صاحب السمو السيد/ نمير بن سالم آل سعيد
قريبًا سيُلغى قانون المطبوعات والنشر وقانون المنشآت الخاصة وقانون المُصنّفات الفنية وسيأتي قانون إعلام جديد، وستنقضي معه حقبة إعلامية قديمة استمرت معنا مدة من الزمن متشبثة بمكانها لا تزول، وقد آن لها الأوان للرحيل، لتأتي بعدها مرحلة إعلامية جديدة مُشرقة نحو آفاق متطورة أفضل في ظل قانون الإعلام الجديد، مُتطلعين إلى أداء إعلامي مهني عالي المستوى في كل المؤسسات، تتمتع بأدوات ومهارات إعلامية مؤثرة راسخة متفاعلة مع العمل الإعلامي وقادرة على مواكبة المرحلة الجديدة بعزم وتصميم.
كل ذلك وفق أداء يواكب التطلعات الإعلامية، دون ضعف في مسارات العمل في التوجيه والتخطيط والتنظيم والتنسيق والمتابعة، وصولًا إلى النتائج المستهدفة بأفضل الطرق وأقل التكاليف؛ لنلامس التغيير الإعلامي ونعايشه ونشهد على تطوره من خلال الخطوات المُنفذة والمتخذة، وليلتف العمانيون نحو مؤسساتهم الصحفية والإعلامية الوطنية.
وقانون الإعلام المزمع صدوره قريبًا ليس مقررًا دراسيًا أكاديميًا بحاجة لمن يحاضر به ليستوعبه طلبة الصف، وليس تجميعًا موسوعيًا قام به فريق عمل وقدمه أحدهم ليتولاه بالشرح والتفسير؛ بل قانون يجب أن يكون مهيئًا ومستعدًا للمتغيرات لتأتي معه أدواته المنفذة القادرة مهنيًا على التعامل الإعلامي معه من أجل الصالح العام.
القوانين لا تكفي إذا لم يقابلها فكر مهني إعلامي تتفيذي مُتمرِّس، يجعل الإعلام فعلًا سلطة رابعة واعية بالقضايا الوطنية وكيفية تقديمها ومتابعتها والاهتمام بها، وشد انتباه المواطن إليها، وصولًا إلى التأثير المطلوب إعلاميًا، دون الإخلال بالسياسة الإعلامية المُتّبعة بنهج وطني قويم، يُراعي الالتزام بالهوية الوطنية والدين الإسلامي الحنيف والعادات والتقاليد، وأن يظل مواكبًا للتنمية وبناء دولة المؤسسات ليتحقق طموح المرحلة التي تعيشها السلطنة من تطور، ويضع في الحسبان المناخ المتجدد لوسائل التواصل الاجتماعي وما يطرأ عليها من متغيرات مستمرة.
قانون الإعلام الجديد أُشبِعَ نقاشًا ودراسةً ومراجعةً ليصل إلى المراحل الأخيرة قبل إصداره، فقد طال انتظاره لسنوات، والآن أوشك أن يرى النور من أجل إعلام حقيقي يتمتع بالحرية والشفافية والمسؤولية والمصداقية في معالجة القضايا الوطنية وليواكب المرحلة الزمنية التي نعيشها والتطورات المستقبلية المتوقعة في المجال الإعلامي.
وكان قانون المطبوعات والنشر صدر عام 1984 أي قبل 40 عامًا، وبعد 14 عامًا من انطلاق النهضة الحديثة، لذلك فإن ذلك القانون عكس المرحلة التي صدر فيها، ورسم الواقع المعاش آنذاك. والزمن الآن قد تجاوزه بمكتسبات وواقع جديد متحقق إعلاميًا، ولا بُد من المواكبة الإعلامية؛ بما يتناسب مع التغيرات الجديدة في المجال الإعلامي.
الإعلام يتطلب التعامل معه بمهنية وقواعد إدارية صحيحة؛ فهو سلاح ذو حدين، فإمَّا أن يأخذ الزمام ليسهم في تعزيز وترسيخ الهوية الوطنية والقيم والعادات والأخلاقيات السليمة وإبراز إنجازات الدولة بطرق متطورة واتخاذ أساليب جديدة فعّالة ترقى إلى مواجهة التحديات الإعلامية، وإمَّا أن يتوقف كما هو وكأن لا شأن له فيما يحدث من تطورات إعلامية حوله؛ ليمارس دوره التقليدي مُنكفِئًا على نفسه، فلا يخدم مسيرة التنمية ولا يواكب المتغيرات الإقليمية والدولية.
كانت الإذاعة والتلفزيون والصحف فيما مضى، تودي أدوارًا مُهمة في توجيه الرأي العام، وترسيخ السياسة العامة، وإبراز المنجزات، لكن الآن أصبحت منصات التواصل الاجتماعي هي الأشد تأثيرًا، في ظل الاعتماد المتزايد على الإنترنت؛ بل ربما أصبحت تؤدي الدور الرئيس في جذب الانتباه وبناء الوعي، وأصبحت الركن الأساسي في بث واستقبال المعلومات والتواصل اليومي لدى أغلب الأجيال.
وهنا يجب أن نشير إلى ضرورة ألا يكون تطوير الإعلام مقتصرًا على الوسائل المرئية والمسموعة والمطبوعة، وحسب؛ بل أن يستهدف القانون الجديد تنويع المحتوى الإعلامي؛ إذ أصبح المشاهد والمُستمِع والقارئ يذهب حاليًا إلى الانتقائية المعلوماتية والترفيهية، في ظل القدر الهائل من الخيارات المقدمة له.
ولا بُد أن يتوسَّع الإعلام في المرحلة المُقبلة للتركيز أكثر على وسائل التواصل الاجتماعي، وما يسمى بـ"الإعلام الجديد"، مُستخدمًا أساليب وطرقًا جديدة لتوصيل الرسالة الإعلامية، وهذا يتطلب الخروج من الأدوار التقليدية لوسائل الإعلام.
يجب أن يحرص العاملون في كل المؤسسات الإعلامية على خلق مضامين إعلامية مُبتكرة ومحتويات إيجابية تتناسب مع وسائل التواصل الاجتماعي وموجهة لها، مع استقطاب نشطاء التواصل الاجتماعي من أجل بناء الوعي، والاعتراف بهم كمؤثرين والتعامل معهم باحترام وعدم التقليل من شأنهم أو السخرية منهم؛ إذ إن لهم دورًا فعّالًا في إيصال الأفكار والمعلومات للمواطن، ولدى الكثير منهم متابعون كُثُر يتأثرون بهم. وفي المقابل، على هؤلاء المؤثرين التحلِّي بالأمانة والمصداقية فيما يقدمون، ويمتنعوا عن نشر المعلومات المغلوطة والبيانات الخاطئة والشائعات المُغرِضة التي من شأنها تزييف الواقع والتأثير على المجتمع سلبًا.