الفلك يفقد أحد رواده

 

 

‏راشد بن حميد الراشدي *

* إعلامي وعضو جمعية الصحفيين العمانية

اعتاد أن يرتاد الفضاء ويُحلق بين النجوم ويرحل بنا جميعًا إلى صفحات الكون السحيقة، ليسبر ويروي لنا ما تحتويه من عجائب الله في خلقه وبديع صنعه، وليضع ما تعلمه من علوم بين يدي متابعيه وطلابه في كل جديد عرفه وتعلمه، فينقل تلك العلوم إلى فضاءات أفكارنا وعقولنا لتستنير بما جادت به خلايا فكره في فهمه المتقن لعلوم الفلك وحراكه.

إنه الأستاذ القدير أحمد بن سعيد الجابري الذي رحل عن عالمنا وأفل كما تأفل نجوم الكون في وسط الضياء، مخلفاً فقدا بين أحبابه وأصحابه ومتابعيه من مريديه وطلابه. فلقد فقدت بالأمس الجمعية الفلكية العمانية أحد أركانها وأحد مؤسسيها الذي كان شُعلة نشاط في مُعظم فعاليات الجمعية بعد عام من تأسيسها وقيامها في العام 2008م.

وشارك الجابري في معظم مناشط الجمعية ومخيماتها الفلكية، وقدم عشرات المحاضرات في المدارس والأندية والمناسبات الفلكية ونقل تفاصيل الكون الدقيقة لكل من استمع لمحاضراته وشروحاته وهو يقدمها في سهولة ويسر وإيضاح لجمهوره صغيراً كان أو كبيرا.

كانت سماته الخلق الكبير بين أصحابه؛ حيث يتسابق إلى البر والاجتهاد عندما يدعى أو تقام مناشط أو فعاليات تتعلق بالفلك وفي مدرسته تفنن الأستاذ القدير في تدريس مادة الفيزياء لطلابه، وقد تخرج عدد منهم على يديه في مشواره التعليمي وتفقده اليوم مدرسته وطلابه وكادرها التعليمي.

كذلك ترك رحيله فراغًا كبيرًا في قلوب زملائه أعضاء الجمعية الفلكية العمانية؛ فمنذ انضمامه للجمعية كان شخصية نشطة ومؤثرة في مجال الفلك، وقدم إسهامات متعددة ومميزة من خلال تنظيم ورش عمل متنوعة ومحاضرات علمية متخصصة، مستهدفًا بذلك نشر الثقافة الفلكية بين الأعضاء والجمهور، فلم يتوانَ الجابري عن مساعدة زملائه الأعضاء في لجنة التأهيل ودعم التعليم بالجمعية في تقديم الورش والمحاضرات؛ سواءً في المدارس أو الانشطة الفلكية؛ مما أسهم في توسيع نطاق تأثير الجمعية وتعزيز حراكها نحو المجتمع وخدمته.

قدَّم الجابري محاضرات عديدة طوال فترة انتسابه للجمعية الفلكية العمانية؛ فمن ضمن محاضراته الأخيرة التي قدمها في مبنى الجمعية: محاضرة بعنوان "حكاية النجوم"، وكأنها إشارة إلى أن للأرض نجوما أيضا سيصبحون ذات يوم حكاية تُستحضر في مناسبات الجهد والعطاء.

رحل -رحمه الله- وترك أثرا سيمتد ربيعه على أرض وطن معطاء يزدان بنجوم أناروا الأرض بفيض علومهم، ولا نقول في هذا المقام إلا ما يقوله المؤمن: "إنا لله وإنا إليه راجعون". ورحمة الله تغشى عباده الصالحين وعزاؤنا إلى أهله الكرام في فقده ورحيله، ولكن سيبقى ذكره ممتدا تعتز به الجمعية، فهو ممن تركوا أثرًا بارزًا تشهد له الأوراق والبحوث وملفات العروض التي قدمها عبر مسيرة حافلةً بالعطاء والاجتهاد.