د. هيثم مزاحم **
تتواصل الحملات الانتخابية للمرشحين الستة لرئاسة الجمهورية الإسلامية في إيران، وأبرزهم رئيس البرلمان الحالي (مجلس الشورى الإسلامي) محمد باقر قاليباف، وهو محافظ ومرشح سابق للرئاسة، فشل مرتين في الفوز وانسحب في امرة الثالثة لمصلحة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي.
أما المرشح الثاني البارز فهو سعيد جليلي، وهو محافظ متشدد ترشح سابقاً مرات عدة للرئاسة وفشل وانسحب في المرة الأخيرة لمصلحة رئيسي. وكان أميناً عاماً لمجلس الأمن القومي ويُعرف بمواقفه المناهضة للاتفاق النووي لعام 2015 المعروف بخطة العمل المشتركة الشاملة.
أما المرشح البارز الثالث فهو مسعود بزشكيان وهو المرشح الإصلاحي الوحيد، والذي أعلن التيار الإصلاحي أنه أحد مرشحيه الرسميين. فهو وزير ونائب سابق. وقد فاجأ الكثيرين قبوله من قبل مجلس صيانة الدستور، وهو المجلس الذي يقوم باختيار المرشحين المقبولين للرئاسة والنيابة وعضوية مجلس الخبراء من قبل المتقدمين.
ويرى بعض المراقبين أن مرور ترشيح بزشكيان من قبل مجلس الدستور الذي يسيطر عليه المحافظون، هدفه تحفيز المنافسة ورفع نسبة الاقتراع في الانتخابات الرئاسية المقررة يم 28 يونيو الجاري، من خلال إشراك التيارين الإصلاحي والمعتدل في الاقتراع نتيجة وجود مرشح لكل تيار منهما. إذ يعتبر مصطفى بور محمدي، وزير الداخلية السابق (خلال الولاية الأولى للرئيس محمود أحمدي نجاد بين 2005 و2008)، والقريب حالياً من الرئيس الأسبق حسن روحاني مرشحاً عن تيار الاعتدال، حيث كان وزيراً للعدل في حكومة روحاني الأولى. يشغل حالياً منصب الأمين العام لمجمع "علماء الدين المجاهدين"، القريبة من الإصلاحيين (بالفارسية: مجمع روحانيون مبارز) وتقابلها جماعة علماء الدين المناضلين (بالفارسية: جامعه روحانيت مبارز)، وهي تجمع سياسي لرجال الدين المحافظين.
أما المرشح الخامس فهو علي رضا زاكاني وهو محافظ ويشغل منصب عمدة بلدية طهران، وانسحببدوره في الانتخابات السابقة لصالح رئيسي.
المرشح السادس والأخير هو أمير حسين قاضي زاده هاشمي وهو نائب الرئيس في الحكومة الحالية للرئيس الراحل رئيسي. وهو من التيار المحافظ كذلك.
ويرى المحلل السياسي مصطفى فقيهي أن ما أدهشه هو تأييد مجلس صيانة الدستور أهلية بزشكيان. وأوضح أن بزشكيان كان عضواً في البرلمان ونائباً لرئيس البرلمان ووزيراً للصحة في عهد الرئيس السابق محمد خاتمي، وكان اسمه من بين المرشحين الثلاثة الذين دعمتهم جبهة الإصلاح. وأوضح أن دعم جبهة الإصلاح لبزشكيان وومقاطعتها لانتخابات عامي 2021 و2024، جعلاه واثقاً من عدم "أهلية بزشكيان"، لكن تأييد مجلس الدستور لأهليته شكّل حدثاً كبيراً في المشهد الانتخابي الإيراني، "وهو ما يزيد مجدداًمن احتمالات وصول الإصلاحيين والمعتدلين إلى السلطة، بحسب رأيه.
ووجود أربعة مرشحين محافظين سيشتت أصوات جمهورهم لمصلحة بزشكيان؛ إذ يبدو من غير المرجح أن يتنحى قاليباف وجليلي، أحدهما للآخر، على الرغم من وجود مفاوضات ومساعٍ بهذا الشأن، لتكرار على انتخابات 2021، عندما انسحب جميع المنافسين المحافظين لصالح رئيسي. وإلا، ستنقسم أصوات جليلي وقاليباف في الانتخابات المقبلة لصالح الإصلاحي بزشكيان، كما أن عدم انسحاب المرشحين المحافظين الآخرين زاكاني وأمير حسين قاضي زاده قد يزيد الأمر صعوبة على معسكر المحافظين.
لكن قاضي زاده هاشمي، قد أشار السبت، إلى إمكانية انسحابه من الترشح. وقال، رداً على سؤال عما إذا كان من الممكن الانسحاب لصالح قاليباف: "إن شاء الله سينسحب الجميع لصالح فرد أصلح".
