كيميائي لـ"الرؤية": ضرورة ملحة لتعزيز التشريعات المنظمة للاستخدام

تطور الكيمياء يهدد البشرية

...
...
...

الرؤية- ريم الحامدية

أكد حافظ الصالحي- كيميائي وباحث دكتوراه في الإدارة البيئية- أن علم الكيمياء عاد على البشرية بالكثير من الفوائد كما أنه أسهم في تقدم الحضارة، لافتا إلى أنه على الرغم من التقدم الكبير في العلوم الكيميائية إلا أن البشرية قد تواجه أزمة حقيقية بسبب هذا التقدم إذا لم يتم إدارة الأمر بحذر ومسؤولية.

وأضاف- في حوار مع "الرؤية"- أنه يجب تبني ممارسات مستدامة وتطوير تقنيات جديدة وتنفيذ سياسات تنظيمية فعالة، بهدف الحد من الآثار السلبية للمواد الكيميائية وضمان استفادة الأجيال القادمة من الكيمياء دون تحمل أعباء بيئية وصحية.

وعرّف الصالحي الكيمياء بأنها العلم الذي يدرس تركيب المادة وخصائصها والتغيرات التي تطرأ عليها، إذ يُعتبر هذا العلم أحد الأعمدة الأساسية للعلوم الطبيعية، وقد ساهم بشكل كبير في تطوير الحضارات البشرية منذ العصور القديمة، مبينا أنه الرغم من الفوائد الكبيرة التي جلبتها الكيمياء للبشرية، فإن التطور السريع في العلوم الكيميائية أدى إلى ظهور تحديات بيئية كثيرة وأوجد تخوفات من مخاطر قادمة تهدد البشرية، حيث بدأت الكيمياء كفرع من الفلسفة الطبيعية في العصور القديمة والحضارات السابقة مثل مصر وبابل واليونان، فكانت الكيمياء تُعرف بالخيمياء (Alchemy)، وكان الهدف الرئيسي من هذا العلم هو تحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب، واكتشاف إكسير الحياة الذي يمنح الخلود، وعلى الرغم من أن الخيمياء لم تنجح في تحقيق هذه الأهداف، فإنها وضعت الأساس للكيمياء الحديثة من خلال تطوير تقنيات وأدوات تجريبية هامة.

وبيّن حافظ الصالحي أن الكيمياء ساهمت بشكل كبير في تحسين جودة الحياة من خلال تطوير العديد من التطبيقات التي تستخدم في الحياة اليومية والصناعة، مثل الطبة والصحة إذ قدمت الكيمياء أدوية وعلاجات للأمراض المختلفة، مما أسهم في زيادة متوسط العمر المتوقع للبشر، وتم اكتشاف المضادات الحيوية واللقاحات التي أنقذت ملايين الأرواح، بالإضافة إلى قطاع الصناعة حيث أدى تطور الكيمياء إلى ظهور صناعات جديدة وتحسين الصناعات القائمة، مثل صناعة البلاستيك التي تعتبر جزءًا أساسيًا من الحياة الحديثة ولم تكن ممكنة بدون الكيمياء، وأيضا قطاع الزراعة والذي أسهمت فيه الكمياء بتطوير الأسمدة والمبيدات الحشرية التي زادت من إنتاجية المحاصيل الزراعية وأسهمت في تلبية احتياجات الغذاء العالمية، كما قدمت حلولا لبعض المشكلات البيئية، مثل معالجة مياه الصرف الصحي وتطوير تقنيات إعادة التدوير.

وأضاف الصالحي: "مع تقدم العلوم الكيميائية، ظهرت أيضًا تحديات بيئية خطيرة مثل التلوث الكيميائي، والنفايات الكيميائية، والتغير المناخي واستنفاذ الموارد الطبيعية، وقد أدى الاستخدام الواسع للمواد الكيميائية في الصناعة والزراعة إلى تلوث المياه والهواء والتربة، لأن المواد الكيميائية السامة مثل الرصاص والزئبق والمبيدات الحشرية يمكن أن تسبب أضرارًا صحية خطيرة للكائنات الحية، كما أن النفايات الصناعية تحتوي على مواد كيميائية خطيرة تحتاج إلى معالجة خاصة، لأن التخلص غير الصحيح من هذه النفايات يمكن أن يؤدي إلى تلوث بيئي طويل الأمد، ولا ننسى أن بعض العمليات الكيميائية الصناعية تسهم في انبعاث الغازات الدفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان، مما يزيد من حدة التغير المناخي، ومع الحاجة المتزايدة للمركبات الكيميائية فإن العمليات الكيميائية تتطلب كميات كبيرة من الموارد الطبيعية مثل المياه والمعادن، مما يؤدي إلى استنفاد هذه الموارد".

