الحياة قصيرة.. فعشها بسلام

 

حمد الحضرمي **

حياة الإنسان على هذه الدنيا قصيرة، فمهما امتلك من الصحة والمال والسلطة والقوة، فإنه لن يصبح خالدًا فيها، وهو راحل عنها لا محالة، والمطلوب منا جميعًا أن نعد العدة للسفر، وأن يكون لدينا الرصيد الكافي من الأعمال الصالحة حتى نلاقي ربنا وهو عنا راضٍ، وعلى الإنسان أن يتذكر دائمًا أن الدنيا دار ممر لا مقر، ودار العمل والامتحان والفتنة، فلا ينشغل بجمعها ولا ينغمس في شهواتها وملذاتها، فيتشتت قلبه ويغفل عن الاستعداد للرحيل منها، وقد جاء في الحديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم نام على حصير وقد ترك الحصير أثر في جنبه، فقال له الصحابة: "لو اتخذنا لك وطاء، فقال: ما لي وما للدنيا؟ ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها"، وكان ابن عمر يقول: "إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك".

والحياة مليئة بالمشاق والمتاعب والآلام والأحزان، وعلينا الصبر والتفاؤل حتى نصل إلى المبتغى بدخول الجنة، وعلينا التمسك بالإسلام والإيمان والإحسان، وبالعبادات ورضا الله ثم رضا الوالدين، والحرص على القيم الأخلاقية والصفات الحميدة، والتعامل بالمحبة والإحسان مع الأهل والجيران والأصدقاء، والتواصل مع الأحباب وتحسس همومهم ومشاكلهم، ومشاطرتهم الأفراح والأحزان، ورسم الإبتسامة على وجوه من نستطيع من المحرومين؛ لأننا عن هذه الدنيا راحلون، وستبقى لنا السمعة الطيبة والأخلاق العالية، والأعمال الخيرية والتطوعية والوفاء والعطاء والتسامح مع الآخرين، ومساعدة الفقراء والأيتام والأرامل والمساكين.

والإنسان أحيانًا يتجاوز حدوده، وينسى وضعه وضعفه، ويتمرد على أوامر خالقه، فيرى نفسه قد استغنى بالمال والأولاد والسلطة والنفوذ، فيتعالى على أسرته وإخوته وأولاده وأهل منطقته وزملائه في العمل، وهذا الغرور والتكبر والوهم هو الضربة القاضية التي تقضي على الإنسان في الدنيا والآخرة، فالدنيا عرض زائل، وما يزرع فيها يحصد في الدار الآخرة، ويجب على كل إنسان منا أن يزرع ما ينفعه، ابنِ مسجدًا، احفر بئرًا، شيد مدرسة لتعليم القرآن، اكفل يتيمًا، تصدق للفقراء والمساكين، طيب خواطر الناس الضعفاء بالكلمة الطيبة، وستجد كل ذلك في حياتك السرمدية الحقيقية، حياة الآخرة، التي يتحسر المفرط في بنائها وإعمارها فيقول "يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي" (الفجر: 24 ).

وفي زماننا كثرة وتعددت صور الموت، ولعل موت الفجأة اخطرها، وهذا من علامات الساعة التي أخبر عنها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وموت الفجأة رحيل بلا مقدمات، بلا تعب ولا إرهاق ولا مرض، ومنهم من يموت وهو يمارس نشاط رياضي، ومنهم من ينام وهو في صحة وأحسن حال، فتكون تلك نومته الأخيرة، إن موت الفجأة مفزع حقًا، والأمر يتطلب من كل إنسان أن يسارع في رد الحقوق لأصحابها، وتصفية الحسابات القديمة وسداد الديون الواجبة عليه، وتصفية قلبه والاعتذار لمن أخطأ في حقه أو أساء إليه، فتخلصوا من حقوق الناس في الدنيا قبل أن يكونوا خصومكم يوم القيامة، ولا تستجيبوا لنداء الشيطان ووسوسته، وضع رأسك على وسادتك هذه الليلة وأنت خاليًا من كل حق أو دين أو أمانة أو إساءة لأحد، لأنك لا تدري متى تكون ساعة الرحيل عن هذه الدنيا.

الحياة قصيرة وعنها راحلون، فليسيطر كل إنسان على لسانه، فرب كلمة أيقظت فتنة، ورب كلمة أشعلت حربًا، ورب كلمة أورثت عداوة، ورب كلمة سببت قطيعة، ورب كلمة ساقت إلى قتل، ورب كلمة دمرت زواجًا، ورب كلمة قادت إلى السجن، فسيطروا على أنفسكم وامسكوا ألسنتكم، خاصة عند المواقف الحساسة أو المتوترة، لأن في هذه المواقف يتمرد اللسان وينفلت من صاحبه، وتخرج منه كلمات حادة وقاسية وجارحة تؤذي الآخرين، فتقع على أثرها المشاكل والخلافات بين الناس، فسامحوا الناس في زلات اللسان التي لم تكن القصد منها الإساءة أو التجريح، فالحياة قصيرة، فعشها بسلام.    

وإذا أردت أن تشرق حياتك بالسعادة والنجاح، فعليك ببر والديك والإحسان إليهما، لأن حقوقهما من أعظم الحقوق بعد حق الله وحق رسوله، وربط الله شكرهما بشكره تعالى "أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ" (لقمان: 14). وفي المقابل يشكل العقوق وقطع الرحم أسس البلاء ورأس كل شر، فالعاق محروم من البركة والتوفيق في الدنيا، فعلى الأبناء بر والديهما والدعاء لهما والعمل على رضاهما، حتى تشرق حياتهم بالخير، ويبارك الله لهم في الرزق والصحة والأولاد. واعلموا بأن الدنيا رحلتها قصيرة فلا تظلموا الناس، لأن الظلم عاقبته وخيمة في الدنيا والآخرة، ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، والله يرفعها فوق الغمام.

وابتعدوا عن الغضب لأن نتائجه بشعة وعواقبه وخيمة، وقد دمرت أسر، وتهدمت بيوت، وقطعت به أرحام، وأشعلت به فتن وأريقت بسببه الدماء، وتجنبوا القلق الذي يأكل الإنسان من الداخل، ويشل قدرته على الحركة والتفكير والتفاعل مع متطلبات الحياة، وابتعدوا عن العصبية وعن الحسد والاحقاد والكراهية والبغضاء، حتى تعيشوا بقلوب سليمة مشرقة، واجعلوا قلوبكم معلقة بالله، وفي حبه ورضاه، وخوفه ورجاءه، فاحفظوا الله يحفظكم، واحفظوا الله في أوامره وقوموا بها كما أمركم، واحفظوا الله في نواهيه فانتهوا عنها كما نهاكم، اللهم يا لطيف الطف بنا، وقدر لنا من ألطافك الرحيمة ما تقوي به نفوسنا، وتهدي به قلوبنا، وتجعل حياتنا في سعادة وسرور في الدنيا والآخرة.

وعلينا جميعًا تجنُّب الصراعات الشخصية، وترك الخلافات العائلية، والبعد عن الصدامات المهنية في بيئة العمل، والتغافل عن النقاشات والاختلافات في الرؤى أو القيم أو المبادئ أو الاهتمامات، فلكل واحد منا وجهة نظر وثقافة تختلف عن الآخر، فعلينا احترام وتقدير وجهة نظر الآخرين، والتعاون معهم والتناغم وتحسين وسائل التواصل الفعال فيما بيننا. فالسعادة الحقيقية هي أن تعيش بسلام مع الجميع، وفي محبة وود ووئام، وصدر سليم وقلب رحيم، وسكينة وطمأنينة وسمو في الروح والإيمان بالله والإخلاص في الأقوال والأعمال، فالحياة قصيرة.. فعشها بسلام، حتى تكون في الآخرة في جنات النعيم.

** محامٍ ومستشار قانوني