ماجد المرهون
MajidOmarMajid@outlook.com
نُلاحظ في كل عام وجود دورة مواسم اجتماعية من اللغط تتزامن مع تبدل الفصول في دورتنا الفلكية حول الشمس، حتى باتت رتابةِ الخلافات المتكررة مع كُل حدث يأتي مرة في العام نمطيةٍ وشبه يقينية وربما أقرب للتأكيد مع بعض التنبؤات التي لا تخلو من الطرافة والخُرافة، مثل يقين حلول الفصول الأربعة وتعالُقاتها دون تنبؤ أو تخريف وما يصحبها من تغييرات مُناخية وجوية تسترعي تفاعل النَّاس معها، مع فارقٍ واحدٍ فقط هو أن تكيُّف الناس مع دورات المناسبات السنوية والفصلية لم يتخذ لنفسهِ موقف النضوج التام أو موقع التسليم الكامل، ولذلك تُستثار معها جدلياتٍ متكررة تكاد لاتنتهي وخلافاتٍ مُتوقعة ومستمرة بتنا نحسبها فلكيًا مع الأهِّلةِ واختلاف المطالع ودوران الأرض ومواقع النجوم.
ليس الخريفُ بمُستثنى عن كل ذلك؛ كونه أحد أهم الأحداث السنوية وله من اسمه في خِراف الثمار وجني المحاصيل نصيب كبير ونصيبٌ آخر في الخَرف وذهاب العقل لروعته وجماله، عندما يحين فلكيًّا في الثُلث الثالث من شهر يونيو مع نهاية "نجم الشول" في الحساب المحلي للازياج النجمية، فيستبشر الناس به قبل مقدمه الميمون وحُق لهم ذلك فهو دالَّة الخير من الخالق تُغاث مع قطرهِ المخلوقات في فصلٍ تلفح درجات الحرارة المرتفعة جدًا معظم دول العالم بينما تهنأ أجزاء واسعة من مُحافظة ظَفار بهِبة الخريف الربانية وفي معزلٍ عن لهيب الصيف.
لعلَّ الطبيعة الصحراوية لشبهِ الجزيرة العربية تُحتِّم على ساكنيها الاستبشار بالسحاب والمطر في كل وقتٍ من أوقات العام، وإن كانت سحابة صيف عابرةٍ غير معهودةٍ، ولا مؤمل عليها إلا من باب التفاؤل وحسن الظن، ولكن الأمر مختلف جذريًا على جنوب سلطنة عمان في واقع الحال الملامس للخرافة والمُحال حيث سُحب الصيف تالدةً غير عابرة، ومعهودةً تحمل الآمال في ثناياها وصيبًا نافعًا بين اعطافها، فتحيط المنطقة بالغمام وما ينسكب منه وبالضباب وما يتندى به، وتستحيل إلى مايُشبه فقاعة عملاقة تغشى الأرض الكريمة ككرم أهلها وقاطنيها.
ومن البداهةِ أن تشرئب أعناق الباحثين عن فُسحة ترويح واستجمام إلى هذا المكان، يقضونها في كنف الاسترخاء والانسجام مع الطبيعة وسويعاتٍ من الهيام والتفكر في بديع خلق رب الانام، فيقتطعون من العام في سبيل تحقيقها ايامًا معدودات مثلما يحاول الاقتطاع من فُرص الخريف المغرية كل من استطاع إلى ذلك سبيلا، ومن البداهةِ ايضًا ان تساور الزائر غير المقيم أحيانًا بارقة تعجُب وبُرهة استغراب ولحظة تساؤل في ماذا لو كان ولماذا لم يكن! واستثني المواطن المقيم الدائم من مقولة "أهل مكة ادرى بشعابها"؛ إذ لا يُعول على نظرته بعيدة المدى كثيرًا، ويبدو أن حواسه اعتادت المشهد العام أو ربما يكون استشعر الملل من كثرة الاعادةِ والتكرار، ولم يعد لعوائد استبصاراته صداها المنشودة، ففضَّل الانتصاف لنفسه متحليًا بخصلة الصبر في زحام كل شيء والسكوت عندما يحين الكلام حتى انقضاء الموسم مع نهاية نجم المناصف.
تُطالعنا رسائل مواقع التواصل كعادتها مع موسم الخريف بطرائف وغرائب مثل بعوضة "العارنوت" المتربصة والثعابين العملاقة الكامنة، ولن أستغرب ظهور الديناصورات في المستقبل، ولا تحجب سحائب العالم الافتراضي وضبابه بزوغ نجوم المسوقين والمروجين أو مايعرف بالمشاهير ومنذ نهاية نجم الشول في 19 يونيو وقبل دخول النعايم النجم المؤذن فلكيًّا بموسم الخريف بحملاتٍ ترويجية تستهدف الجذب السياحي وبالطبع هم يُشكرون على جهودهم، إلا أنَّ الوضوح من المرة الأولى وفي اغلب الأحيان مطلبٌ مهم في قانون الدعاية والإعلان خشية فتح ثغرات قد تفضي إلى التضليل وتعكس لاحقًا نوعًا من الاستياء، فيعودون أدراجهم نزلةً أخرى بمزيد من الشرح والتفصيل لأزالة اللغط والجلبة بهدف افراغ محل النزاع، كما تُطالعنا مواقع التواصل نفسها بنوع آخر من المُشكِّكين القادحين في حقيقة كل شيء تقريبًا، والذين يعتقدون أن الفصول والمواسم تتقلب بضغطة زر وأن الخريف يحين بشروق شمس يوم 21 يونيو ولا يجب أن يتأخر ساعةً قبله أو يتقدم، ثم يُسهمون بدورهم مجانًا في عملية الدحض، والأسئلة التلقائية التي تفرض نفسها هنا هي: ما هي الفائدة التي يرجوها فريق المشككين ضد المروجين، وما هو المردود؟ وهل هو تقديم النصيحة في قالب محبتهم الشديدة للناس أم ركوب الموجة لتحقيق مكاسب شخصية؟
إنَّ السياحة في مُحافظة ظَفار لا تعدو قدرها الموسمي المُتمثل في ثلاثة أشهر وأقل قليلا، وقد ارتبطت نمطيًّا بالخريف فقط، وبناءً عليه فإن معظم المشاريع السياحية لن تتجاوز الحدود الموسمية الضيقة، لذلك تأتي متواضعة بمقدار الربع في حساب شهور العام ومتأخرة في حساب الميزانيات والإنفاق والعمل، بينما تقبع بقية المقومات السياحة ذات الصلة المباشرة بالبيئات المتعددة في الجانب القصي من الاهتمام، وقد بدأ هذا الأمر لكثرة حديث الناس حولة يتخذ صورةً حالمة بعيدة المنال لمجرد التفكير في تفعيل السياحة على مدار العام، أو حتى ضربًا من ضروب الخرافة التي لا يمكن لها أن تتحقق، ولكن تستمر لطائف متعتها في سردها قصصيًا كنوعٍ من إثراء الخيال في الثلاثة أرباع القادمة حتى تكتمل دورة العام، وتعود مجددًا.