محمية بر الحكمان.. في طي النسيان!

 

ناصر بن سلطان العموري

abusultan73@gmail.com

 

ذهبتُ مؤخرًا في رحلة استجمامية، رفقة ثلة من الأصدقاء في هذه الأجواء الشتوية الباردة، إلى كثبان ولاية بدية، ذات الضفائر الذهبية الجميلة، برمالها وكثبانها الخلابة.. اخترقنا الصحراء قاصدين محمية بر الحكمان، أو كما يطلق عليها البعض "مالديف عُمان"؛ مرورًا بالصحراء الشاسعة مترامية الأطراف، حتى وصلنا إلى ولاية محوت بمحافظة الوسطى، وبعد تزودنا بالزاد من محطة الوقود القريبة، ذهبنا نستبق الرياح والأفكار الجميلة تسبقنا لرؤية محمية بر الحكمان.

ولمن لا يعلم، صُنِّفَت "بر الحكمان" كمحمية طبيعية حسب الاتفاقيات الدولية، والتي تُعنى بالحفاظ على الأراضي الرطبة؛ لكونها ذات أهمية للمجتمعات البشرية والبيئة. ومحمية بر الحكمان تتميز بالتنوع البيئي، وهو ما يعد موردًا مُهمًا لكافة الأنماط المتعلقة بالحياة المائية؛ ومنها غابات المانغروف، ومزارع المحار والروبيان، كما تحتضن هذه المواقع محميات الطيور المائية والبرمائية.

أرخبيل البحر ذو المياه الزمردية النقيّة المُتمَوِّج في الرمال البيضاء الساحرة وكأنه عقد لؤلؤ منثور تُزيِّنه الطيور المهاجرة الجميلة والسلطعونات التي تختبئ جارية في حفرها خوفًا من فضول الزوار يزيد المكان روعة وكأنه من وحي الخيال.

مكان طبيعي خلاب لكل من يرغب يصفو ذهنه وانشرح صدره ولكل من يعاني من ضيق واكتئاب، خصوصًا أنه سوف يكون بعيدًا عن مُلهي العصر (الهاتف النقال) لانعدام شبكة الهاتف في المنطقة، ولكن كما يقال "الحلو ما يكمل"، فرغم روعة المكان وسحره، إلّا أن يفتقد الطريق المرصوف واللوحات الإرشادية الدالة على المكان، لا سيما أن القاصد إليه لا يُمكنه الاستعانة بخدمة الملاحة في تطبيق جوجل، في ظل عدم وجود شبكة لأي شركة اتصالات وهذه لحالها معضلة في ظل حدوث الحالات الطارئة لا سمح الله.

وما لاحظته عند زيارتي للمكان وجود قمامة متناثرة بشكل ملفت للنظر، منتشرة على امتداد الشاطئ، وأغلبها من النفايات البلاستيكية، وهو ما يمثل نقطة سوداء تُشوِّه جمال المكان وسمعته، خصوصًا وأن عددًا من السياح الأجانب يرتاد المكان ويُخيِّم فيه ويمكن أن ينقل الصورة مباشرة في عالم أصبح قرية صغيرة. وعند سؤالي عن سبب وجود القمامة والتي كان أغلبها قديم غلب عليه التحلل ما يمثل خطرًا على الحياة الفطرية، علمتُ أنه بسبب إفراغ بعض السفن واليخوت التي تمر على المكان أو ترسو فيه للقمامة، وهذا ليس في اعتقادي السبب الوحيد، فلقد رأيت أيضًا الكثير من القمامة بعيدًا عن الشاطئ، وهو ما يمكن أن يكون من مخلفات المُخيِّمين أنفسهم، بعضهم وليس كلهم طبعًا؛ فقد حرصنا على نظافة المكان وأخذنا معنا المخلفات إلى أقرب سلة قمامة، في ظل خلو المكان من صناديق القمامة، والتي كان يبعد أقربها عن المنطقة أكثر من 40 كيلومترًا، أي في محطة الوقود على الشارع المُعبد.

والسؤال هنا: أين بلدية محوت من نظافة المكان؟! إذ من الواضح أنه لم يلحق بالمكان أي نظافة منذ أمد طويل، والأهم: أين اللوحات الإرشادية التي تحث الزائرين على ترك المكان أفضل مما كان؟! بل أين فرق هيئة البيئة الرقابية والتفتيشية والمعنيين بسلامة الحياة الفطرية؟ وأين اللوحات التحذيرية والتي تحذر زوار المكان للمرة الأولى من الأراضي الطينية الرطبة التي تسبب مشاكل في القيادة لمن ليس لديه المعرفة المسبقة بالمكان.

الحال نفسه ينطبق على مكتب محافظ الوسطى ووزارة التراث والسياحة، فلا يجب أن يكون هكذا حال المناطق السياحية الطبيعية مُهملة وبلا رقابة، ولا حتى توفير الخدمات، هذا إذا أردنا أن نجذب المستثمرين ونُسوِّق للسياحة في المنطقة، ترجمة للتوجيهات السامية لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- بإعطاء الصلاحيات للمحافظين لاستثمار موارد كل محافظة واستغلالها بما يعود بالنفع عليها بشكل خاص وعلى السلطنة بشكل عام، خصوصًا وأنَّ قطاع السياحة يُعد أحد مرتكزات الرؤية المستقبلية "عُمان 2040" لتنويع مصادر الدخل، وما شاهدته بأم عيني عن حال المكان يدل أيّما دلالة أن المكان لم تطأه أقدام أي مسؤول، وإلّا لما كان وضعه هكذا!!

رسالة أخيرة: "عُمان أمانة في أعناق كل مسؤول.. فحافظوا عليها".