ناجي جمعة سالم البلوشي
في يوم 11/11/2020، نشرت جريدة الرؤية "الغراء" مقالًا لي بعنوان: "كيف يفكر خبراء المال؟"، المقال كان به نقد بناء موجَّه إلى متخذي القرار للتمهُّل في تطبيق الضريبة، وقد وضعتُ هذه الفترة الزمنية كفَيْصَل وأساس لذلك النقد، ففي هذه الفترة كانت الدولة لم تستفِق بعد من الصَّدمات الاقتصادية والمالية، وكان أي قرار يمس الأفراد ربما يتسبب في هروب الأموال خارج السلطنة، مما خلق مشكلة أعظم من تطبيق القرار ذاته، خاصة وأنَّ العام ذاته كان فيه الانتقال السلس للسلطة يوم تولي مولانا حضرة صاحب الجلالة مقاليد الحكم في البلاد؛ حيث كان الدين العام في بداية تولي جلالته مقاليد الحكم يزيد على 20 مليار ريال عماني، وفي الوقت ذاته كان سعر النفط قد امتزج بسعر الماء، ولم يكن بعد هناك أي آفاق للحصول على لقاح لفيروس كورونا؛ مما أدى لعدم وجود مُمكِّن حقيقي لأي رؤية واضحة، أو أي خطة قامت أو ستقوم بها السلطنة لخفض الدين العام أو الخروج من تبعات هذه الجائحة، أو حتى البقاء على الحال قبل الانهيار الاقتصادي، فكل مؤشرات البقاء على الحال مستحيلة، إن لم تكن معدومة، فمؤشرات التصنيف الائتماني لا تضع لسلطنتنا الحبيبة أيَّ فرصة حتى للاقتراض لأجل دفع ما عليها من ديون، فنحن نتحدث عن عجز مالي ضخم، وعن موارد مالية شحيحة، وعن مشاكل لا يفصل بينها وبين المشاكل اللاحقة عليها سوى الوقت فقط.
أمَّا اليوم، وبعد مضي أربع سنوات تقريبا عمَّا كتبناه في ذاك المقال، فإننا نؤيد فرض تطبيق ضريبة الدخل على الأفراد، بل ونراها ضرورة من وجهة نظرنا؛ للاستفادة من تطبيقها في جوانب عدة؛ حيث إنها في حقيقتها ضريبة تمكِّن الدولة من معرفة أفراد مجتمعها من خلال دخولهم، ومعرفة ما يمكن لها وضعه للإنسان العماني وضمان العيش الكريم له ولأسرته الكريمة، وهذه من مستهدفات رؤية عُمان 2040، وليست على العكس من ذلك في جباية الأموال من أجل الأموال فقط، ولأنها ستمس الكثير من أفراد المجتمع فهي أيضا ستعفي الكثير من أفراد المجتمع من دفعها، وستكون ركيزة أحد مبادئ المساواة المجتمعية بين أفراد المجتمع، وهي في ذاتها أداة رقابية أكثر من كونها ضريبة دخل على الأفراد، خاصة وأننا سننتقل إلى الانفتاح الاقتصادي، والتي سيتوافد فيه المستثمرون إلى بلادنا لنعرف ماهيتهم وشؤونهم المالية، فتلك الضريبة التي دخلت إلى أروقة مجلس عمان ليكون لها الشأن التشريعي، ولإبداء الرأي من ممثلي الشعب، لا تمس الفقراء أو ذوات الدخل المحدود أو العمال البسطاء، بل هي أداة ستجلب لهم زيادة في دخولهم في المستقبل بزيادة منافعهم الاجتماعية، كما أنها ستكون ذات استفادة للسلطنة، ولك بعض هذه الاستفادات إذا ما قامت الجهات المختصة -كل حسب اختصاصها- بالاستفادة منها استفادة مباشرة:
- البنك المركزي العماني: يركز البنك المركزي العماني على المعاملات التي تخصُّ الشركات العاملة في سلطنة عمان، ويمكنه معرفة مدى التزامها في تحويلها الأموال للخارج، أو استيرادها للأموال من الخارج، وهذا ما يُساعد جهاز الضرائب على معرفة القيمة الحقيقية لضريبة الدخل على الشركات، لكنه يكون غير قادر على تطبيق هذه المراقبة على الأفراد الذين يقومون بالاستفادة من عدم وجود مثل هذا القانون للتهرُّب من الضرائب، وتحويل أغلب المعاملات إلى حساباتهم الشخصية .
