبيه، فجاءوا أعمامه وقبيلته وسخّروهم وولوا عليهم ابن عبد النبي. وكان محمد بن علي بن عمرو قد استشارني فيها سنين فلَمْ أُطعْه في ذلك، فلمّا تولّى على المهرة صرف المال ومَلَكَها، فلمّا مات، وأقامت قبيلته مكثوا فيها سنين، وتعاون ملوك أهل الشحر فأخرجوهم منها مدة ثلاين سنة فعاونهم أخوالهم على الشحر وأخذوها منهم وتولى عليهم سعد بن مبارك بن فارس بعد أن حاصرها ثلاثة أشهر كاملة، وجاءوا فأخرجوهم من حصار الشحر إلى بلدهم حضرموت، وكان عليها حينئذ بدر بن محمد الكثيري فخرجوا فأجاروه ومن عنده في عام أربعة وتسعين وثمانمائة. وفي هذا التاريخ كانت جزيرة سقطرى للمهرة مشتركين فيها بني سليمان وبني عفرار، وهم بطن من بطون المهرة بن زياد"(13)

عجائب ظَفَارِ في تُحْفَة النُّظار

قال الشَّيخُ القاضِي عِيَسى الطَّائِيُّ: [(وبـ(ظَفَارِ) ثلاثُ مَحِلّاتٍ؛ مَحِلَّةٌ شَرْقِيّ الحِصْنِ يَسْكُنُهَا (الشَّنَافِرُ) ومَحِلَّتَانِ جَنُوبِ الْحِصْنِ يَبْعُدَانِ عَنْهُ قَلِيْلًا يَسْكُنُ أَحَدُهُمَا (آل كُثَيْرٍ) وَ(السَّادَةْ الْهَاشِمِيُونَ) ويَسْكُنُ الأُخْرَى (آل كُثيرٍ) أيضًا، وتُسَمَّى الأُوْلَى (حَافَةُ بَنُو رَوَّاس) والثّانِيَةُ تُسَمَّى (حَافَّةُ الْمَرَاهِين) وَكِلَاهُمَا تُسَمَّى (صَلَالَةُ) أيضًا)].

و[(ظَفَارِ)] قال عنها ابن بطوطة اللواتيّ:"هي آخر بلاد اليمن على ساحل البحر الهنديّ ومنها تُحمل الخيل العُتاق إلى الهند، ويُقطع البحر فيما بينها وبين بلاد الهند مع مساعدة الريح في شهر كامل، وقد قطعته مرةً من (قالقوط) من بلاد الهند إلى ظفار في ثمانية وعشرين يوما بالريح الطيبة لم ينقطع لنا جريٌ بالليل ولا بالنهار، وبين ظفار وعدن في البر مسيرة شهر في الصحراء، وبينها وبين حضرموت ستة عشر يوما، وبينها وبين عمان عشرون يوما. ومدينة ظفار في صحراء منقطعة والسوق خارج المدينة بربضٍ يُعرف بالحرجاء، وأكثر سمكها النوع المعروف بالسردين، ومن العجائب أنّ دوابهم إنَّما علفها من هذا السردين وكذلك غنمهم، وزرع أهلها الذرة، وهم يسقونها من آبار بعيدة الماء، وكيفية سقيهم أنهم يصنعون دلوًا كبيرة ويجعلون لها حبالا كثيرة ويتحزّم كل عبد أو خادم ويجرون الدلو على عود كبيرة ويجعلون لها حبالا كثيرة، ويتحزم كل خادم ويجرون الدلو على عود كبير مرتفع عن البئر ويصبونها في صهريج يسقون منه، ولهم قمح يسمونه (العلس)، وهو في الحقيقة نوع من (السّلت) والأرز يُجلب إليهم من بلاد الهند، وهو أكثر طعامهم، ودراهم هذه المدينة من النُّحاس والقصدير، ولا تنفق في سواها، وهم أهل تجارة لا عيش لهم إلا منها، ومن عاداتهم أنه إذا وصل مركب إلى شواطئهم خرج عبيد السلطان إلى الساحل وصعدوا في (صنبوق/ قارب السنبوق) إلى المركب ومعهم الكسوة الكاملة لصاحب المركب أو وكيله ولـ(الرُّبَّان) وهو الرئيس ولـ(الكراني) وهو كاتب المركب، ويُؤْتَى إليهم بثلاثة أفراس فيركبونها وتُضرب أمامهم الأطبال والأبواق من ساحل البحر إلى دار السلطان، وتُبعَث الضيافة لكل من بالمركب ثلاثًا، وبعد الثلاثة يأكلون بدار السلطان، وهم أهل تواضع وحسن أخلاق وفضيلة ومحبة للغرباء، ولباسهم القطن، ويشدون الفوط على أوساطهم عوض السروال، وأكثرهم يشد فوطة في وسطه ويجعل فوق ظهره أخرى من شدة الحر، ويغتسلون مرات في اليوم، وكثيرة بها المساجد، ولهم في كل مسجد (مطاهر) كثيرة معدّة للاغتسال، ويُصنع بها ثياب من الحرير والقطن والكتان حِسَانٌ جِدًّا، ومن عوايدهم الحسنة التصافح في المسجد إثر صلاة الصبح والعصر؛ حيث يستند أهل الصف الأول إلى القبلة ويصافحهم الذين يلونهم، وكذلك يفعلون بعد صلاة الجمعة، ومن خواص هذه المدينة وعجائبها أنه لا يقصدها أحدٌ بسوء إلا عاد عليه مكروه، وحِيْلَ بينَه وبينَها"(14).

