مجلس الشورى.. والقيمة الحقيقية

 

د. محمد بن خلفان العاصمي

لا شك أنَّ للأوطان في كل أنحاء العالم منجزات تفخر بها وتعتز بتحقيقها، ونحن هنا في سلطنة عُمان بلا أدنى تردد لدينا الكثير مما نفخر به من صروح شامخة ومنابر تشهد على نهضتنا المباركة، والمسيرة المظفرة التي انطلقت في عام 1970 وما زالت مستمرة مُتجددة حيَّة تشهد العديد والعديد من الإنجازات التي ترسم ملامحها في كل فترة زمنية من أعوامها التي قاربت على بلوغ عقدها السادس.

لقد اقتضت الرؤية الثاقبة للسلطان الراحل قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- أن تكون تجربة الشورى العُمانية مُتفردة، وأرادها جلالته رحمه الله نموذجًا خاصًا لسلطنة عُمان التي تأصل شعبها على هذا النهج منذ القدم في جلسات البرزة ومجالس الحكام وأعمال القضاء وفي السبلة وفي كل مكان يتجمع فيه النَّاس ليتشاوروا فيما بينهم ويتناقشوا (ويتفاكروا) لما فيه صالحهم العام.

ومنذ إنشاء مجلس الزراعة والصناعة في عام 1979، ثم المجلس الاستشاري للدولة الذي انتقلت له اختصاصات المجلس السابق، وصولًا إلى إنشاء مجلس الشورى المنتخب بشكل كامل، تدرّجت التجربة الشوروية العُمانية بصلاحياتها إلى أن توجت في العهد الميمون لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- بإصدار قانون مجلس عُمان، والذي حدد الاختصاصات بين السلطان وبين صلاحيات مجلس عُمان في التشريع والمتابعة.

إن الدور الذي يقوم به مجلس الشورى في مسيرة التنمية لهو دور مُهم وحيوي ولا ينبغي الاستهانة به، وعلى العكس من ذلك يجب المحافظة على وجود مثل هذه الممارسة الديموقراطية والسعي لتطويرها وتمكينها بحسب الحاجة والظروف؛ فالتاريخ يشهد أنَّ لهذا المجلس مواقف وطنية ودورًا محوريًا خلال سنوات النهضة المباركة، كما أن له مساهمة فاعلة في دعم مسيرة البناء والتنمية في البلاد، وعلينا أن ننظر بتفاؤل لما هو قادم من تمكين أكبر لهذا المجلس مع ضرورة النظر إلى ما هو موجود الآن ومناسبته للواقع الحالي.

إن وجود ممارسة نيابية أمر مُهم ومكسب لأي شعب؛ لأن هذه الممارسة تعني مشاركة الشعب في إدارة الدولة وامتلاك المواطن الحق في تقديم رأيه في كل القضايا التي تخص الوطن والمشاركة في صياغة حاضر ومستقبل وطنه، وهذا الحق لا يجب التنازل عنه، ولا ينبغي التقليل من أهميته؛ بل يجب أن يكون منطلقاً لممارسة صحيحة لهذا الدور الوطني بعيدًا عن التجاذبات والنزاعات السياسية والطائفية والمصالح الخاصة، وأن يكون وفق المنهجية التي وضعها القانون والإطار الذي حدده بما لا تتجاوز فيه السلطات جميعها صلاحياتها التي حددت وبما يتوافق مع الرؤية المتكاملة للدولة العصرية التي تقوم على احترام القانون.

لقد قام مجلس الشورى بدور مُهم خلال المراحل السابقة من تاريخ سلطنة عُمان الحديث ومازال مستمرًا في تقديم دوره الرائد فيما أنيط له من اختصاصات وما منح من صلاحيات، ولا شك أنَّ هذه الصلاحيات سوف تتوسع في المستقبل مثلما حدث لهذه التجربة منذ بدايتها، وحتى نسرع من وتيرة الصلاحيات الممنوحة لنصل إلى درجة التمكين الكامل علينا كمجتمع أن نقوم بعمل متكامل يتناغم مع فكر القائد، وأن نقوم بدورنا على أكمل وجه وأن نكون بمقدار الثقة التي وضعت فينا وتقديم الكفاءات الوطنية لعضوية المجلس وتغليب مصلحة الوطن على جميع المصالح، لأن ذلك هو طريقنا للحصول على مجلس ممكن.

إنَّ النماذج العالمية من المجالس والبرلمانات؛ سواء القريبة منَّا أو البعيدة، هي تجارب يمكن الاستفادة منها ودراستها بشكل دقيق لاستخلاص المفيد منها وتطبيقه ومعرفة سلبياتها وتجنبها. وقد شهد التاريخ الكثير من التجارب التي أسيء فيها استخدام هذه المجالس إلى درجة أوصلت البلاد إلى مستوى متدنٍ من التقدم والتطور؛ بل في كثير من الأحيان وصل الحال إلى أن كانت سببًا في فقدان حقوق المواطنين وفساد نظام الدولة وتدهور التنمية وتوقفها، وكل ذلك نتاج ممارسات خاطئة في ظل وجود تحزبات سياسية وطائفية وعرقية تسعى لمصالحها دون النظر للمصلحة العامة.

إن امتلاكنا هذه التجربة المتفردة هو بحد ذاته نجاح يجب البناء عليه ودعمه وتطويره، ولا يُمكن بأي حال من الأحوال أن نستمع لبعض الدعوات التي لا تُدرك معنى وجود حياة نيابية وتطالب بإلغاء المجلس وتقلل من أهمية وجوده، وعلينا أن نقف بوعي كامل ضد ذلك حفاظًا على حقوق الشعب في رسم حاضره ومستقبله ومشاركته في بناء وتنمية وطنه، وهذه المساهمة لن تكون إلا عندما نصل لوعي حقيقي بأهمية هذا المجلس الذي ولد ليستمر ويكبر.

تعليق عبر الفيس بوك