بين سلطة الحمار وجشع الفيل

 

 

علي بن سالم كفيتان

كان يَومًا مُمِلًّا بامتياز صَادف آخر أيام إجازة العيد الطويلة؛ فلم ألْمَسُ طوال الأيام التي قبله أي معالم فرح على وجوه معظم الذين قابلتهم؛ بل وجدتُ أُناسًا متجهمين، وإن قابلت أحدهم بالصُّدفة في البقالة أو في المسجد، بالكاد ينطق كلمة "عيدكم مبارك"، في الوقت الذي فِيه الأسواق مفتوحة دون مُتسوِّقين، رغم أنَّ مثل هذه المناسبات في الأعياد الماضية إذا ذهبت وسط المدينة "تتحزَّم زين" وترسم خطة الوصول للهدف؛ من خلال طرق وزقاقات مُلتوية في الحارات المجاورة لشارع المال والأعمال في مدينتنا "شارع السلام".

في هذا العيد، تجوَّلتُ وكأنني الوحيد في هذه المدينة، وما تكاد تُوقف سيارتك، إلَّا ويندفع لها عدد من عمال المحلات عارضين بضاعتهم، بينما كان الوضع في الأعياد السابقة مختلفًا تمامًا؛ حيث لا يحصل على حاجته إلَّا طويل العمر، وعبر زحام وصياح حتى يقذفها لك العامل الآسيوي من بعيد، وما إنْ تلقط غنيمتك حتى تفرَّ بها، وكأنَّك ملكت الدنيا. في هذا العيد، بارت الأسواق وتجهَّمت النفوس والجميع ينتقدون عدم تقديم الراتب قبل حله، فقد بات عصيَّ المنال.

في هذا اليوم الذي ذكرتُه لكم، انطلقتُ للجَبَل المتوشِّح ببياض السُّحب علِّي أجد سلوتي، لكنَّ قطعان الحمير لفتت انتباهي وهم ينزحون الى الشمال بعيدًا عن المطر والضباب.. ومن هنا بدأت حكاية المقال!

رغم شَغَفي بالبيئة والبحث في ظواهرها وتقلباتها التي جعلتْ الحِمَار يعود بقوَّة لبراري ظفار، والغوص في الأسباب والمسببات والحديث المنمَّق بالمصطلحات، أوقفتُ مَركبتي وتمعَّنتُ في المشهد من زاوية أخرى: كيف للحِمار أن يسود ويصبح شعارًا لحزب يقُود أقوى حكومة في العالم، بينما نحنُ نَرَاه كائنًا مُتطفِّلا على بيئة ليست له. ولا أخفيكم إعجابي بصَبْره وجَلَده؛ ففي الوقت الذي تُعلَف فيه الابقار والجمال طوال العام بآلاف الريالات لإبقائها حيَّة، لم أجد في الأعوام الأخيرة حمارًا ماتَ من جوع! ومن ملاحظاتي تغيُّر لونُه؛ ففي وقت القَيظ والقحط يُصبح شاحبًا، لكنَّه يقاوم من أجل البقاء بشكل لافت، لينجو الجميع في النهاية، ويستمتع بأعشاب الخريف القضة الطرية. مُجتمع الحمير هذا له قوانين؛ فنادرًا ما تجد حِمارًا تم دهسه على الشوارع العامة، على نقيض الأبقار والإبل؛ لأنه يمشي بمحاذاة الطريق، وعند العبور، يُمعِن بحذرٍ في الشارع جيدًا.

أتدرُون أنَّ الحمار يُمثل شعارَ الحزب الديمقراطي الحاكم في الولايات المتحدة الأمريكية؟ وأنَّ هذه الفصيلة هي التي تقود العالم اليوم بكل نَكَباته وكوارثه التي تحدُث في فلسطين!! أنصحكم بالقراءة عن سِر الحمار الأمريكي الذي يحكُم العالم، ولماذا أصبح قاسيًا وظالمًا ومتجبِّرًا؟!

يمتلكُ الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن أيديولوجية مُعادية للعرب ومُؤيدة بشكل متطرف للصهاينة طوال عمره السياسي من حاكم ولاية إلى عضو في مجلس النواب ومن ثم الشيوخ ونائبًا للرئيس، ثم رئيسًا. والمتتبِّع لخطاباته يستغرب قَدْر العداء والحقد الذي يُضمِره هذا الرجل للفلسطينيين، وفي المقابل ولاؤه مُطلق للصهاينة! وأستغربُ ممن يُعوِّل عليه لوقف حرب الإبادة في فلسطين؛ فهو مُتفق تمامًا مع مجرم الحرب نتنياهو، وهو من يمده بالذخائر من المصانع الأمريكية، وإذا تاخرت شحنة بضعة أيام قامت الدنيا ولم تقعد، حتى اتُّهم بايدن بخيانة قسمه وانتمائه للصهاينة؛ فهو -وليس غيره- من يُمطِر الأبرياء بأطنان المتفجرات وآلاف الصواريخ، ومن ثمَّ يتحدث ببلاهة مع الحكام العرب عن أنه مع "حل الدولتين"، في الوقت الذي تستخدم فيه مندوبته الدائمة لدى الأمم المتحدة حق النقض "الفيتو" ضد الاعتراف بدولة فلسطين، التي تعترف بها اليوم أكثر من 150 دولة من أصل 190 تقريبًا.

الحِمَار الأمريكي لم يعُد كحمارنا العربي المسكين المتنقِّل بخَجَل بن الريف والبادية، بعد أن فقد الأمل في بلوغ تخوم المدينة.

إذا سقط الحمار الأمريكي في الانتخابات القادمة، وهو المتوقَّع بشكل كبير، سيأتي الفيل (شعار الحزب الجمهوري) الذي نَقَل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس المحتلة؛ تعبيرًا عن ولائه لبني صهيون؛ فجميعُهم سواء، ولا يُوجد فرق بين الحِمَار والفيل الأمريكيين تجاه العرب وتجاه القضية الفلسطينية، بينما أوروبا ذهبت بعيدًا وأصبحتْ تُنتِج أغلى جبنة من حليب الحمير! والصين تطمَح لطحن كل حمير الأرض وتحويلهم الى كُولاجين، وبعض الدول ترَى في العودة لاستخدام الحمير في التنقل وفاءً أصيلًا بالتزاماتها لمنع الانبعاثات وتقليل حرارة الأرض والتحول نحو الطاقة الصديقة للإنسان!

غابتْ شمسُ ذاك النهار الكئيب رُويدًا رويدًا، وقطيعُ الحمير تلاشَى في الأفق البعيد.