تحت ركام المحرقة

 

سارة بنت علي البريكية

Sara_albreiki@hotmail.com

 

 

كانت الأصواتُ عالية والدخان كثيفاً وصوت سيارات الإسعاف يتزاحم إلى أذني وأيضًا هناك صوت آخر شبيه بصوت سيارة الإسعاف هو صوت سيارة الدفاع المدني وبما أن الوضع مختلف، كان هناك دخان كثيف ومحرقة سريعة الاشتعال وخيام محروقة وأصوات أطفال ونساء وشباب وشيوخ ورجال في حالة هلع من هول المنظر لم تكن هناك سيارات إسعاف ولا دفاع مدني ولا شرطة، ولم يكن هناك إلا نحن، نحترق.

لم يستطيعوا الاقتراب؛ فالنار شديدة الحرارة ووهجها كبير دبت في أجسادنا ودمرتنا تدميرا أحسست بالنيران التي تقترب من جسدي وصوت من خارج الخيمة يُنادي (أبي)، لكن الوصول كان صعبًا، فبقي من داخل في الداخل، ومن في الخارج خارجًا، فأصبحنا بلا حول ولا قوة ووجب علينا الرضا والقبول والتسليم لأمر الله وحده سبحانه وتعالى.

كم من غصة تتلوها غصة ونحن نحترق وتكون نهايتنا محروقين بطريقة بشعة للغاية نحن لسنا قمامة ولسنا أداة لممارسة الشعوذة والسحر وفعل المنكرات فإحراقنا بهذه الوحشية هو منكر والله لن يسامحهم بتاتًا.

أيها النَّاس كنت أريد أن أوصل رسالتي بطريقة أو أخرى ولكن النيران بدأت في الاشتعال في جسدي ولكنني لم أحس بشيء، فأنا لم احترق لكن جسدي العالق في الدنيا هو الذي احترق وتهشم وغابت ملامحه. أما عن طفلي الصغير، فقطعت رأسه في المحرقة ولم أعد أدري ما أكلمكم به أهو واقع أو كابوس مخيف، لا أريد أن أحلم به مرة أخرى لأنه يشعرني بالامتعاض الشديد من كل شيء.

إنها ويلات الحرب وإننا الوحيدون الذين يقاسون مرارة تلك الحرب أما الكبار هم فقط يطلقون الأوامر غير مكترثين لحالنا؛ فنحن بالنهاية بشر مثلهم ولنا أحلامنا وأولادنا وطموحاتنا بعيش حياة كريمة مثلهم لا أن نكون كبش فداء لمؤامراتهم ومعتقداتهم ليس بهذه الطريقة سيأتي النصر وليس هو الطريق الصحيح للنصر فمن تعادي أنت؟!

هؤلاء قوم حذّر الله منهم في القرآن بأنهم طغوا في الأرض ودمروها تدميرًا..

أيها النَّاس نحن لسنا علبة مشروب صودا استحدثتموها لنواصل شرب مشروباتكم الغازية بعد الغداء، ولسنا جبنة تضعونها على مأكولاتكم الغالية، ولسنا كبش فداء لكي تتلذذوا بأكله في أيام العيد القادمة.

استيقظوا من غفلتكم، وأعيدوا ترتيب الصور والأحداث والأيام والتواريخ، وقلِّبُوا ذاكرتكم العربية، وعودوا إلى الله ولا تنشغلوا بتفصيل الملابس وشراء الذبائح أو حتى الذهاب لموسم الحج؛ وكأنه أمر اعتيادي، فما يحدث بنا ونحن نحترق حتى الموت في 2024، أمر لا يتفق عليه العاقل ولا المجنون.. فماذا أنتم؟!

لم تكن صرخات النساء والأطفال والعزل مُجدية فقد أحاطت النيران كل جوانب المخيم المنكوب ولم يغفُ لهم جفن إلا بقتلنا بتلك الوحشية والهمجية والتلذذ في أجسادنا المحطمة وألم وعذاب قلوبنا التي اعتصرت ولم يشعر بها أحد.

أما عن هذه فهي فتنة! وأما عن الحرب فهي خدعة وأما عن المحررين فهم قاتلون وأما عن حماس فيجب عليها أن تراجع معتقداتها جيدًا، فنحن بشر مثلهم أيضًا نحن لسنا قطيع من الغنم تعرّض للسرقة أو الذبح نحن ناس نعبد الله ورسوله أوجدتنا الظروف في تلك المنطقة الصعبة ولو خيرونا لتحركنا وأخذنا أهالينا وأطفالنا آباءنا وأمهاتنا وعشنا بسلام.. قفوا وقفة إنسان واحد وجيش واحد، فنحن عرب، ولم نعد نحتمل كل ذلك الفقد؛ فالفقد مؤلم وعظيم وبشع، لدرجة أنك لن تلتقي بمن تحب، ولن تراه بعد مقتله ولن يراك أبدًا؛ فالموت بات يسلب منّا أعز ما نملك وما فائدة مخاطبة الميت؛ فالميت ذهب للقاء ربه، لكنَّ هناك أحياء كثر على هيئة أموات لم يعد يهمهم إلّا ذواتهم فقط.

أمنية.. أتمنى أن يأتي العيد وقد وجدوا ركام جسدي تحت المحرقة!