تفصيل السقّاف في قبائل ظفار

وإذا كان الشيخ عيسى الطائي قد أجمل في ذكر قبائل ظَفَارِ ومحلَّاتها، فإنّ السيد عبد الرحمن بن عبيد السقاف صاحب كتاب (إدام القوت) قد فصّل المجمل فقال:"وفي ظفار ناسٌ من السَّادة (آل عمر باعمر)، و(آل الحدّاد)، و(آل باعبود)، و(آل الشيخ أبي بكر)، وقبائل ضواحيها من (آل كثير)، فمنهم: (المراهين)، و(آل فاضل) و(الشَّنافر)، و(بيت راس)، و(آل علي بن كثير)، وقبائل المهرة كثيرة، ومنهم (آل اليزيديّ) وهم بـ(سيحوت)، و(آل بن كَلْشَات) بـ(الغيضة)، و(حَصْوِيل)، و(آل الجِدْحِيّ) بـ(قَشِن)، و(آل ابن عبنان)، و(آل عفرار)، وهم بـ(قشن)، ويتردّدون إلى سيحوت، وأبناء عمهم في سقطرى. ومتى أراد أهل سُقطرى مَدَدًا لنائبةٍ أتاهم في أسرع وقت من (سيحوت) وأعمالها"(15). وقبيلة (الكثير) عظيمة العدد، وتفرّعت منها أفخاذ شتّى، ومنذ القِدَم"تعيش على الصيد والزراعة في القرى الواقعة على السهل، وعندما يضطرب البحر في شهور الصيف الممطرة وتهب العواصف ويتعذّر الصيد تهاجر من السهل إلى المرتفعات حيث تتوافر المراعي ويحل موسم حصاد اللبان"(16)، و"في أواسط القرن الخامس عشر الميلاديّ أَسَّسَ حلف الكثيريّ القبليّ القوي (سلطنة فرتك) وعاصمتها (الشحر)، وخضعت لها سقطرى"(17)، وفي كتب الأنساب السائرة، هي قبيلة همدانية قحطانية، يتصل نسبها إلى همدان بن مالك بن زيد بن أوسلة بن ربيعة بن الخيار ‏بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن هود النبي عليه الصلاة ‏والسلام، ومن أفخاذها: الرواس، والحضريّ، والشنفريّ، والعامريّ، والمرهون. و"(رواس): قبيلة من سُلَيم بن منصور، من العدنانيّة(18)، ورؤاس بن الحارث: بطن من عامر بن صعصعة، من قيس بن عَيلان، من العدنانيّة، وهم: بنو رؤاس بن الحارث بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن حَصَفَة بن قيس بن عَيلان(19). و(المراهين) قبيلة همدانيّة قحطانية، يتصل نسبها إلى همدان بن مالك بن زيد بن أوسلة بن ربيعة بن الخيار ‏بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن هود النبي عليه الصلاة ‏والسلام.

