صبرًا أهل غزة

 

 

محمد الصواعي

كثيرة هي الأحداث التي تكشف فيها معادن الرجال وتبرز حقائق المرء وتكشف الوجوه وتظهر الأقنعة أمام الملأ.

إنَّ المحن والشدائد داؤها عضال وألمها مرير يتقلب المرء الليالي والأيام فلا يستطيع النوم ويُصبح القلب حمال أثقال من الهموم والغموم فخلف كل محنة منحة ووراء كل هم فرج وبعد كل يسر عسر وهذا الإمام الشافعي يذكر الشدائد والمحن أنها المعيار لمعرفة العدو من الصديق حيث يقول:

جزى الله الشدائد كل خير

وإن كانت تغصصني بريقي

وما شكري لها حمدا ولكن

عرفت بها عدوي من صديقي

هنا بالود أن أنقل لكم تجربة قائد جثم في صدره رياح الهموم وأعاصير المحن وعواصف من التهم والأكاذيب والطعن في شخصيته وأفظع شيء في الحياة أن تأتيك سهام الغدر وسيوف الخيانة ممن هم في ملتك وعلى دينك لأنَّ العدو ظاهر شره معلوم كيده وعدوانه وقد صدق قول شاعر العلماء أبي مسلم البهلاني:

وما صدعة الإسلام من سيف خصمه

بأعظم مما بين أهليه واقع

فكم سيف باغ حز أوداج دينه

بأفظع مما سيف ذي الشرك باخع

حديثي هنا عن قائد حركة حماس الدكتور إسماعيل هنية

عرف عنه الهدوء الاستراتيجي وسعة البال وفتح العلاقات مع كافة الفصائل الفلسطينية المختلفة فهو لديه ذكاء وفطنة لا يفسح المجال للعدو لاستغلال أدنى خلاف مع أي طرف مسلم.

كل هذه الصفات صقلت شخصية إسماعيل هنية القيادية وروح الصبر والنفس الطويل فإذا ما استعرضنا بعضاً من محطات حياته النضالية نستخلص حجم الصبر والتضحيات وجحيم المعاناة التي واجهها فقد اعتقل وحبس من قبل الاحتلال الصهيوني سنة 1989م وأطلق صراحه سنة 1992 وتم نفيه هو ومجموعة من الشباب إلى الجنوب اللبناني.

واصل إسماعيل هنية نشاطه السياسي ونضاله الجهادي في مشروع المقاومة ضد المشروع الصهيوني فقد عاصر الكثير من الأحداث الجسام من استشهاد القائد الروحي الشيخ أحمد ياسين سنة 2004 مرورا بفوز حماس بالانتخابات الرئاسية في فلسطين سنة 2006 وما صاحبها من أحداث الفتنة والشقاق بين حركة حماس وحركة فتح وممارسة الغرب كافة الضغوطات لمنع قبضة حماس للسلطة التي فازت بها وفق انتخابات شرعية

فقد أصبح إسماعيل هنية قريباً من السلطة السياسية في حماس ليتدرج بعدها لمنصب رئاسة حركة حماس سنة 2017 وتتجدد الثقة به سنة 2021

كما تناقل بعض ضعاف النفوس أنَّ أبناء وعائلة الدكتور إسماعيل هنية يسرحون ويمرحون في فنادق قطر وتركيا وبنى من على ظهر القضية الفلسطينية ثروة هائلة تقدر مئات الملايين وأن أبناءه يمنحون المنحة الدراسية للدراسة في الغرب بينما أهل غزة يتضورون جوعًا ويقبعون تحت نيران الرصاص والقتل فليت شعري لو رموا وكالوا تصانيف اللوم والعتاب على الإجرام الصهيوني لزاد القوم نخوة ومروءة بل على العكس هناك مابين همز ولمز أن المقاومة الفلسطينية بقيادة هنية والسنوار وغيرهم يتحملون هذا الجرم بسبب عملياتهم العسكرية ضد العدو الصهيوني لأنها غير مدروسة وليست محسوبة وعواقبها وخيمة على أهل غزة والبنى التحتية.

