من المسؤول عن خسائر منخفض المطير؟

 

حمد الحضرمي **

 

الأمطار الغزيزة وجريان الأودية الجارفة من جراء منخفض المطير الذي تعرضت له بلادنا الحبيبة عُمان، كان من المتوقع حدوثه وبالإمكان السيطرة عليه واحتوائه دون أن يسبب خسائر في الأرواح والممتلكات بالصورة التي وقعت، ولكن للأسف الشديد قد خلّف هذا المنخفض خسائر في الأرواح والممتلكات، الأمر الذي يثبت بكل وضوح وصراحة بأن الجهات المسؤولة عن إدارة مثل هذه الحالات الطارئة والأزمات لم تقوم بمسؤولياتها الموكولة إليها بالصورة المطلوبة.

إن المسؤولية في إدارة الحالات الطارئة والأزمات لا تتحملها جهة معينة لأنها ليست مسؤولية فردية، وإنما هي مسؤولية جماعية متعددة الإبعاد وتتحملها جهات كثيرة في الدولة. وقد كشفت لنا الأحداث عدم وجود خطة متكاملة لإدارة الحالة الطارئة لهذا المنخفض، ولم يتم الاستعداد والتحضير لها جيدًا، مع عدم صدور القرارات المناسبة في وقتها، ولم تتمكن من التصرف بحكمة لمنع حدوث هذه الأزمة أو التقليل من آثارها، ولهذه الأسباب وغيرها كانت الخسائر في الأرواح والممتلكات كبيرة.

إن إدارة الحالات الطارئة والأزمات تحتاج إلى إيجاد أعلى درجة من التنسيق بين الجهات ذات العلاقة، بهدف توجيه القطاعات المسؤولة وتوحيد جهودها، لإنجاز الأعمال والمهام المكلفة لها بالصورة المرجوة، ولكن ما حدث يبين بكل وضوح بأن عناصر التنسيق بين الجهات المختصة كانت غير فعالة وقد أصابها خلل أثر على تحقيق الغايات المرجوة منها.

وخطة الإعداد لمواجهة مثل هذه الحالات الطارئة والأزمات تتم قبل وقوع الحالة المتوقع حدوثها، وتشمل تقييم النتائج المحتملة ووضع تدابير المنع أو التخفيف من الآثار ووضع نظام الإنذار ووضع خطة للعمليات تنفذ عند وقوع الحالة الطارئة لوضع تدابير الوقاية والإنقاذ والإسعاف والأفراد والوسائل والتنسيق مع الجهات المعنية المشتركة في مواجهة الحالة الطارئة أو الأزمة، ولكن ما حدث كشف أن الجهات المسؤولة عن إدارة مثل هذه الحالات الطارئة والأزمات لم تكن على أتم الاستعداد المُسبق وقبل حدوث الحالة الطارئة وإنما قامت بواجباتها ومسؤولياتها بعد حدوث الحالة ووقوع الخسائر في الأرواح والممتلكات.

إن أزمة منخفض المطير كشفت عن عدم اتخاذ الإجراءات الضرورية الاحترازية والوقائية الاستباقية لتجنب وقوع خسائر في الأرواح والممتلكات، وراح ضحيتها عشرة أطفال أبرياء بنيابة سمد الشأن، ووفاة بعض المواطنين، إلى جانب خسائر كبيرة في الممتلكات.

إدارة الحالات الطارئة والأزمات تحتاج إلى اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، وهذا من أصعب الأمور التى تواجه المسؤولين في الظروف العادية، فكيف سيكون الحال في أوقات الحالات الطارئة والأزمات. ومما لا شك فيه أن اتخاذ القرار سيكون في غاية الصعوبة لتجنُّب تحمل المسؤولية، وإدارة الحالات الطارئة والأزمات تحتاج لإدارة متمكنة ذات قدرات وإمكانيات ومهارات، تستطيع تحديد طرق الاستجابة السريعة للمخاطر وتحقيق الأمن والسلامة وتتمتع بحكمة التصرف في أوقات الحالات الطارئة، وتحقق الاستقرار دون وقوع خسائر أو تقليلها للحد الأدنى، لذلك يتوجب في الحالات الطارئة والأزمات وضع خطة وتحديد كل عناصر الخطة وما يتصل بها من تدابير واجراءات بالمشاركة الفعلية لكل المؤسسات والأجهزة المعنية بمختلف مستوياتها الوظيفية، لتحقيق الأمن والأمان والسلامة والاستقرار للوطن والمواطن والمقيم.

إن التشخيص الصحيح للمشكلة هو الطريق السليم لحلها، والتركيز على الأسباب الحقيقية للمشكلة إذا عزمنا على علاجها، والمشكلة الأساسية التي سببها منخفض المطير ونتج عن خسائر في الأرواح والممتلكات كانت أسبابها معروفة مسبقًا، ولكن للأسف لم يتم معالجتها، والمشكلة تكمن في عدم وجود السدود الكافية الآمنة، وعدم وجود الجسور والإنفاق لتأمين حركة الناس وجريان الأودية، وعدم التخطيط السليم لمواقع مخططات الأراضي بمختلف استخداماتها وخاصة الأراضي السكنية، وعدم الكفاءة المهنية لدى بعض المسؤولين الذين كشفت الحالات الطارئة والأزمات عدم كفاءتهم وعدم قدرتهم على تحمل القيادة والإدارة المثالية ويستدعي الأمر إعفائهم عن مسؤولياتهم.

ونرجو من الجهات المختصة القيام بواجباتها ومسؤوليات وأدواتها الممنوحة لها بموجب القانون، ومحاسبة ومساءلة كل مسؤول قصّر أو أهمل في القيام بمسؤولياته وواجباته.

** محامٍ ومستشار قانوني