راشد الراشدي
رحل الرعيل الأول من بناة الوطن بعد انقضاء الأجل، كما تتساقط أوراق الشجر من أغصانها ليبقى الوطن الذي ينتظر فرسان آخرين يحملون لواء الوطن لتزهر أوراقه من جديد وتتجدد الحياة ويتجدد الأمل.
هكذا حال هذه الدنيا الفانية فلقد شاءت أقدار الله وسنتهُ في الحياة أن يرحل البارحة عن عالمنا سيداً وشيخا جليل وقورا تُحس وأنت بالقرب منه بالسمت العماني الأصيل وبفكر العالم المتقد الذي صقلته مداركه وخبرات الحياة المتراكمة في سنوات قضاها في خدمة وطنه فأوقد من حوله ضياءً أنار به كل مجالسه.
عرفته شخصياً في سنواته الأخيرة من خلال إشرافه مع إخوته على تأسيس وانطلاقة منارة العلم جامعة الشرقية منذ افتتاحها من خلال تغطيتي الإعلامية لاذاعة سلطنة عمان خلال حفل افتتاحها تحت الرعاية السامية لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله- في عام 2017، كما أعرف معظم أهله الأخيار، فبيننا وبينهم رحم وزمالة وأخوة.
رحل السيد عبد الله بن حمد بن سيف بن محمد البوسعيدي عن عالمنا بعد أن تقلد عدة مناصب في عهد نهضة عُمان الحديثة فهو ينحدر من أسرة عريقة مأثورة بالعلم والصلاح والسيرة الطيبة في ولاية المضيبي التحق معالي الوزير المتقاعد في بداية حياته بوزارة الأراضي (سابقًا) في عام 1973م ثم انتقل للعمل في هيئة جمع المخطوطات العمانية وفي عام 1978م انتقل للعمل في وزارة العدل وتحديدًا بالدائرة المالية حيث خضع لدوراتٍ إداريةٍ ومالية متخصصة ساهمت في صقل خبراته في المجال المالي.
وبعد إنشاء وزارة البيئة (سابقً) في عام 1984م، طلبه السيد شبيب بن تيمور للعمل معه، فشغل منصب مدير عام المالية إلى أن تشرف بالثقة السامية وعين وزيرا للإسكان في أكتوبر 1986م، وفي يناير 1989م عين مندوبا لدى الجامعة العربية بتونس، ثم نُقل إلى القاهرة وعين سفيرا غير مقيم في قبرص، ثم عاد إلى سلطنة عمان وعمل كرئيسٍ لجهاز الرقابة المالية وبعدها حظيت جامعة الشرقية أن يكون رئيس مجلس أمنائها.
كان والده السيد حمد بن سيف البوسعيدي- رحمه الله- قاضياً فقيهاً تنقل بين عدد من ولايات السلطنة واسس مكتبة ثقافية فهو من الأسماء الأدبية البارزة على مستوى سلطنة عمان. وقد أسس مكتبة تضمّ العديد من الكتب التراثية والمخطوطات، وقام بتأليف عدد من الكتب والمؤلفات التي رفدت المكتبة العمانية بقطاف الخير منها: الموجز المفيد نبذ من تاريخ البوسعيد، وإرشاد السائل من أجوبة المسائل، وقلائد الجمان من أسماء شعراء عمان، والجواهر السنية في المسائل النظمية، وجوهرة الزمان في ذكر سمد الشأن.
رحل اليوم السيد عبدالله بن حمد بن سيف البوسعيدي صاحب الخُلق والبشاشة والفكر والثقافة والأدب وقد خلف بين محبيه من أهله ومُريديه حزنًا عميقًا بتعامله الدمث مع الجميع وبأعماله التي تركت أثراً في المجتمع وساهمت في نهضة عُمان الفتية؛ حيث تفقده اليوم جامعة الشرقية التي حظيت بإهتمامه الخاص، والتي كانت حلماً تحقق على أرض الواقع وساهمت في تأسيس أجيال من بناة الوطن منذ تاسيسها كما سيفقده محبوه الذين عرفوه بخلقه الرفيع وبشاشته وفعاله.
أحسن الله عزاءنا جميعاً وعزاء اسرته في فقده فقد فقدت نيابة سمد الشان أحد أبنائها الفضلاء. وعزاؤنا فيه سيرته العطرة ومآثره التي خطها في سجلات تاريخه خلال سنوات حياته الكريمة. (إنا لله وإنا إليه راجعون).