أمن إسرائيل الصهيونية.. اللغز والمدلول

 

د. عبدالله الأشعل **

 

ألِفْنَا أن إسرائيل وحلفاءها يرددون عبارة "أمن إسرائيل"، لكن لم يشرح أحد لنا معنى "أمن إسرائيل"، وقد أكدت الولايات المتحدة الأمريكية أثناء الضربة الإيرانية لإسرائيل أنها ملتزمة بأمن إسرائيل وأنها سوف تمدها بكل أنواع الأسلحة، لكنها لا توافق على أنه من الضرورى أن ترد إسرائيل على الضربة حتى لا تتسع رقعة النزاع وتصبح حربًا إقليمية.

وفى عام 1967 أصرّت إسرائيل على ما يُسمى بالحدود الآمنة واشترطت لأى تسوية للصراع العربى الإسرائيلى أن تحفظ أمن إسرائيل، لكن الممارسات أوضحت أن أمن إسرائيل مسألة نفسية، وأن أمن إسرائيل مفهوم العصابة الصهيونية وتدرك إسرائيل تمامًا أنها زُرِعَت فى أرض الغير وأنها تعتدى على الدول المجاورة وأنها تشترط لانسحابها من الأراضي العربية المحتلة اعتراف الدول العربية بها؛ فالانسحاب مقابل الاعتراف رغم أن الانسحاب التزام قانوني على الطرف الذي بدأ الهجوم، ولذلك تصر إسرائيل على الدفاع الشرعي عن النفس. وقد فهمت النفس على أنها حسبما تفسره إسرائيل؛ فالنفس الإسرائيلية تختلف عن نفس غيرها، وهذا راجع إلى اغتصاب الأرض والمشروع الصهيوني الذي يهدف إلى تفريغ فلسطين من أهلها وإحلال يهود العالم محلهم.

العالم كله يتحدث عن احتلال إسرائيل للأراضي العربية المحتلة، بينما إسرائيل لا تعترف بأنه احتلال وإنما هو مكافأة النصر ومقابل التفوق العسكري؛ فإسرائيل فى ناحية والمجتمع الدولي في ناحية أخرى. ولذلك أغفلت إسرائيل جميع قرارات الأمم المتحدة التى استوجبت انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة على أساس أن المفهوم الإسرائيلي لا يعترف بالاحتلال.

وقد أبلغنا الغرب تبريرًا لزرع إسرائيل فى المنطقة بأن إسرائيل امتداد لحضارة الغرب وأنها زرعت فى المنطقة العربية لكي تنتشلها من التخلف إلى التقدم ولكن ملحمة غزة أظهرت لنا حقيقة الديمقراطية الوحيدة بالشرق الأوسط وأنها ترتكب جرائم الإبادة دون وازع ديني أو أخلاقي أو إنساني أو قانوني والسبب أن الولايات المتحدة أمّنت إفلات إسرائيل من العقاب impunity ووضعتها فوق القانون الدولي.

والصحيح أن إسرائيل ليست دولة محتلة وإنما مُغتصِبَة للأرض؛ ولذلك فإن مبادرات التسوية التى اقتراحتها إسرائيل واتفاقات السلام التى وقعت عليها، كانت تركز على الحكم الذاتى للإنسان الفلسطيني، بينما الأرض من نصيبها بعد ذلك. والحقيقة أن الاستعمار الغربي لم يكن سيئًا بقدر سوء إسرائيل؛ لانها تريد الأرض وإبادة السكان والحلول محلهم بينما المستعمر لا يريد ذلك وكانت النتيجة أن المحتل والمستعمر عادوا إلى بلادهم دون أن يدعوا ملكية اراضي المستعمرات وحتى فرنسا فى الجزائر التى اعتمدت سياسة الاندماج بين فرنسا والجزائر وتركت عددا من الفرنسيين يتحكمون فى الجزائر، وكانت تسمى الجزائر مستعمرات ما وراء البحار، وكانت تعد الجزائر أراضي فرنسية خارج أوروبا، لولا أن شارل ديجول التزم بالواقعية السياسية ولمصلحة فرنسا أجبر الفرنسيين على إعلان استقلال الجزائر عام 1962.

وأمن إسرائيل يعنى العناصر الآتية:

أولًا: السماح لإسرائيل بالعدوان على أي دولة مجاورة.

ثانيًا: ضم أراضيها الى أراضي إسرائيل.

ثالثًا: ارتكاب أعمال الإبادة وإفلات إسرائيل من العقاب ولذلك فإن مايسمى بحل الدولتين غير واقعى فلا إسرائيل تريد الفلسطينيين ولا الفلسطينيون بعد عمليات التوحش الإسرائيلى يقبلون بهذا الحل والجديد في الموضوع أن الفلسطينيين بعد أن أحرجوا إسرائيل وكشفوها وفضحوا حقيقتها وكسروا جيشها وكشفوا فشل القيادات العسكرية والسياسية في إسرائيل لن يقبلوا بحل الدولتين كما أن حل الدولتين غير مقبول من جانب إسرائيل وفقا للمشروع الصهيوني.

مما يذكر أن الفلسطينيين كانوا قد قبلوا حل الدولتين عندما قبلوا قرار التقسيم وقرار مجلس الأمن رقم 242 فى عام 1988، ولكن الأحداث اللاحقة أقنعتهم أنه لا يمكن التعايش مع البربرية الإسرائيلية، كما ثبت من خلال الممارسات أن إسرائيل أمنت العقاب فأساءت الأدب، وأصبحت تهدر قيمة القانون الدولي بلا حياء وذلك بتشجيع من الولايات المتحدة الأمريكية.

الخلاصة.. إن فكرة أمن إسرائيل فكرة شريرة غير واقعية؛ فالمفهوم أن تأمن إسرائيل على نفسها من الفلسطينيين والعرب مقابل ألا يأمنوا من إسرائيل، وهذه الفكرة رفضتها إسرائيل مرارًا فى مبادرات السلام وآخرها المبادرة العربية التي قدمتها السعودية في القمة العربية فى بيروت عام 2002، ولذلك لا يُمكن أن يؤخذ أمن إسرائيل مأخذ الجد، ولا يُمكن تحقيقه؛ لأنَّ تحقيقه يعني السماح لإسرائيل بكل هذه الممارسات غير القانونية.

** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا