عُمان في قصائدهم (7)

حسني نجار.. من ياسمين الشام إلى عُمان

 

ناصر أبوعون

قد تكون البساطة في معمار القصيدة، والمباشرة في المعالجة اللغوية، واستنطاق الصور الشعرية الفطرية غير المركبة، والمعقدة والبعيدة عن الترشيحات والصنعة التزيينية هي المدخل إلى القلوب، والمعبر إلى الأرواح، والمدح في غير تكلّف، والوصف في غير مبالغة. ومن هذا المنطلق استطاع الشاعر السوريّ حسني نجَّار الانتقال السلس بين مقاطع القصيدة، والإبحار في قارب المحبة إلى عُمان؛ أرض "الحضارة و الوئام والتعايش السلمي؛ تلك البقعة الهادئة وسط عالم من ضجيج وصراعات- فلمّا أن ألقى مراسيه على شطآنها استراح تحت راية سلامها البيضاء وشخص ببصره في سمائها الصافية من كدر الأحقاد واستكانت روحه في أفيائها وتنَّسم طائره المهاجر عبير الرضا في وُكناتها، واستروح العطر من أكمامه أشجارها.

وفي مطلع القصيدة يصطنع الشاعر حسني نجّار مقابلة معنوية بين مسقط رأسه بلاد (الشام)؛ أرض الياسمين العابقة بالأمل والحياة والثورة على القبح، تلك البهية التي تنثر الجمال نُشْرًا بين أحضان الكون، وسلطنة عُمان أرض الّلبان الذي تذرفه أشجارُ ظفارَ دموعَ فرحٍ هبةً وتمائمَ عشقٍ تَصَّاعد إلى سحب السماء؛ لتهطل بَرَدًا من بركاتٍ على السهول والوديان فتخضر الآكام.

في هذا المفتتح الشعريّ وضع الشاعر يده على المشترك الطبيعيّ بين الحضارتين (رائحة الياسمين الشاميّ، ورائحة البخور العُمانيّ) لينتقل من هذا التوافق والمنحة الإلهية بين (عُمان وبلاد الشام) إلى المؤتلف الحضاريّ؛ فعُمان والشام صنوان في المجد والتاريخ العريق الضارب بجذوره في التربة الإنسانية [(مِنْ ياسمينِ الشامِ جِئتُ مُهنّئًا// أرضَ اللّبانِ ومَوئِلَ الأمجادِ)].

ولأنّ"الناسُ معادِنٌ كمعادِنِ الذهبِ والفضةِ، خيارُهم في الجاهلِيَّةِ، خيارُهم في الإسلامِ إذا فَقُهوا، والأرواحُ جنودٌ مُجَنَّدَةٌ، فما تعارَفَ منها ائتلَفَ ، وما تناكَرَ منها اختلَفَ"[صحيح الجامع- رواه أبوهريرة (6797)] كما أخبرنا رسولنا الأعظم محمد – صلى الله عليه وسلّم –؛ فإن الشاعر حسني نجّار أخذنا معه في انتقالة سلسة إلى المقطع الثاني من القصيدة - وهو الأطول نسبيًا – مرتكزًا على تقنية الوصف الماديّ والنفسيّ لأهل عُمان مدعومًا بالإشارة التوكيدية إلى الدليل الشرعيّ(حديث الرسول-صلى الله عليه وسلم- عن أهل عُمان) الذي بعَث فيه "رجُلًا إلى حيٍّ مِن أحياءِ العرَبِ في شيءٍ لا أدري ما قال فسَبُّوه وضرَبوه فرجَع إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فشكا إليه فقال: لكِنْ أهلُ عُمان لو أتاهم رسولي ما سَبُّوه ولا ضرَبوه"(رواه: أبو برزة الأسلمي نضلة بن عبيد– صحيح ابن حبّان-  7310) فضلا عن استناد الشاعر "نجّار" إلى شهادات شعوب الأرض قاطبةً التي عددت خِصال الشعب العُمانيّ؛ وهي رزنامة من السمات لا تُخبرُ إلا بالمُخالطة والصُحبة والمعاملة وقد أورد منها في قصيدته:(المؤاخاة، والحكمة والرشد، والسماحة والفضائل، والجود، والنُصرة)[(لي فيكَ يا وطنَ المحبَّة إخوةً // شغفوا القلوبَ بحكمةٍ ورَشَادِ)، (قومٌ تَحَلَّوا بالفضائلِ كلِّها // وسَماحةٍ وُرِثَتْ عنِ الأجداد)، (أوصى الرسولُ بأهلِها وجِوارِهمْ // فهمُ الكرامُ وسادةُ الأجوادِ)]. وهي أبيات مبنيّة صورها الشعرية على رُكنين فقط من التشبيه هما: (المشبه والمشبه به)، فصار التشبيه بليغا، فضلا عن الاستعارة المكنية التي جاءت مساندة للتشبيه في قوله: (شغفوا القلوب بحكمة ورشاد).

وبناءً على ما تقدّم من سمات تحلّت بها الشخصية العُمانية خبرها الشاعر حسني نجَّار بمعايشة أهل سلطنة عُمان عن قربٍ ومجاورة ومخالطة، حتى صار جزءًا من هذا النسيج الإنسانيّ، ومكونًا من مكونات اللُّحْمَة الاجتماعية العُمانيّة، - وإن شئنا دِقَّة الوصف قلنا-: صار "نجّار" ليّنَ العريكة، سهلَ المعشر، متجانسًا مع محيطه، ومواطنًا عُمانيًا في السَّمت والمعاملة؛ له ما لهم، وعليه ما عليهم؛ من حب الوطن وواجب الذَّود عن حياضه: [(أهديكَ يا وطنَ السَّلامِ تحيّةً // روحي فداكَ وأضلُعي وفُؤادي)، (للهِ دَرُّكِ يا عُمان مُنيفةً // حِصنٌ مَنيعٌ قاهِرٌ للعادي)].

وعلى ما يبدو فإن "نجّار" قد جادت قريحته بهذه الأبيات القصيرة في ذكرى "العيد الوطني العُمانيّ" التي تطلّ كل عام باليُمن والبشرى في الثامن عشر من نوفمبر؛ فصاغ خاتمتها في صورة برقيّة مُعايدة تقريريّة قال فيها: [(اللهَ أدعو أن يباركَ عيدَنا // ويَظَلَّ دومًا دُرَّةَ الأعيادِ)].