وداد الإسطنبولي
بين ثنايا الأدب والمُجتمع، يتشابك خيط رفيع يربط بينهما.. جسرٌ من التواصل والتشارك، من خلال هذا المعبر نلج ونتغلغل في عروسة الجنوب مدينة صلالة، وقد لبست حلتها الخضراء القشيبة على أنغام قيثارة فصل الخريف وسيمفونيته الطبيعية الفاتنة.
هكذا تزف الطبيعة بألحانها الأثيرة ظفار من أعالي الجبال نزولا إلى سهولها، مع تغريدات الطيور القادمة من الغرب والشرق تأتي مهاجرة لتستجم أو لرزق لها، وربما من جفاف حار يكتم أجواء تلك المناطق الآتية منها.
والأدب في جماله وحسنه فضاء واسع للتناغم والتساكن مع هذه اللوحة التي ترسمها الطبيعة في ظفار كل خريف؛ فهو يلتقط همهمة المحار، ونغمته الهادئة التي لا يسمعها إلا من عشق البحر وأمواجه ويتوه في عشق غروبه، فيدوِّن سطورا دافئة، متدثرا بورق تغري هذه الأجواء التي ينتظرها أهالي الجنوب بشغف.
العلاقة الوثيقة المتصلة غير مرئية بين الأدب والمجتمع، حيث يغوص القلم ويلتقط المتن من الأحداث والمفاجآت والمشاركات والفعاليات التي تشهدها المنطقة؛ لهذا نحاول جاهدين أن لا ننسى ذلك التراث العريق الذي يرتطم بالأمواج ليعود بنا إلى ماض تليد؛ الكيان المتأصل في الأجداد ليربطها بحاضر متجدد ومستقبل باهر.
عودة الماضي هُوية الشعب العريقة، والفن الشعبي الأصيل بيئة مصغرة من فعاليات الخريف تحمل في طياتها كل دلالات القديم والجديد.
تناصٌّ يحمل فقرات متراصة مع بعضها ومتابعة بفترات زمنية متلاحقة. نعم، فالخريف لا يثير فينا نشوة الرذاذ المتساقط فقط، وإنما يذكرنا بتلك الجدران المتشققة والبيوت العتيقة، والأكلات التي تعدها النساء في هذا الموسم والتي مازالت تتنفس رائحة السمن البلدي في العصيدة والمضروب والمسيبلي.
عودة الماضي تهتزُّ على صوت الكاسر في حي القوارب والسفن وصوت النانا يهز مواطن الجبل. وما زال هذا الخيط الرفيع ينحت سطوره لتلك الهوُية الوطنية وعلاقة الإنسان مع بيئته وموروثه من خلال علاقته بأنعامه وأشجاره.
الخريف بالنسبة للجنوب ليس موسمًا عاديًّا، وإنما عيد يماثل الأعياد المعتادة الرسمية. ولطبيعة البلد الباردة في هذا الصيف وخيراتها الوفيرة والغنية تأتي قصة حب بين القادمين من الشمال أو بين أشقائنا العرب من كل أنحاء الوطن العربي سياحة للتأمل والمعرفة والاستجمام. يبرز كل هذا من خلال الظهور الإعلامي ودوره، فيما يبثه من أحداث عبر الشاشة الفضائية أو من قلم عابر يدون الأحداث ليعود إلى نقطة بداية السطر.
إنَّ للأدب علاقة وثيقة بالمجتمع في كل أطيافه، وهذا هو سحر الصيف الفاتن، أو كما يُسمَّى "خريف ظفار". فبحلول هذا الموسم نسعى جاهدين دائمًا لتجهيز برامج متنوعة من قبل المختصين من جهات معنية، ويتم إشراك فئات من الجمعيات والأعمال الخيرية المتنوعة في مجال العمل والتنظيم من أجل راحة الزوار السائحين، ونحرصُ على إبراز هُويتنا لنقل التعارف بيننا وبينهم؛ سواء تعلق الأمر بالمقيم منهم والمغترب، ليتعرف على الهوية الوطنية والانتماء للبيئة والمجتمع.