غزّة مِنّا .. ونحن مِنها

 

د. سلطان بن خميس الخروصي **

sultankamis@gmail.com

لا تزال المواقف العُمانية النبيلة تُترجم ما يتحلى به شعبنا من ثوابت عربية خالدة، فمنابرها تصدح بالنصر والتمكين والدعاء لغزة أرضًا وإنسانًا، ولا تزال مواقفها السياسية سامية عالية تدافع بكل شجاعة وبأعلى صوت عن المظلومين والمقهورين، ولا يزال شعبها مُعلنًا جهارًا نهارًا- بأغلب أطيافه ومكوناته الفكرية والمذهبية والعرقية والاجتماعية- المُقاطعة لكل ما يدعم الصهاينة؛ بما استطاع إليه سبيلًا، ولا تزال الكلمة الحُرَّة الأبيِّة لحق الإنسان بالحياة تُسمع في مساجدنا ومدارسنا ومجالسنا ومؤسساتنا الرسمية والأهلية وفي المحافل الدولية، وتُقرأ في صُحفنا: الرؤية وعُمان والوطن والشبيبة وغيرها، في وقت لا تجرؤ غالبية دول المنطقة على قول الحق أو الدفاع عنه.

هذا شرف لعُمان الطَّاهرة النقية أرضاً وشعباً وسلطاناً، وهنا تبرز خبرات التاريخ وشعور الأمم المكافحة لأجل الحرية والكرامة فمن يده في الماء ليس كمن يده في الرمضاء، ومن يتتبع المواقف السياسية والاجتماعية العُمانية يجدها تنطلق من خبرات آلاف السنين حينما ناضل العُمانيون في ملحمة الكفاح وسطَّروا بالحكمة والشكيمة مسيرة التحرُّر من براثن الاحتلال الغاشم وتحقيق أمن واستقرار المنطقة بدمائهم الزكية، وما أشبه اليوم بالبارحة؛ فإسراف حصاد الأرواح في غزة استحضر لدى العُمانيين البربرية التي طحنت رحاها كل حياة هانئة وسعيدة بتكالب أشباه الدول وبراثن الشعوب ليُهلَكوا الحرث والنَّسل في سبيل اغتيال الحياة الكريمة، وإن ما يحدث في غزة من إبادة دولية فاضحة ما هو إلا تعرٍّ لهُلامية حقوق الإنسان، وذرِّ الرَّماد في العيون لتحقيق أهداف استراتيجية سمجة تُغذِّيها دول عربية وإسلامية ستدفع ثمن ذلك يوما ما، وسيذكرها التاريخ بما أجرمت به تجاه الإبادة الإنسانية الفاضحة.

 لقد علمتنا غزة معنى الكفاح والنضال والتضحية أمام كل التحالفات الدولية وأشرس وأقذر أدوات القتل والتدمير والموت، لقد أخجلتنا بعقول مهندسيها في بناء امبراطورية التحرر تحت الرماد وعلى أنقاض ركام الموت والحصار والمخابرات البلهاء لتتجاوز ما قام به الفيتناميون في مرحلة التحرر من الاحتلال الأمريكي والذين كانوا يملكون بلدا كاملا طولا وعرضا يمكنهم فيه بناء الأنفاق على اختلاف تضاريسها وكثافة غاباتها، بينما لا تملك غزة سوى بضعة كيلومترات وهي محاصرة بأقوى الجيوش العالمية برًا وجوًا وبحرًا بأعداد كبيرة من المنافقين والخونة والمتآمرين لكنها مرَّغت أنوفهم في ترابها الطاهرة.

علمتنا غزة أن ما أُخذ بالقوَّة لا يُسترد إلا بالقوة، مع فارق الإمكانات والتحالفات، علمتنا معنى فلترة  أشباه الرجال وأصحاب الترندات الهزيلة من المثقفين والسياسيين والعلماء والمفتين والكتاب والمستقلين الذين أزعجونا لسنوات طويلة عن الكفاح والعروبة والجهاد والتحرر، وحينما جاءت إبادة الإنسان في غزة أخفوا رؤوسهم في الرمال وأصبحوا مهرِّجين.

رسالة أخيرة نوجهها لمن يتاجر بدماء الأبرياء الطاهرة ونحن في هذا الشهر الحرام بأن يتقوا الله في أنفسهم فإنَّ غدًا لناظره قريب، لا تأخذكم العزة بالإثم لمن يدعم قضية المظلومين المقهورين في جهادهم بما استطاعوا بالتشكيك في اليمن ولبنان وإيران والعراق وغيرهم، ولا تغالوا في حقدكم على قرار عُمان الحكيم الشكيم بأن تقف في الزاوية المُشرقة من التاريخ في نضال الشعب الفلسطيني نحو الحُرية والحياة، فقد سبقتكم بآلاف السنين وعانت من قبل، لتقف بعد حين شامخة ترتكز على إرث نضالي وملحمي بطولي. لذا فإنَّ حناجر عُمان كلها تعلنها جهارًا نهارًا أن غزَّة مِنَّا ونحنُ مِنْهَا.

  • كاتب وباحث في شؤون المجتمع والتربية