الجامعات والعلاقات العاطفية

 

جابر حسين العماني

jaber.alomani14@gmail.com

 

أنهى الثانوية العامة بمعدل مُشرف، ورفع بمعدله رأسه ورأس والديه وأهله ومجتمعه ووطنه عاليًا، وضرب به المثل لشدة اهتمامه وحرصه لنيل المراتب العلمية العالية، وعلى إثر ذلك كرمته مدرسته ومجتمعه لجهوده الجبارة التي نال بها أفضل الجوائز والهدايا، ولكن وبمجرد دخوله إلى الجامعة، وفي الأشهر الأولى لوحظ تدني مستواه التحصيلي، وقلة اهتمامه بشغف العلم والتعلم؛ حيث لم يكن كما كان.

بحثت العائلة عن الأسباب التي جعلت من ابنها يخسر مستواه العلمي شيئًا فشيئًا، وبعد التحري والبحث الدقيق اكتشفت العائلة وجود إحدى الفتيات في حياته؛ حيث تعرّف عليها في بداية أيامه الجامعية، ابتدأت العلاقة العاطفية بينه وبين من اختارها قلبه وليس عقله بابتسامة، وكبرت تلك العلاقة وانتهت بتدني مستواه الدراسي، فأصبح غير قادر على مواصلة الدراسة الجامعية، بسبب تلك العلاقة التي كلفته الكثير من الأمراض النفسية والإحباط، فضلًا عن خسارته العلمية التي كان من المفترض أن يكون مُحافظًا عليها لنيل أعلى المراتب في الحياة العلمية والاجتماعية.

اليوم نحن أمام مشكلة يعاني منها بعض شبابنا في الوطن العربي والإسلامي، خصوصًا في المرحلة الجامعية؛ حيث الاختلاط غير المنضبط وعدم احترام القواعد والأعراف الدينية أحيانًا، والاعتماد على الكلام المعسول لتكوين العلاقات العاطفية، مما جعل من البعض يقعون في فخ العلاقات التي تتعارض مع أعراف المجتمع والتي عادة ما تكون نهايتها سلبية على الجميع، بحيث تؤثر سلبًا على الوضع الدراسي والأكاديمي.

إنَّ من يرتبط بالعلاقات العاطفية الممنوعة عادة ما يتأثر تحصيله العلمي نتيجة للآثار المدمرة الناتجة من تلك العلاقات، كالانطوائية والعزلة والإهمال واللامبالاة والاستهتار، وعدم الانتباه للمستقبل، وبالتالي تكون النتيجة هي الضعف التحصيلي الجامعي وضياع المستقبل.

وكم هو مؤسف جدًا عندما تكون تلك العلاقات مجرد تمثيليات لكسب المال، فهناك على سبيل المثال عدد قليل من الفتيات يبحثن عن جهاز آيفون مجاني، أو مبالغ نقدية دون أي تعب أو جهد أو عناء، وذلك بتكوين علاقات عاطفية قائمة أغلبها على الكذب والافتراء، وعندما لا تُكرم الطالبة من قبل الطالب المخدوع تقوم باستبداله بآخر للحصول على مآربها المادية، وبالتالي يكون ذلك الشاب هو الضحية، فيخسرها ويخسر مستقبله وحياته العلمية، فضلاً عن إصابته بالأمراض النفسية.

