مظاهر وأدلة نية الإبادة لدى إسرائيل

 

 

د. عبدالله الأشعل *

تُحاول إسرائيل خداعَ محكمة العدل الدولية بأنْ دَفَعت أمام المحكمة بأنَّها لم تقصد إبادة الشعب الفلسطينى، وأن شكل الأحداث شيء، والنية فى الإبادة غير مُتوفرة، لأنَّ جريمة الإبادة لها رُكنان: ركن مادى؛ وهو: فعل الإبادة، وركن معنوى؛ وهو: توافر نية الإبادة. ورغم أنَّ سلوك إسرائيل ظاهر الدلالة على نيتها فى الإبادة، وهو ما أثبتته الصور فى الإعلام وفى مصادر أخرى، والتى تقطع بنية الإبادة لدى إسرائيل.

وفى هذا المقال، سوف نرصُد أدلة وقرائن ومظاهر توافر نية الابادة، وهى ظاهرةٌ للعيان:

- الدليل الأول: طبيعة المشروع الصهيونى نفسه، والتي تقضي بتجميع اليهود فى فلسطين وإبادة أهلها، كما أنَّ الولايات المتحدة والغرب جميعًا يعلم ذلك، ولكنَّ الخداع كشفت عنه أحداث غزة. ومن نافلة القول أنَّ الغرب يرفع شعارات حقوق الإنسان والقانون الدولى الإنسانى وغيرها، ولكن فيما يتعلق بالمشروع الصهيونى يُسهم مساهمةً فاعلةً مع إسرائيل فى إبادة الشعب الفلسطينى.

- الدليل الثاني: استماتة إسرائيل والغرب عموما في التخلص من المقاومة، وهي درع الحماية للشعب الفلسطينى وجيشه، حتى يُمكن أن تنفِّذ إسرائيل برنامج الإبادة بهدوء ودون خشية التعرُّض للانتقام والمقاومة، ولكنَّ إسرائيل تتلاعب وتدلِّس على العالم حين تقول بأنَّ المقاومة هى سبب تعرُّض الشعب الفلسطينى للإبادة، وقد لجأت الولايات المتحدة فى الأسبوع الأول من مارس 2024 إلى حيلة جديدة من حيل الكذب والرياء دون خجل؛ وهى أنَّها لجأت لمجلس الأمن وقدَّمت إليه مشروع قرار يقضى بالوقف الفورى لإطلاق النار فى غزة، وقدمت تصريحات مشبوهة مفادها أنَّ إسرائيل تفاوضت على اتفاق الهدنة بحُسن نية، بينما "حماس" هى التى تُعَرْقِل التوصُّل لاتفاق، وردت "حماس" بأنَّها قدمت المرونة اللازمة للتوصل إلى اتفاق وليس لديها ما تقدمه.

- الدليل الثالث: استخدام واشنطن الفيتو ثلاث مرات خلال أسبوعين لمنع صدور قرار من مجلس الأمن بوقف إطلاق النار، ولما أمعَنَتْ إسرائيل في استخدام الجوع ومنع وصول المساعدات إلى الفلسطينيين على سبيل الإبادة، قدَّمت جنوب إفريقيا طلبًا عاجلًا من المحكمة لكى تتخذ اجراءات ضد إسرائيل التى تستخدم التجويع لإبادة الفلسطينيين.

- الدليل الرابع: سلوك الجنود الإسرائيليين تجاه الأحياء والأموات، خاصة قسوة هؤلاء الجنود فى نبش وتجريف المقابر وقتل المرضى على الأسرَّة فى المستشفيات وسرقة أعضائهم وسرقة جثث الشهداء والتنكيل بهم.

- الدليل الخامس: القسوة الفائقة للجنود مع الأطفال؛ فهناك ما يُثبت للمحكمة أنَّ الجنود الإسرائيليين قتلوا عن عَمْد أطفالَ فلسطين، ومنهم طفل أصابوه بالرصاص الحي، ثم تعقبه جندي لكي يقتله عن طريق الخنق، ولم يُمْهِل الطفل حتى ينطق الشهادتين، وكان هذا منظرًا مُتكرِّرا فى كل المدن الفلسطينية.

- الدليل السادس: تدمير خزانات المياه ومولدات الكهرباء، وكذلك أدوات تحلية المياه، وكل المرافق التي تلزم للحياة.