وقال الصالحي إن الأسباب التي تجعل العالم يحذر من خطر المواد الكيميائية، كثيرة نأخذ منها على سبيل المثال التلوث البيئي الواسع النطاق، حيث إن انبعاثات المركبات العضوية والجسيمات الدقيقة والغازات السامة المتطايرة من المصانع وعوادم السيارات تسهم في تلوث الهواء، مما يؤدي إلى مشاكل صحية خطيرة مثل أمراض الجهاز التنفسي والقلب، ونفس الأمر في تلوث المياه لأن التصريف غير المعالج للنفايات الكيميائية الصناعية والزراعية يؤدي إلى تلوث الأنهار والبحيرات والمحيطات، مما يضر بالكائنات المائية ويدخل في تركيب السلسلة الغذائية البشرية، أما فيما يتعلق بتلوث التربة فإن الاستخدام المكثف للمبيدات والأسمدة الكيميائية يؤدي إلى تلوث التربة وفقدان خصوبتها مما يؤثر على الإنتاج الزراعي وصحة الإنسان.

ولفت إلى أنه مع تزايد الاستهلاك الآدمي تزيد النفايات الكيميائية، والمتمثلة في النفايات الصناعية والنفايات الإلكترونية، فالنفايات الصناعية تحتوي على مواد كيميائية خطرة يجب معالجتها والتخلص منها بطرق آمنة، ويؤدي الإهمال في إدارة هذه النفايات إلى تلوث مستدام، وأما النفايات الإلكترونية فهي نفايات تحتوي على مواد كيميائية سامة مثل الرصاص والزئبق والكادميوم، والتي يمكن أن تتسرب إلى البيئة وتسبب أضرارًا صحية طويلة الأمد، مضيفا: "لا ننسى التغير المناخي كانبعاثات الغازات الدفيئة فالعمليات الكيميائية الصناعية تسهم في انبعاث ثاني أكسيد الكربون والميثان، وهما غازان دفيئان رئيسيان يسهمان في التغير المناخي، كذلك تأثير التغير المناخي على الكيمياء، فيمكن أن يؤدي التغير المناخي إلى تغييرات في العمليات الكيميائية الطبيعية والصناعية، مما يزيد من صعوبة التحكم في التأثيرات البيئية".

وأوضح الصالحي: "من أسباب الأزمة الكيميائية المحتملة كثرة استخدام المواد الكيميائية الخطرة، فاستخدام المواد الكيميائية السامة مثل المبيدات الحشرية والمعادن الثقيلة في الزراعة والصناعة يمكن أن يؤدي إلى تراكمها في البيئة وسلسلة الغذاء، مما يسبب أضرارًا صحية جسيمة، وكذلك تزايد الاكتشافات الكيميائيات الجديدة، فتطوير كيميائيات جديدة بسرعة دون تقييم كافٍ لسلامتها البيئية والصحية يمكن أن يؤدي إلى مشكلات غير متوقعة في المستقبل، ويمكن للبشرية تدارك خطر الكيمياء القادم من خلال مجموعة من الإجراءات والسياسات التي تهدف إلى إدارة استخدام المواد الكيميائية بطريقة مستدامة وآمنة في مواجهة هذه الأزمة المحتملة ببعض الحلول التي يمكن اتخاذها لتحقيق ذلك مثل التنظيم والتشريع، حيث إن تعزيز اللوائح والتشريعات التي تنظم استخدام وإدارة المواد الكيميائية يجب أن تتضمن قيودًا على انبعاثات المواد الكيميائية والنفايات مع فرض عقوبات صارمة على الجهات التي تنتهك القوانين البيئية وتسبب التلوث، كما يجب أن تكون هناك هيئات تنظيمية قوية قادرة على مراقبة الصناعات والتحقق من الامتثال للقوانين البيئية، ويمكن أن تساعد عمليات التفتيش الدورية والمراجعات البيئية في ضمان الالتزام".

وتابع قائلا: "يمكن تدارك خطر الكيمياء من خلال استخدام التكنولوجيا النظيفة، لأن تطوير واستخدام التكنولوجيا النظيفة يقلل من الانبعاثات والنفايات الكيميائية، مثل تقنيات الإنتاج الصناعي النظيفة ومعالجة المياه والنفايات واستخدام الطاقة النظيفة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وتشجيع الابتكار في مجال الكيمياء الخضراء لتطوير مواد كيميائية ومنتجات صديقة للبيئة يساعد من تقليل خطر المواد الكيميائية على البيئة والمجتمع، وأهم من ذلك كله تعزيز ممارسات إعادة التدوير وإعادة الاستخدام للحد من النفايات الكيميائية، وهو ما يسمى بالاقتصاد الدائري، حيث يمكن أن يساعد الاقتصاد الدائري في تقليل استهلاك المواد الخام وتقليل النفايات، ولا ننسى التوعية والتعليم فزيادة الوعي العام حول المخاطر البيئية والصحية للمواد الكيميائية وكيفية التعامل معها بأمان وتضمين المناهج الدراسية لمواد تعليمية تركز على الكيمياء المستدامة والبيئة النظيفة ودعم البحث العلمي في مجال الكيمياء البيئية والكيمياء الخضراء لتطوير حلول مبتكرة للمشكلات البيئية وتعزيز التعاون الدولي في البحث وتبادل المعرفة والخبرات لمواجهة التحديات البيئية العالمية، من أهم الأسباب التي تساعد على مواجهة خطر المواد الكيميائية المحتمل على البيئة".

تعليق عبر الفيس بوك