الاقتصاد و"حادثة الوادي الكبير"

 

 

◄ تفادي حدوث ذلك في المستقبل لا يكون من خلال مراجعة الهيكلة الأمنية فقط بل مراجعة المنظومة بشكل شمولي ومن كل جوانبها

 

خلفان الطوقي

أثارت حادثة الوادي الكبير دهشة واستغراب المُواطنين والمُقيمين، وكل من عرف أو سمع عن عُمان، فكما هو معروف عن سلطنة عُمان أنها بلد السلام وواحة التعايش ونموذج التسامح، والمحطة المختارة للوساطات الإقليمية والعالمية، ومرجعية الحياد السياسي الإيجابي، لكن ما حصل قد حصل، ولطف الله عز وجل غالب، وجهود الأجهزة الأمنية والعسكرية مُقدرة، وتكاتف ووحدة الصف والموقف من مواطنين ومقيمين هو ما ميَّز الحادثة.

ما حدث هي حادثة نادرة على مجتمع متجانس ومتآلف، مؤمن إيمانًا راسخًا بأهمية اللحمة الوطنية، وعليه -وبالرغم من الأوقات العصيية والصعبة والمؤلمة لعُمان والعمانيين ومن يعيش في هذه الأرض الطيبة- إلا أنَّ هناك دروسا يُمكن الاستفادة منها في الحاضر والمُستقبل، فكما يُقال "رب ضارة نافعة"، فالخير قد يكمن في عمق الشر، ولابد من تحويل أي مصيبة إلى فرص مستقبلية.

الحادثة مؤلمة، وبالرغم من ذلك لابد من الوقوف عليها، وأنْ لا تمر هذه الحادثة الشنيعة مرور الكرام، خاصة وأنها استثنائية في بلد يوصف ببلد "صفر إرهاب"، فبالاضافة إلى معرفة حيثياتها ومسبباتها ومعرفة من يقف وراءها، لابد من التفكير في كيفية تفادي مثل هذه الحوادث في المستقبل.

ولا يكون ذلك من خلال تقييم جانب واحد، كمراجعة الهيكلة الأمنية فقط، بل يكون من خلال مراجعة المنظومة بشكل شمولي ومن كل جوانبها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتعليمية والسلوكية وغيرها من جوانب.

ففي الجانب الاقتصادي على سبيل المثال، لابد من تقييم الوضع الاقتصادي، والفرص المُتاحة للشباب لمُمارسة التجارة، والفرص الوظيفية المتاحة، وإشراكهم في الفرص التدريبية، ومجالات تسهيل الإجراءات، وتطوير القوانين والتشريعات، وتنويع الفرص الاستثمارية داخل المحيط المحلي، وتطوير الدخول المالية الفردية، ومواكبة التطورات للبلدان المحيطة، وجعل السلطنة بلدًا تنافسيًّا بشكل متسارع، وتقييم غيرها من أفكار تخص الشأن الاقتصادي.

وقِسْ على ذلك تقييم بقية نواحي منظومة الدولة ومن جميع جوانبها المختلفة، واقتراح مبادرات فعَّالة تقلل من أخطار العنف والأفكار الضالة؛ فمسؤولية حماية البلد من الأفكار العنيفة هي ليست مسؤولية أمنية فقط، وإنما ترتبط ارتباطًا وثيقا -وبعلاقة طردية- مع بقية أطراف المنظومة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية وغيرها، ولا يمكن الاستخفاف بتأثير أي منها، وعلى جميع أجهزة الدولة تقييم الزاوية التي تخصها، ووضعها في الخطة الشاملة التنفيذية الوقائية لتفادي أو تقليل حوادث مؤلمة في المستقبل، وكلما كانت الوقاية مبكرة ومستشرفة للمستقبل، استطاعت البلاد تفادي العلاج المكلف والعواقب الأليمة.