- الدليل السابع: تجريف الآبار، وتسميم مصادر المياه، والإضرار بقوارب الصيد، واستدراج النازحين إلى مراكز المساعدات، ثم الانقضاض عليهم بالطائرات الحربية.

- الدليل الثامن: تدمير المستشفيات، وهذا محظور فى القانون الدولى الإنسانى، وقتل الأطقم الطبية والإسعاف، وتدمير المساجد وتدنيسها، وترك الجرحى ينزفون حتى الموت.

- الدليل التاسع: تشديد الحصار على السكان، وضرب الأسواق، وتجريف الأراضى الزراعية، وكذلك تجريف المقابر الجماعية فى المستشفيات.

- الدليل العاشر: تجويع السكان، والقصف العشوائى المستمر، وتدمير المنازل والمربعات السكنية.

- الدليل الحادي عشر: تصريحات كبار مسؤولي دولة الاحتلال التى جاءت فى الإعلام الإسرائيلى والدولي.

- الدليل الثاني عشر: عدم امتثال إسرائيل لنداءات وكالات الأمم المتحدة، وكذلك الأمين العام للأمم المتحدة، والتى تحث إسرائيل على سرعة إدخال المساعدات إلى المحتاجين فى غزة.

- الدليل الثالث عشر: تدمير مدارس الأونروا، ومحاربة الأونروا حتى لا تستمر فى إغاثة الشعب الفلسطينى.

- الدليل الرابع عشر: مشاركة الغربِ إسرائيلَ فى حملة الإبادة.

- الدليل الخامس عشر: تدمير كل مُقوِّمات الحياة فى غزة حتى يُمكن أن يتعاون الحصار مع القصف فى إبادة أكبر عدد من الناس.

- الدليل السادس عشر: توجيه الناس عن طريق الجيش الإسرائيلى إلى الأماكن التى يُطلق عليها آمنة، ولكن يتم الغدر بهم وقتلهم.

- الدليل السابع عشر: مُمارسة سياسة الاغتيالات فى ساحات القتال وضد الأهداف المدنية.

- الدليل الثامن عشر: الاستقواء بالغرب لكى يستمرُّوا فى حملة الإبادة وتأمين إسرائيل من النقد فى العالم العربي والخارج.

- الدليل التاسع عشر: عدم الالتفات لتحذيرات وقرارات محكمة العدل الدولية، واشتراط إرسال التقرير إلى المحكمة، والتمسُّك بأن يظل سريًّا، وبالقطع فإن هذا التقرير كله أكاذيب قياسًا على سلوك إسرائيل السابق.

- الدليل العشرون: تربية الأجيال على كراهية العرب في المقرَّرات الدراسية.

وما دامتْ الولايات المتحدة والغرب شريكيْن لإسرائيل مباشرة فى حملة الإبادة، فلا تجرؤ دولة عربية أو إسلامية على اتهام الدول الغربية والولايات المتحدة رسميًّا بأنها أطراف فى الحملة، وتقديمهما متهمين إلى المحاكمة، خاصة ألمانيا التى فصَّلنا موقفها فى مقالات متعددة، كما لم تجرؤ دولة عربية أو إسلامية على الانضمام لجنوب إفريقيا فى القضية، وكذلك لم تجرُؤ دولة عربية أو إسلامية علي اتخاذ أى أجراء ضد ألمانيا أو غيرها من الدول الأوروبية المتهمة بدعم أعمال الإبادة الإسرائيلية، وإنْ كانت بعض الدول العربية والإفريقية الأعضاء بالمحكمة الجنائية الدولية -وعددها خمسة- قد قدمت دعوى إلى هذه المحكمة حتى تُحاكم إسرائيل لأول مرة أمام المحكمتين: محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية.

هذه بعض أهم الأدلة على توافر نية الإبادة؛ فإسرائيل تريد إبادة الفلسطينيين وإذلالهم وليس هزيمتهم؛ إذ إنَّ إسرائيل تقتل ولا تُقاتل؛ فالقاتل مُجرم في جميع النظم القانونية، وأما المُقاتِل فله حماية قانونية في القانون الدولي.

 

* أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا

تعليق عبر الفيس بوك