تعزيز برامج الادخار لمنافع الحياة الاجتماعية

 

حيدر بن عبدالرضا اللواتي

haiderdawood@hotmail.com

طَلبٌ خاص تَلقيتهُ من أحد المهتمين يدعو فيه لضرورة توعية النَّاس بمواضيع الادخار، خاصة بعد حصول بعض فئات المجتمع العُماني لمبالغ الحماية الاجتماعية مؤخرًا قبل أن يتم بعثرتها في أمور غير مجدية.

وكما هو معمول في بقية دول العالم فإنَّ هذه المبالغ- بلا شك- يمكن لها تنشيط إدخارات الأطفال والنساء وكبار السن عند إيداعها في المصارف والمؤسسات الاستثمارية الناجحة؛ فهذه المبالغ تعد منافع اجتماعية جديدة لتلك الفئات والأسر عمومًا، خاصة التي لا تستطيع التوجه نحو الادخار في الأوضاع المعتادة بسبب ارتباطهم بشؤون الحياة الاستهلاكية والاجتماعية. عمومًا الادخار يحتاج إلى أن يقوم ربّ الأسرة بتنظيم هذا الأمر، ويكون حازمًا في توجيه أفراد أسرته للتوجه نحو الادخار ولو بقليل من المبالغ بغض النظر عن الالتزامات المالية الشهرية.

قضية تعزيز الجانب الادخاري والاستثماري للعائلات تحتاج إلى مزيد من التوعية والحث على مستوى جميع المستويات. واليوم يمكن للعائلات من خلال حصولها على منافع الحماية الاجتماعية بأن تستثمر بعض هذه المبالغ في قنوات الادخار وإيداعها شهرياً في حساب مصرفي لتعود بالمنفعة عليهم مستقبلًا.

وعليه فإنَّ المؤسسات المالية والمصرفية والمجتمع المدني عامة مسؤولون عن تنظيم برامج الادخار لجذب المزيد من الأفراد سواء من الشباب والأطفال والنساء ودفعهم نحو الادخار، مع ضرورة الحرص على تبيان وتوعية الناس عن السلبيات التي يمكن أن تعكس عليهم من خلال التوجه نحو الاستدانة بدلا من الانتفاع من برامج الادخار. اليوم، جميع الأسر تحتاج إلى وضع ميزانية لها والعمل بها للحفاظ على الاستقرار المالي المنزلي كما هو معمول به في كثير من دول العالم، مع ضرورة التخلص من الديون المترتبة عليهم، وعدم إغراق أنفسهم في شراء سلع وأمتعة غير ضرورية لأن ذلك يؤدي إلى صرف نفقات إضافية، مع العمل على زرع الثقافة المالية لدى أفراد العائلة والعمل على توزيع الدخل بصورة إيجابية.

المصارف العُمانية من جانبها تتحمل هذه المسؤولية لجذب الادخارات وتطبيق سياسات الادخار من خلال تشجيع البرامج التي تتناول هذه المجالات؛ ففي السنوات الماضية كان لديها برامج تتعلق بتوزيع الجوائز المالية النقدية والمعنوية على العملاء المودعين؛ الأمر الذي أدى إلى تسابق البعض في إيداع أموالهم واهتمامهم بأهمية التوفير والادخار، إلّا أن هذه البرامج توقفت نتيجة لبعض الأسباب الاجتماعية بقرار من البنك المركزي العماني، بالرغم من أن أحد استطلاعات الرأي المحلي الذي أجراه المركز الوطني للإحصاء والمعلومات في مارس 2017، بينّ أن 56% من السكان لديهم حسابات أو ودائع في أحد المصارف العاملة في السلطنة منهم 68% من العمانيين مقابل 46% من الوافدين. كما تبينّ أن 85% من الأفراد يعتقدون أن الفوز بالجوائز البنكية يمكن أن يحدث تغيُّرًا كبيرًا في حياة الفرد، فيما يعتقد 83% منهم أن الجوائز البنكية تشجّع على الادخار، وتعزّز ولاء الزبائن لبنوكهم، ويرى 81% منهم أنه مجال جيد للاستثمار.

نحتاج حاليًا إلى إجراء مزيد من الدراسات العلمية في هذا الشأن لمعرفة النسب التي يدخرها المواطن العماني شهريا أو سنويا، وتكثيف البرامج التي تُعنى بالادخارات، واستغلال كافة القنوات المتاحة للمؤسسات التعليمية والدينية والمجتمعية للحديث عن هذا الموضوع.

والمبالغ المقدمة للفئات الاجتماعية يمكن أن تشكّل قاعدة جديدة وجيدة للتوفير والادخار والرفاهية لجميع المنتفعين، بحيث يمكن أن تشكّل رصيدًا ماليًا لهم في المستقبل. كما إن هذه المبالغ يمكن أن تساعد المؤسسات المصرفية بالاستفادة منها في تقديم التسهيلات للمؤسسات وتوسيع الأعمال التجارية في البلاد، والاعتماد عليها في عمليات الاقتراض الداخلي بدلًا من التوجه للاقتراض من الخارج. وهذا ما يقوم به الكثير من دول العالم التي تحرص على توعية أفراد أسرها وأبنائها بالتوجه نحو الادخار للاستفادة من ادخاراتهم في تعزيز عمليات الاقتراض الداخلي وتعزيز الاعمال التجارية والتعليمية والترفيهية لهم عند الكِبَر.

إنَّ الأسرة العُمانية والمؤسسات التعليمية عليها مسؤولية غرس ثقافة الادخار لدى الأطفال وتوفير وسائل الادخار لهم لتساعدهم على تحقيق هذا الأمر؛ فالمدخرات عموما تعمل على تنمية الاقتصادات المحلية وتساهم في تمويل المشروعات الداخلية؛ الأمر الذي يتطلب من المؤسسات المصرفية والمجتمع المدني بجانب الأسر والعائلات إعطاء أهمية للادخار والعمل على الالتزام به في التخطيط المالي، مع ضرورة رفع قدرة الأطفال وإحساسهم بأهمية مفهوم الادخار لتصاحبهم في الحياة مستقبلًا.