في المقابل، يسعى المحافظون على أن يتفق مرشحوهم العديدون على مرشح واحد في الانتخابات، لمنع تفتيت الأصوات بينهم. وطالب حسين شريعتمداري، رئيس تحرير صحيفة "كيهان" المحافظة القريب من خامنئي، في مقال بالتوافق حول مرشح واحد. وكتب "يجب على المرشحين الأصوليين أن يعلنوا مسبقاً أن واحداً منهم فقط سيبقى على المسرح، بعد إجراء الدراسات اللازمة، وهذا الإجراء يمنع الانقسام المحتمل بين الناخبين، ويمكن أن يكون أساساً لمزيد من الانسجام والتعاطف".
وأعرب شريعتمداري عن قلقه من فوز التيار المنافس، وقال: "إذا لم يشكل الأصوليون ائتلافاً، فإن كل واحد منهم سيسلب جزءاً من الأصوات، ومن الواضح في هذه الحالة، أن الأصوات التي يحصل عليها عدة أشخاص لا يمكن أن تنافس بسهولة مجموع الأصوات التي يحصل عليها مرشح واحد بالإجماع".
وهكذا ثمة فرصة كبيرة جداً لفوز بزشكيان في الانتخابات الرئاسية، إذا اتحد حوله الإصلاحيون والمعتدلون وشاركوا بكثافة في الاقتراع، في مقابل انقسام المحافظين. كما إن بزشكيان من القومية التركية الأذرية، ويمكنه أن يحصل على جزء كبير من أصواتهم. وهو كان يمثل مدينة تبريز الأذرية في البرلمان لسنوات عديدة، ما سيجعل أغلب سكان المدينة يصوتون له.
وفي هذه الحال، يرجح أن تنتقل الانتخابات إلى جولة ثانية، على غرار انتخابات 2005؛ حيث يعد وجود بزشكيان في هذه الجولة خطيراً جداً، إذ يرجح وصول جليلي أو قاليباف إليها في مقابله.
ويتوقع بعض المحللين الإيرانيين أن أصوات مؤيدي النظام الإسلامي والرئيس الراحل رئيسي ستذهب في الجولة الأولى إلى جليلي وأقصاها ستة ملايين، في حين لن يتجاوز عدد أصوات المؤيدة لقاليباف خمسةملايين صوت. وبحسب فقيهي، فإذا تمكن بزشكيان من الحصول على ستة ملايين صوت، فإنه سيمر إلى الجولة الثانية، وسيفوز فيها عبر الحصول علىالأصوات الرمادية، وفي حال تجاوزت نسبة المشاركة في الانتخابات المقبلة 60%، فإن الرئيس سيكون مسعود بزشكيان، بحسب فقيهي.
وبزكشيان هو الأوفر حظاً عند الأقليات القومية ولا سيما الآذريون والأكراد.
لكن بعض المحللين يرى أن فرص قاليباف أفضل من جليلي وخاصة بسبب تشدد الأخير في الملف النووي وربما في السياسات الاجتماعية الداخلية، مما يجعل النظام يفضل وصول قاليباف لتخفيف القيود الداخلية والتوتر مع الغرب وبخاصة الولايات المتحدة الأميركية.
أما فوز بزشكيان فيتطلب توحيد أصوات الإصلاحيين والمعتدلين خلفه، واستمرار انقسام المحافظين من، وربما رغبة النظام في رئيس إصلاحي يخفف التوتر بين إيران والغرب في ملفها النووي من جهة، ويرفع معظم العقوبات الأميركية عن الجمهورية الإسلامية من جهة أخرى.
وتشير تصريحات بزشكيان الأخيرة إلى لغة مهادنة مع المحافظين، وإعلان الولاء للمرشد آية الله علي خامنئي، وهو ما جعل بعض الإصلاحيين ينتقدونه معتبرين أنه لا ينبغي عليه المجاملة مي لا يفقد أصوات الجمهور الإصلاحي.
فقد صرّح بزشكيان، يوم الأحد، 16 يونيو، في حفل أُقيم بجامعة طهران، إنه يقبل ولاية المرشد، مضيفاً: "لا يحق لأحد أن يهيّن شخصاً أؤمن به، كما أن جو الحوار الحر يقتضي تجنب الإهانات".
لكن مقاطعة نسبة كبيرة من الإصلاحيين والمعتدلين والمحايدين للانتخابات الرئاسية قد تصب في مصلحة التيار المحافظ القادر على حشد وتعبئة جمهوره الملتزم. ووصف الناشط عباس عبدي، في مقال نشرته صحيفة "اعتماد"، مقاطعة المعارضين للمشاركة في الانتخابات بـ"الجادة للغاية"، وذكر أن "جليد مقاطعة الانتخابات لم يبدأ بعد في الذوبان".
** رئيس مركز الدراسات الآسيوية والصينية – لبنان