الشحريّ يرد مغالطات برترام توماس

قال الشَّيخُ القاضِي عِيَسى الطَّائِيُّ: [(وفِي أَعْلَى (ظَفَارِ) الْجَبَلُ الّذِي يَسْكُنُهُ (القُرّا) وهُمْ قَبَائِلُ (ظَفَارِ) الأَعْرَابِ أَصْحَابُ الْمَوَاشِي والْأَغَنَامِ و(القرا) كثيرةُ العَدَدِ وهَذَا الْجَبَلُ يَبْعُدُ عَنْ (ظَفَارِ) مِقْدَارَ أَرْبَعِ سَاعَاتٍ تَقْرِيْبًا، وَهُوَ مُمْتَدٌ مِنْ (مِرْبَاط) إِلَى (رخْيُوت)؛ أَعْنِي الْجَبَلَ الَّذِي يَعْتَادُهُ الْخَرِيْفُ؛ وهُوَ مَوْسِمُ الْمَطَرِ عِنْدَهُم)].

كلمة (قُرّا) تُنطق باللغة الدارجة (جُرّه)، ومن المغالطات التاريخية التي وقع فيها (برترام توماس)؛ صاحب كتاب البلاد السعيدة أنّه روّج بالخطأ سهوا أو مُتعمدا لاسم قبيلة (القرا)، وفي الحقيقة لا توجد قبيلة بهذا الاسم في ظفار، وكلامه مردود عليه من صاحب كتاب (لغة عاد)؛ فقال: (كلمة قيراء) أو (قيرى) باللغة الشحريّة تعني (مُدَنًا) جمع مدينة أو قرى، وليست اسما لقبيلة، [ويقول علي محسن آل حفيظ في كتابه (لهجات مهرة وآدابها، ص: 10-16): و(القرا) بفتح القاف نسبة إلى الجبال العالية أو الأرض العالية و(القرا) غالبا آتية من كلمة (المدينة)]، ويؤيد هذا الرأي المستشرق الألمانيّ (جورج جانزين) في كتابه (البدو في سلطنة عُمان 1985، ص: 136) إذْ قال: [عندما غزا البرتغاليون ظفار ووقف الشحريون في وجوههم وقاوموهم، فقدوا الكثير من الرجال في هذه الحرب، ولما اشتد الوطيس عليهم صعدوا إلى الجبال، ونزحوا إلى جزر الحلانيات وجزيرة سقطرة ومَنْ تبقَّى منهم رَحَلَ إلى (قرى) حضرموت، ثم عادوا إلى ظفار بعد زمنٍ وقد أُطلق عليهم لفظ (القرويين) أو (القُرا) نسبةً إلى قرى حضرموت التي عادوا منها، وليس نسبةً إلى قبيلة معينة اسمها (القرا)]. والحقيقة هي أنّه لا وجود لقبيلة معينة اسمها (القُرا) حسب ما أورده النَّسابون العرب قاطبةً، ومنهم الهمدانيّ في الإكليل ج1. وجبال (القُرا) لم تُسمَّ بهذا الاسم في أي وقت من الأوقات إلا عن طريق برترام توماس"(20). ويتميز الشحريّ بوجه مستدير وجبهة منخفضة وعيون مستديرة وأنف طويل وعظام الوجنتين بارزة وشفاههم رقيقة، والشفة العليا أقصر من السفلى؛ وتميل ذقونهم إلى البروز ومظهرهم في جملته طيِّب"(21)، ويقول صاحب كتاب الرمال العربية: "ورأيت رجال القبائل هناك من أبناء (بيت كثير)، يتكلمون لهجة خاصة بهم، ويعيشون في شبه جماعات عائلية على سفوح الجبال وهم يملكون ماشية من إبل وبقر وقطعان ماعز. وقد قرأت في كتاب (توماس) أن من عاداتهم أن تُضحي الأسرة بنصف أبقارها عندما يموت عائلها، ويمنعون النِّسوة من الإمساك بضرع البقرة قبل أن يحلبها الرجل، حيث يضع شفتيه على الضرع وينفخ فيه لِتَدُرَّ حليبَها"(22).