ينبغي على من يوفق للدخول إلى الدراسة الجامعية، أن يعلم أن مؤسسات التعليم العالي لم تشيد من أجل هذه التعارفات العاطفية؛ بل أعدت لأهداف رسالية سامية تصب في خدمة الإنسان والمجتمع والوطن، لذا يجب مراعاتها والحفاظ عليها، وهنا نذكر بعض من تلك الأهداف السامية التي ينبغي أن يتحلى بها الطالب الجامعي عند دخوله إلى الجامعة، والتي منها: مراعاة الانتظام التحصيلي في الدراسة الجامعية، والالتزام الكامل بأداء الواجبات والمهام التي تطلب من الطالب وتأديتها بكل إخلاص واجتهاد وتفان، والالتزام بالمعايير السلوكية والأخلاقية في الحرم الجامعي، وعدم التعامل مع السلوكيات التي لا علاقة لها بالدين والأخلاق والعادات والتقاليد الاجتماعية، والمحافظة على القاعات الدراسية، والورش والمكتبات، والاستفادة من تلك الأماكن واستغلالها لتطوير شخصية الطالب والتفوق والتميز الدراسي في داخل الحرم الجامعي، واحترام اللوائح القانونية للحرم الجامعي، وعدم هتكها بالمنكرات والممنوعات التي قد تعرض الطالب للمساءلة القانونية، وتكوين علاقات جيدة مع الطلاب والطالبات والمُعلمين والمعلمات في حدود الدراسة، وعدم تحويل تلك العلاقات إلى علاقات عاطفية مشبوهة لا داعي لها.

وهنا نستطيع القول إن أغلب العلاقات العاطفية التي قد تصيب الشباب في المرحلة الجامعية سببها في كثير من الأحيان الفراغ، فلابد من استغلال الوقت، فهو كالسيف إن لم تقطعه قطعك، ونذكر هنا بعض من الأفكار التي من شأنها أن تجعل من الطالب الجامعي محترما لوقته، وهي في حد ذاتها أمانا له من الوقوع في فخ العلاقات المشبوهة أو الإهمال التحصيلي، فما أجمل الطالب عندما يسعى لفعل جملة من الأمور والتي منها: تحديد الهدف والتخطيط للوصول إليه، فتلك من أفضل الوسائل الذكية لاختصار الوقت والوصول إلى نتائج أفضل وأجمل وأكمل، وتنظيم الوقت واستغلاله وتقديم الأولويات والعمل على قاعدة الأولى فالأولى، فليس من السليم تقديم غير المهم على الأهم، واستغلال الفرص لتنمية المهارات فهي تمر مر السحاب ولا ينبغي إهمالها وتسويفها، ومن الجيد للطالب الجامعي حضور ورش العمل والدورات التي تعقد في الجامعة أو خارجها، بهدف تنمية مهاراته التي يحتاجها أثناء الدراسة الجامعية وبعدها، والاهتمام بالصحة البدنية والعقلية وذلك بممارسة الرياضة وتناول الأغذية الصحية التي تساعد البدن والعقل على القوة البدنية والتفكير العقلي، والاستفادة من التكنلوجيا وذلك باستغلال التطبيقات العلمية في الإجابة على الأسئلة التي تدور في ذهن الطالب أثناء مراجعة الدروس الجامعية.

وأخيرًا.. لا بُد من تذكُّر أنه كما إن الإسلام أعطى قيمة كبرى للعلاقة العاطفية والروحية للنساء من جهة الرجال حتى جاء في الحديث الشريف عن حفيد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الإمام جعفر الصادق: (اَلْعَبْدُ كُلَّمَا اِزْدَادَ لِلنِّسَاءِ حُبًّا اِزْدَادَ فِي اَلْإِيمَانِ فَضْلًا) وكذلك جاء النصح عن أمير البيان علي بن أبي طالب بقوله: (لاَ تَبْذُلَنَّ وُدَّكَ إِذَا لَمْ تَجِدْ لَهُ مَوْضِعًا) و(لاَ تَمْنَحَنَّ وُدَّكَ مَنْ لاَ وَفَاءَ لَهُ).

لذا عليك عزيزي الطالب أن تبدأ الآن التخطيط الفاعل والمستمر لمستقبلك بلا تسويف أو إهمال والعمل على تحقيق أهدافك، فأنت في عصر إن لم تستغل وقتك فيه لتحقيق مستقبلك المشرق، تأكد حتمًا ستأخذك الأهواء إلى حيث الشيطان وشباكه الضالة، وتذكر جيدًا أن الجامعة لم تحتويك إلّا لتجعلك إنسانا ناجحًا وموفقًا بعيدًا عن الملهيات فهل أنت على قدر تلك المسؤولية؟