د. خالد بن علي الخوالدي
مبادرات عديدة وأفكار كثيرة ورؤى ومقترحات متنوعة، تُقدَّم على مستويات مختلفة في كل ربوع عماننا الحبيبة، وخلال متابعتي للمبادرات الشبابية المشاركة في مجتمع الشباب ضمن معرض "جدكس 2024" الذي تختتم فعالياته يوم الثلاثاء بمركز عمان للمؤتمرات والمعارض، لفتت انتباهي مبادرة "متحدث واعد"، وطاف بي الخيال إلى عدد من المسؤولين والأفراد الذي يتجنبون الحديث أمام وسائل الإعلام خاصة التلفزيونية والمرئية والمسموعة، وذهب واقعي لضرورة إعداد وتنشئة جيل مُتحدث يقدم نفسه بصورة تليق به مع مجتمعه وأمام الجمهور.
نعم هناك تفاوت في القدرات البشرية في كل جوانب الحياة، ولكن من وجهة نظري بأن قدرات الحديث سواء الفردية أو أمام الجمهور هي قدرات يمكن تنميتها وتطويرها خاصة إذا ما بدأ هذا الأمر منذ الصغر، ووجود مبادرات من هذا النوع تسعى إلى تحقيق أهداف نبيلة أمر مبشر بخير، والأجمل أنها مبادرة تطوعية وتقدم خدماتها في مختلف المواقع، فخلال تتبعي لعملهم في مواقع التواصل الاجتماعي رأيت لهم نشاطات مختلفة في ولاية صحم والتي انطلقت منها المبادرة وغطت محافظة شمال الباطنة وطافت محافظات أخرى واليوم تتواجد في محافظة مسقط وفي معرض مهم كمعرض جدكس، والذي شدني أكثر هو الاحتضان الرائع لوزارة الثقافة والرياضة والشباب لهذه المبادرة والأخذ بيدها لتحقيق الغايات والأهداف الوطنية والمجتمعية التي يمكن إن تحققها.
إن التركيز على الأعمار من سن سبع سنوات إلى سن الثامنة عشرة والتي تستهدفهم مبادرة "متحدث واعد" هو تركيز موفق ويعمل على ترسيخ الكثير من الثقة والجرأة والمبادرة ولباقة الحديث لدى الناشئة ويسهم مساهمة فعالة في توصيل الأفكار والتوجهات والرؤى بطريقة مناسبة وسهلة وبسيطة، كما يساهم في رفع المستوى التحصيلي والدراسي والثقافي والأدبي والعلمي لهؤلاء الناشئة الذين هم أمل عمان ومستقبلها.
وتنمية وتطوير مهارات الخطابة العامة والإلقاء والتحدث أمام الجمهور وإتقان مهارات التفاعل والتواصل اللفظي والجسدي والتعبير عمّا يجول في دواخل الناشئة بطريقة إيجابية، لعمري أنها أهداف لو تحققت لرأينا نتائجها واضحة وجلية على كثير من مناشط الحياة خاصة الأسرية والمجتمعية منها، فكم من أسر تفككت بسبب عدم القدرة عن التعبير عما بداخل القلب من مشاعر وعواطف حتى ليعتقد أحد الأطراف بأن الطرف الآخر متبلد الحس وجامد المشاعر لعدم مقدرته على الحديث اللبق والمقنع والمنسجم مع يتطلبه الوضع الأسري، وهذا ينسحب على الحديث المنظم والمرتب والمقنع على المستوى المجتمعي وعلى المستوى المؤسسي وعلى مستويات عديدة.
والأسرة والبيئة هنا لهما دور كبير ومهم وفاعل في إعداد الناشئة وقد تتميز بيئة عن أخرى في هذا الجانب فالبيئة البدوية مثلا فأبناؤها أكثر جرأة ولباقة في الحديث ولغتهم سليمة فالإنسان كما قيل ابن بيئته، وهذا نستنبطه من حادثة إرسال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى البادية في أول سنوات عمره ومرضعته السيدة حليمة السعدية حيث تأسس في البادية وأتقن فيها العديد من الصفات والقيم والمزايا التي يتميز بها أهل البادية ولعل أبرزها سلامة اللغة والإتقان والجرأة، بينما يختلف الوضع في البيئات الأخرى فقد يتطلب الأمر إلى وجود مثل هذه المبادرات المحفزة والمشجعة والهادفة.
إن التأهيل والتدريب والتعليم ليكون أطفالنا متحدثين في الأسرة وفي المسجد وفي المدرسة والمجتمع أمر في غاية الأهمية، ولعل بعضنا قصر في هذا الجانب ولم ينتبه له ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله أو كما قيل أن تصل متأخرا خير من لا تصل، وقد قدمت لنا مبادرة متحدث واعد الكثير من الفرص لاستدراك هذا الأمر حتى ونحن في العمر الحالي فالإنسان متعلم طوال حياته، شكرا للقائمين على هذه المبادرة القيمة والتي ستحقق أهدافها بحول الله بجهود المخلصين.
ودُمتم ودامت عُمان بخيرٍ.