منخفض جوي جديد

 

جابر حسين العماني

Jaber.alomani14@gmail.com

 

المنخفضات الجوية من النعم الربانية التي يرسلها الباري تبارك وتعالى لعباده كهيئة أمطار وأودية ورياح وثلوج وعواصف وسيول، وهي تعتبر في حد ذاتها نعمة عظيمة تحمل الكثير من الفوائد المباركة للإنسان، قال تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾، وقال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ}.

ومع كل تلك الفوائد العظيمة التي تخلفها المنخفضات للإنسان إلا أنها تتحول أحيانا إلى ابتلاءات يبتلى بها الإنسان، كإلحاق الضرر بالمزروعات وتطايرها بفعل الرياح الشديدة وانقطاع التيار الكهربائي، بسبب تقطع الأسلاك الكهربائية، وسقوط الأعمدة والغرق وجرف الممتلكات، وقطع الطرق، ودخول المياه الى المنازل والمزارع، وجرف المركبات والممتلكات وغيرها.

إن دولنا العربية والإسلامية تنعم بوفرة المنخفضات الجوية، ولكنها مع كل الأسف لا زالت تعاني من السيول الجارفة التي باتت تؤرق المجتمعات وأفرادها، وذلك لأضرارها الجسيمة التي يعاني منها الناس، والغريب في الموضوع ان بعض من تلك الدول لا زالت غير مهتمة بوضع الحلول المناسبة لرفع معاناة مواطنيها، بحيث أصبحت السيول تهددهم بالموت والخوف والذعر وهدم بيوتهم ومساجدهم وجرف ممتلكاتهم.

أثناء زيارتي لبعض بلدان العالم والتي منها على سبيل المثال، جمهورية الهند وسنغافورة والجمهورية الإسلامية الإيرانية، وغيرها من الدول لاحظت أن هناك تنظيما عاليا في الجودة لتصريف مياه الأمطار، وعند سقوط الأمطار الغزيرة لا يرى الناس كميات المياه، والسيول لا تهاجم شوارعهم وبيوتهم وأسواقهم وأحياءهم السكنية، ولا يشعرون بالخطر على أنفسهم وممتلكاتهم، وذلك لأنهم استغلوا إمكانياتهم وطاقاتهم ووظفوها في خدمة أوطانهم وشعوبهم، من خلال إعداد وتسخير وبناء الأمكنة الخاصة لتصريف مياه الأمطار، مما جعلهم يمتلكون تجربة رائدة وناجحة وموفقة يحتذى بها في العالم.

اليوم نحن بحاجة ماسة إلى الاستفادة من خبرات وتجارب الدول المتقدمة لنستطيع حماية مجتمعاتنا وممتلكاتنا من التلف والموت والخوف والذعر والقلق وعدم الاستقرار النفسي بسبب تلك المنخفضات الجوية وما تخلفه من سيول جارفة، قال أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب: (مَنْ غَنِيَ عَنِ اَلتَّجَارُبِ عَمِيَ عَنِ اَلْعَوَاقِبِ)، وقال: (مَنْ قَلَّتْ تَجْرِبَتُهُ خُدِعَ). فيا ترى إلى متى سيبقى حالنا يُرثى له؟ وإلى متى سنظل نسمع الإعلام وهو ينعي وفاة مواطنين جرفتهم السيول والوديان، ومنازلهم قد غرقت بما فيها، ومركباتهم قد تعطلت وجرفتها مياه السيول، ومرضاهم قد ازدادت علتهم ولم يستطيعوا الوصول إلى المستشفيات بسبب قطع الطرقات بالسيول التي حاصرتهم وهم يستغيثون ولا أحد يغيثهم أحيانًا.

وكما إن على الحكومات والجهات الرسمية مسؤوليات يجب اتخاذها من أجل سلامة المواطنين، كذلك هناك مسؤوليات يجب أن يتحملها المواطنون من أجل سلامتهم وسلامة ممتلكاتهم ومجتمعاتهم، من بينها:

  • أولًا: الابتعاد عن الأودية والسيول وتجمعات المياه عند الإعلان عن أي منخفض جوي قادم.
  • ثانيًا: متابعة الأخبار والمحطات الإعلامية والرسمية، والتركيز على متابعة النشرات الجوية حتى انتهاء الحالة الجوية.
  • ثالثًا: أخذ الحيطة والحذر في المواقع الجبلية والانتباه من تساقط الصخور والأجسام الصلبة.
  • رابعًا: متابعة التحذيرات والإرشادات التحذيرية الصادرة من الجهات الرسمية والمعتمدة خصوصا في فترات ذروة المنخفضات الجوية.
  • خامسًا: استخدام الأكياس الكبيرة وملئها بالرمال والأتربة ووضعها أمام أبواب المنازل، وذلك لمنع دخول مياه الأمطار أو السيول.
  • سادسًا: البقاء في المنزل وعدم الخروج بقصد النزهة أو الرحلات إلى حين انتهاء الحالة الجوية.
  • سابعًا: الالتزام باتباع الطرق الآمنة المعلن عنها من قبل الجهات المعنية والرسمية، وعدم المجازفة بعبور الأودية تحت كل الظروف.

وأخيرًا.. على الحكومات القيام بدورها الفاعل تجاه حفظ وسلامة وصحة مواطنيها وعدم التأخير في ذلك، وذلك ببناء السدود المناسبة لحفظ المياه، والاستفادة منها، وبناء مصارف المياه، لأهميتها في حفظ الأرواح والممتلكات، وقد جاء في صحيفة أدعية حفيد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الإمام علي بن الحسين زين العابدين ضمن دعاء مخصوص لتلك الحالات الجوية، ما نصه: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَأَنْزِلْ عَلَيْنَا نَفْعَ هَذِهِ السَّحَائِبِ وَبَرَكَتَهَا، وَاصْرِفْ عَنَّا أَذَاهَا وَمَضَرَّتَهَا، وَلا تُصِبْنَا فِيْهَا بآفَة، وَلا تُرْسِلْ عَلَى مَعَايِشِنَا عَاهَةً. اللَّهُمَّ وَإنْ كُنْتَ بَعَثْتَهَا نَقِمَةً وَأَرْسَلْتَهَا سَخْطَةً فَإنَّا نَسْتَجِيْرُكَ مِنْ غَضَبِكَ)، والحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد وآله الطاهرين وأصحابه الأجلاء الصالحين.