- الرقابة على الأفراد والشركات غير الموجودة على أراضي السلطنة لكنها تُقدِّم خدمات للشركات والأفراد من خارج الجغرافيا العمانية، دون أن تقدم أي شيء يُذكر لخزانة الدولة من ضرائب أو تشغيل للعمالة العمانية، أو حتى الاستفادة من أتاوات التراخيص والتصاريح...وغيرها؛ فهي تُنافس الشركات العمانية الموجودة على أرض السلطنة؛ وبالتالي فإنَّ تطبيق ضريبة الدخل على الأفراد سيُساعد في استقطاع هذه الضريبة ممن يدفع تلك الأموال إلى هذه الجهات والأفراد.
- وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار: تسعى الوزارة لمكافحة التجارة المستترة بكل الوسائل المُمكنة، ونرى أنَّ فرض ضريبة الدخل على الأفراد سيضع حدًّا لمثل هذه الظاهرة التي تنخر في الاقتصاد العماني؛ حيث ستكون هناك معرفة دقيقة بالدخول الفردية للمقيمن، والتي تتجاوز الآلاف في أحيايين كثيرة، خاصة أولئك المتهرِّبين من وضع مكائن الدفع المباشر المسجَّلة بأسماء الشركات الخاصة بهم، وحصولهم على أموال المبيعات عن طريق أرقام هواتفهم الشخصية.
- وزارة العمل: يُمكن لها مراقبة ومعرفة كل المشبوهين بالتجارة المستترة وغيرها من الشبهات التي تتناقض وعقد العمل المبرم بين صاحب العمل والعامل.
- معرفة الباحثين عن عمل من مُتقنعي هذا المسمى، ولهم دخول مالية مرتفعة من أعمالهم الخاصة أو مشاريعهم غير المُقيَّدة في السجلات.
- الجهات الأمنية والرقابية المالية: بتطبيق قانون ضريبة الدخل على الأفراد يُمكن لها أن تتحصل على معلومات كافية للمساعدة في تطبيق القوانين الخاصة والمختصة بها؛ كقانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب...وغيرها .
- وزارة التنمية الاجتماعية: يُمكِّنها هذا القانون من معرفة أحوال المواطن لتتناسب تلك المعرفة مع إصدار ما يتناسب من لوائح وقوانين تُساعد المواطنين من ذوي الدخل المحدود والضمان الاجتماعي على الرقي بمستوياتهم مما هم عليه إلى حال يمكِّنهم من العيش الكريم.
- وزارة المالية: سيُساعد هذا القانون الوزارة على النظر في شأن رواتب الموظفين وترقيتها بين حين وآخر لتتمكَّن الوزارة من ذلك الرفع، بما يُمكن لجهاز الضرائب معه فرض النسبة الأنسب في كل مرحلة.
ولأننا لا نغفل عن المواطنين في تخوفهم من تطبيق هذه الضريبة على دخولهم، وأنها ستؤثر على حياتهم الخاصة ومعيشتهم الكريمة، فإننا نلتمس من حكومتنا الرشيدة الأخذ في الاعتبار بما يعانيه المواطن العماني من قروض والتزامات مالية غير مسجلة لدى جهات الاختصاص؛ كالمدارس الخاصة والدروس الخصوصية وصالات الرياضة...وغيرها؛ لذا نرى تطبيق الضريبة على من يتجاوز دخولهم 5000 ريال عماني، باعتباره الأنسب في المرحلة الاولى بنسبة لا تزيد على 2% فقط، وفيما يخص الوافدين العاملين في السلطنة فتحديدها بالفارق بين عقد العمل والدخل الحقيقي بـ20% هو الأنسب، ولأننا لا نملك القرار لكننا نملك المشاركة فيه، فقد شاركنا برأينا، عسى أن يكون منظورًا إليه بعين المسؤولية، فنحن ما زلنا في معمعة السوق التي لا نكاد نستفيق منها، لنكتب عنوانًا لمقال واحد.