يُتبع...

المصادر والإحالات

(1) البلاد السعيدة، برترام توماس، ترجمة: محمد أمين عبدالله، سنة 1981، ص: 22

(2) الخليج بدانه وقبائله، س.ب. مايلز، ترجمة محمد أمين عبد الله، ط2، وزارة التراث والثقافة، سلطنة عُمان، 2016، ص: 361

(3) المرجع نفسه، ص: 362

(4)الشامل في تاريخ حضرموت ومخاليفها، الإمام علوي بن طاهر الحداد، ص: 58، طُبِعَ بسنغافورة، عام 1359هـ - 1940م.

(5) دراسات في جغرافية شبه جزيرة العرب، فتحي محمد أبوعيانة، دار المعرفة الجامعية، ص: 39، 1994م

(6) معجم قبائل العرب القديمة والحديثة، عمر رضا كحالة، ج1، المطبعة الهاشمية بدمشق، 1949 – 1368هـ، ص: 18،17،16

(7) في عام 1908، زارها جون جوردون لوريمر (1870-1914) ج. لوريمر سجل مدينة رخيوت في دليل الخليج العربي، وحدد موقعها على الساحل وعلى بعد حوالي 13 ميلاً غرب رأس ساجر،

(8) إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت، السيد عبد الرحمن بن عبيد السقاف، دار المنهاج، ط1، بيروت 2005، ص: 241

(9) الشامل في تاريخ حضرموت ومخاليفها، الإمام علوي بن طاهر الحداد، ص: 55، 58، طُبِعَ بسنغافورة، عام 1359هـ - 1940م.

(10) مدن في الذاكرة العمانية، الشيخ أحمد السيابي، ذاكرة عمان، 2017، ص: 62

(11) تاريخ المهرة وأنسابها، مراد صالح التميمي، ، ط1، 2015، ص: 40- 45

(12) السقطريون، دراسات إثنوغرافية – تاريخية، فيتالي ناؤمكين، ترجمة: د. علي صالح الخلاقي، ط1، دار جامعة عدن للطباعة والنشر، 2014، ص: 13، 30

(13) المرجع نفسه، ص: 41

(14) تحفة النظّار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، رحلة ابن بطوطة اللواتيّ، ج1، مؤسسة هنداوي 2020، ص:184

(15) إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت، السيد عبد الرحمن بن عبيد السقاف، دار المنهاج، ط1، بيروت 2005، ص: 241، 240

(16) البلاد السعيدة، برترام توماس، ترجمة: محمد أمين عبدالله، سنة 1981، ص: 25

(17) السقطريون، دراسات إثنوغرافية – تاريخية، فيتالي ناؤمكين، ص: 40

(18) معجم قبائل العرب القديمة والحديثة، عمر رضا كحالة، ج1، ص:450/ لسان العرب لابن منظور، ج7، ص:407/ تاج العروس للزبيدي، ج، ص:158

(19) نهاية الأرب للقلشندي مخطوط ق 115- 02/ نهاية الأرب للنويريّ ج2، ص:340، تاج العروس للزبيديّ ج4، ص:158/ لسان العرب لابن منظور ج7، ص:397، الأغني للأصفهاني، ط دار الكتب المصرية، ج8، ص: 313

(20) لغة عاد، علي أحمد سحاش الشحري، ط1، المؤسسة الوطنية للتغليف والطباعة، أبوظبي، ص:66

(21) دليل الخليج القسم الجغرافي، ج5، ص: 1846-1848

(22) الرمال العربية، ويلفريد ثيسجر، ص: 32-33