فاتهموا إسماعيل هنية زورا وبهتاناً أنه صاحب مال وفير وأنه نال الثروات الهائلة بسبب القضية الفلسطينية فالقوم ينالون آناء الليل وأطراف النهار من سمعة وشخصية إسماعيل هنية فهو عندما يناضل ويمارس حقه السياسي المشروع للدفاع عن القضية الفلسطينية يتهم بأنه متاجر "بزنز" بالقضية الفلسطينية فتذكر صحيفة (تايمز) أن ثروة رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" تقدر بنحو أربع مليارات دولار، إن كان الرجل لديه كل هذه الثروة لماذا لا تصادر هذه الثروات من قبل الغرب وأجنداته فكيف لشخص يملك كل هذه الثروات وتصنف أمريكا الحركة التي ينتمي لها إسماعيل هنية (حماس) منظمة إرهابية أجنبية سنة 1997م تبعها تصنيفها كمنطمة إرهابية عالمية سنة 2001  وفق ما نقلت السفارة الأمريكية في إسرائيل هنا لنا أن نتساءل كيف لرجل سياسي صاحب منصب بحركة إرهابية أن يمتلك ثروة قيمتها 4 مليارات؟ فهذا محض من الخيال والأكاذيب التي تطلقها أبواق الصهيونية في العالم.

وتتواصل المكينات الإعلامية الغربية في تشويه صورة القائد السياسي إسماعيل هنية حيث أصدرت صحيفة واشنطن بوست خلال معارك وأحداث طوفان الأقصى في 2 نوفمبر 2023 تقريرا يتحدث إن أسماعيل هنية يشرف على شبكة مالية واسعة... بينما يعيش على بعد مئات الأميال من الفوضى والعنف في غزة".

كما تذكر الصحيفة ذاتها اتهامات من قبل مسؤولون في وزارة الخزانة الأمريكية أن كبار قادة حماس من بينهم هنية يعيشون في رفاهية ويضيف مارك والاس الرئيس التنفيذي لمنظمة"متحدون ضد إيران النووية" وهو مسؤول سابق في إدارة جورج بوش" من الخطأ أن يعيش في قطر برفاهية... يجب على الدوحة تسليمه" إشارة إلى إسماعيل هنية أضف إلى ذلك يذكر أدييمو نائب وزير الخزانة الأمريكية " تركز وزارة الخزانة اليوم بشكل مكثف على تفكيك الشبكات المالية لحماس ".

يطول المقام في سرد الروايات الأمريكية بخصوص أموال حماس والعيش برفاهية ولا عجب في إعلام وأجندات العدو في الكذب والتلفيق واختلاق الأحداث ومزج الصدق بالكذب بل العجب العجاب هو مواقع التواصل في العالم العربي والوسائل الإعلامية المختلفة من الوطن العربي تلقفت الروايات الأمريكية والصهيونية وقاموا باتهام حماس واسماعيل هنية أنهم يتاجروا بالقضية الفلسطينية وأغدقت لهم المليارات ويعيشون برفاهية ويفرضون الضرائب الباهضة على أهل غزة وتقدر مداخيل حماس من تلك الضرائب 400 مليون كما صرحت بذلك واشنطن بوست وأمام السيل الجارف من هذه الاتهامات والأكاذيب يقف إسماعيل هنية بكل صبر وثبات صمود المناضلين وثبات أهل الإيمان في إيصال صوت الحق وقضية فلسطين أمام مرآى العالم لم ينجرف خلف أي احتقان طائفي ومذهبي بين المسلمين ولم يلتفت لأي فتنة بين المسلمين ولم يشغل باله بالرد على اي اتهام اتهم به كما سردنا جزء منه سواء في الإعلام الغربي أم القنوات العربية ومواقع التواصل ومن ذلك عندما اتصل به الإعلامي المصري عمرو أديب: ونقل له انتقاد الناس لحركة حماس انها لم توفر بنية تحتية لأهل غزة منذ 2014 كما أنها لم تنشئ لهم أنفاق قكاد رد القيادي على الاتهامات بكل هدوء ورزانه أنها تم إنشاء مدارس ومستشفيات وبيوت سكنية لأهل غزة وتحملت القيادة في حماس كامل مسؤولية ولها جهود حثيثة وفق الإمكانيات كما أن انشاء الانفاق نجد به صعوبة بسبب مساحة غزة الصغيرة التي تبلغ 356 كيلوا متر مربع وفي منطقة ساحلية على شاطئ البحر المتوسط وليس منطقة ذات جبال وكهوف حتى تساعد على انشاء أنفاق لأهل غزة وهنا ننتقل للرواية الصهيونية التي نقلتها قناة العربية حول استشهاد ثلاثة أبناء لرئيس حركة حماس إسماعيل هنية وهم أمير ومحمد وحازم حيث نشرت قناة العربية ما نقلناه سلفا من واشنطن بوست وذي تايمز روايات حول غضب عارم من سكان غزة على إسماعيل هنية وعائلته حيث انهم بنوا لأنفسهم ثروة ضخمة في تركيا حيث نقلت قناة العربية أن الخبر من موقع إسرائيلي اسمه (نيوز ون).

