رحيل الأحباب يدمي القلوب

 

حمد الحضرمي **

الموت حق على كل إنسان في الحياة، يقول تعالى "كل نفسٍ ذائقة الموت" (الأنبياء: 35) إلّا أن موت الأحباب ورحيلهم عن الدنيا يدمي القلوب، ويؤلم الأرواح، ويدمع العيون، ويضعف النفوس، فما لذة الحياة إلا مع من نحب ومن نرتاح لهم، أولئك الذين نسعد إذا حضروا، ونشتاق إذا غابوا أو رحلوا، ونتألم عند ذكراهم، ونتمنى أن نلقاهم، ونجلس معهم ونسمع كلامهم وننظر إليهم ولو للحظات، فما أصعب الحياة بعد فراق الأحباب، ولكن تبقى الذكريات التي جمعتنا بهم، وإن كان ذكراهم تؤلم القلب وتحزنه، لأنهم لن يعودوا إلينا، ولن نراهم بأعيننا مرة أخرى.

من منا في هذه الحياة لم يفقد عزيزًا عليه، أب أو أم، ابن أو بنت، أخ أو أخت، زوج أو زوجة، قريب أو صديق، الكل منا بلا شك فقد عزيزًا عليه، وإلى اليوم وهو يتألم لهذا الفراق، وعندما يتذكره يعتصر قلبه حزنًا عليه، ويرجو أن يعود إليه لأن فراقه صعب عليه، ولكنها سنن الله في الكون، فالميت لا يعود إلى الحياة، إلا يوم القيامة، وصدق القائل :

الموت بابًا وكل الناس يدخله // ياليت شعري بعد الباب ما الدار

فجائه الرد:

الدار جنة عدنٍ إن عملت بما // يرضى الإله وإن خالفت فالنار

هما محلان ما للناس غيرهما // فانظر لنفسك أي الدار تختارُ

فكيف لا يتذكر الإنسان أحبابه الذين فارقوا الحياة ورحلوا عنه وتركوه، وهو عاش معهم سنوات لا تنسى من الذاكرة والوجدان، فالجد والجدة كانوا عليه حنونين أكثر من والديه، والأب والأم كانوا بالنسبة له كعينيه، والزوج أو الزوجة جمع فيما بينهما المودة والرحمة، والأخ والأخت السند والمحبة، والابن والبنت الروح وروح الحياة، والقريب والصديق كانوا وقت الشدة أقرب الناس، هؤلاء وغيرهم من الأهل والأحباب لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ننسى ذكراهم ولحظات وأوقات جميلة جمعتنا بهم، وكلما اشتقنا لهم وتذكرناهم وهم تحت التراب، رفعنا أيدينا إلى رب السماء ودعونا لهم بالرحمة والغفران، وأن يجمعنا الله بهم في جنات النعيم.

ويتخيل الإنسان أحيانًا في خلولاته بأن أباه أو أمه أو عزيزًا عليه يجلسون بقربه وهم أحياء، يسلم عليهم ويقبل أيديهم، ويتحدث إليهم ويتحاور معهم، ويمازحهم ويضحك معهم، ويسمع نصائحهم وتوجيهاتهم إليه، ويوفر لهم طلباتهم، وهو في قمة السعادة والسرور، وفجاءة يلتفت على يمينه ثم على يساره، فلا يجد أباه أو أمه أو الشخص العزيز الذي كان يجلس بقربه ويتحدث إليه، فيتذكر بأنهم قد رحلوا  عن الدنيا وفارقوا الحياة، وكل ما حدث كان ذكريات جميلة تمر على روحه وقلبه ونفسه فيعتقد بأنهم ما زالوا أحياء.

نعم بعض الآباء والأمهات والأحباب عنا قد رحلوا بأجسادهم ، ولكن هم باقون في قلوبنا ووجدننا، وتبقى ذكرياتهم لا تنسى للأبد، فهم عندنا أحياء يعيشون بيننا، لما بذلوله من العطاء والوفاء والكرم والسخاء، فالأب هو الحب والحنان والسعادة والأمان، غرس في أبنائه القيم والأخلاق، والأم أجمل وأرق وأطيب قلب في الدنيا، فراقها صعب لا يطاق وألم وحزن يتجدد كل يوم، فبالله عليكم كيف ننسى من ضحى بحياته لنعيش في أمن وأمان وسلام، وقدمنا لنا الحنان والعطف والمحبة والوئام لنحيا بعزة وكرامة، وسيظل هؤلاء الأحباب ذكراهم في قلوبنا، نتذكركم بالليل والنهار، وندعو لكم بالرحمة والمغفرة والرضوان.

** محامٍ ومستشار قانوني