ونفس القناة أذاعت خبر استشهاد أبناء إسماعيل هنية محمد وأمير وحازم نفس اليوم نشرت قناة العربية تغريدة عن الجيش الإسرائيلي أن أبناء إسماعيل هنية تم قتلهم قبل  قيامهم هجوم أرهابي وسط غزة وهذا الكلام يكذبه الواقع إذ إن استشهاد أبناء القائد في لحظة ذهابهم إلى تأدية سلام العيد لأحد البيوت والأحياء وسط قطاع غزة وهو بلا شك استهداف جبان لجيش العدو خصوصا أنهم مدنيون ويمارسون حياتهم اليومية هنا تجلت القوة الإيمانية ورباطة الجأش وصبر الرجال عندما تم إبلاغ إسماعيل هنية استشهاد أبناءه الثلاثة وتم قتلهم من قبل العدو الصهيوني كان حينها في قطر يتفقد الجرحى من أهل غزة عندما سمع النبأ لم يجزع ولم يهرول وينهي زيارته الميدانية للجرحى بل حمدالله عزوجل بيقين المخلصين وخشوع المتيقنين المؤمنين بقضاء الله وقدره وأشار بيديه مواصلة عمله في إكمال زيارته للجرحى والاطمئنان عليهم هكذا شيم القادة العظام يكونوا قدوات للآخرين وهنا تبرز ثقافة الصبر والتماسك عند الابتلاءات والمحن وقد صرح بعدها أن أبناءه حالهم كحال الشعب الفلسطيني الذين قدموا أرواحهم من أجل قضيتهم كما أنه حمد الله وشكره أن شرفه باختيار أبناءه شهداء على طريق الحق ونصرة فلسطين وذكر أن هناك ما يقارب 60 فردا من عائلته سواء أبناءه أم أحفاده أم أخوان زوجته وأخواتهم وعندما سأله المذيع ممن يتهمكم ويدعي أن أبناءكم ممن يعيشون في الفنادق خارج قطاع غزة أجاب بثقة المؤمن المطمئن أنه ليس بصدد الرد على هذه الترهات فأي قلب تملكه يا إسماعيل هنية وأنت تسمع هذه الاتهامات ليل ونهار ويقتل أبناءك وأحفادك ويكون ردك كالصخرة الصماء في وجه الصعاب وكالموج الهدير أمام العواصف الهواء وكالجبال الراسيات في مواجهة النوازل القصماء وزوجة إسماعيل هنية التي اقتربت من أبناءها وقالت بعزيمة وأصرار وقوة إيمان عميقة ل حازم (عيديتك في الجنة يا حبيبي) هكذا هم ال هنية كرسوا أنفسهم من أجل نصرة حقهم المشروع وقضيتهم المشرفة وهو تحرير أرض فلسطين عائلة ال هنية تقدم لنا ملحمة من الصبر الاستراتيجي والتركيز نحو الهدف الأسمى دون الالتفات لكلام المثبطين واتهامات المرجفين.

إن عائلة هنية أحيت فينا جذوة الأمل وسراج الهدى وأن الأمة الإسلامية رغم الجراح والآلام إلا أن فيها نماذج مشرفة ذو مواقف بطولية فريدة فما أشبه اليوم بالبارحة وما أطيب أن نخلد سير المقاومين والمناضلين ضد المشروع الصهيوني وما صبر ال هنية إلا دلالة على النفس الإيماني العميق لعائلة ال هنية التي استلهمت ثقافة الصبر والابتلاء من سيرة ال ياسر التي نالت صنوف من التتعذيب والاضطهاد من قبل كفار قريش ل عمار وأبيه ياسر وأمه سمية بنت خياط وأخيه عبدالله تفنن بنو مخزوم في تعذيب آل ياسر من أجل ترك الإسلام واعتناق الكفر؛ حيث كان يمر بهم رسول الله فيبشرهم قائلا: "صبرا آل ياسر فإن موعدكم في الجنة" وبعدما استنفذ كفار قريش وبالتحديد قبيلة بنو مخزوم جميع أساليب التعذيب قرروا القتل والتخلص منهم، فقتل أبو جهل سمية وتم تعذيب ياسر والد عمار ورفض ترك الإسلام إلى أن مات من شدة العذاب ورموا شقيق ياسر عبدالله  بالسهم فمات وبقي ياسر يتلقى العذاب بين وضع الصخور على جسمه وسحبه في الشمس وهو عاريا فكانوا يجبرونه على سب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والكفر فلما خشي على نفسه الهلاك قال لكم ذلك أطلقوا ذلك فذهب يخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بما حدث فقال له كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئنا بالإيمان قال الرسول صلى الله عليه وسلم : إن عادوا فعد.

وقد نزل على آل ياسر وبالتحديد عمار الآية القرآنية الكريمة قال تعالى :" من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم".

قدم إسماعيل هنية درسًا مهمًا كيف تكون قائد تحمل هموم قضية على عاتقك وتحسن التصرف بها بما يخدم مصلحة الناس والأمة عامة لا من أجل المصالح الشخصية قائد صبور على نوائب الدهر وفقد أبناءه وأحفاده أثبت أنه الرجل المناسب في المكان المناسب قائد هكذا أفعاله من الصبر والحلم وحسن الخلق يبعث عدة رسائل إلى شعب غزة هو الإيمان بقضاء الله وقدره وأن الشعب في غزة والمقاومة يركبان في سفينة واحدة نحو شاطئ الفلاح وساحة الانتصار قبل الوصول للشاطئ والساحل يجب عبور بحار البطش وجبروت العدو الصهيوني مفندا الإشاعات والأكاذيب التي تروج حول أن الشعب حياته منفصلة تماما عن المقاومة الفلسطينية كما أنه يبرز قوة الإرادة عند أهل غزة من شعب ومقاومة وقادتهم وان قرارات حركة حماس وإسماعيل هنية متطابقة بل متوافقة مع اراء وتطلعات الشعب الفلسطيني فهو شخصية محبوبة عند عامة شعب غزة بل عامة الشعب الفلسطيني فمن خلال الاستفتاء الذي أجراه المركز الفلسطيني للدراسات السياسية الذي مقره في رام الله في الضفة الغربية حيث شمل الاستفتاء مختلف أفراد الشعب الفلسطيني من غزة والضفة الغربية ظهرت نتائج الاستطلاع الشعبي لصالح حركة حماس وإسماعيل هنية وهي على النحو الآتي:

- 71% من الشعب الفلسطيني يؤيدون قرار حركة حماس في عملية طوفان الأقصى 7 أكتوبر 2023.

- 70% من الشعب راضون عن عمل حركة حماس مقابل 22% عبروا عن رضاهم عن حركة فتح كما أن 61% من الشعب راضون عن يحيى السنوار في حين 14% فقط من عبر رضاهم عن سلطة محمود عباس.

أما فيما يتعلق بقيادة إسماعيل هنية فقد عبر 70% من الشعب الفلسطيني عن اختيارهم إسماعيل هنية في حال أجرت انتخابات رئاسية في حين 22% من الشعب الفلسطيني سيصوتوا لصالح محمود عباس.

وهنا نتوصل إلى نتيجة مفادها إن قرارات حركة حماس بشقيها السياسي والعسكري مع أغلب تطلعات الشعب الفلسطيني مع العلم أن نتائج الاستطلاع جاءت قبل استشهاد أبناء القائد إسماعيل هنية حتى لا يفهم أن النتائج جاءت بسبب التعاطف الشعبي مع إسماعيل هنية حينما استشهد أبناءه الثلاثة.

هنيئًا لعائلة إسماعيل هنية على الشرف الذي نالوه فهم أحياء عند ربهم يرزقون فروح وريحان وجنت نعيم.

تعليق عبر الفيس بوك