75 عامًا على النكبة

 

محمد بن سالم التوبي

 

مرّت خمسة وسبعون عامًا على النكبة في فلسطين، حيث تم تشريد الآلاف من الفلسطينيين وطردهم من بيوتهم وأرضهم ودمّرت على إثر ذلك ممتلكاتهم حتى يتم مسح جريمة ذلك المغتصب للأرض والبيت، خمسة وسبعون عامًا من المخيمات في دول الجوار ومعاناة أجيال أبناء الفلسطينيين من ذلك الطرد المهين، ما يزيد من نصف قرن وما زال الفلسطيني يحنّ إلى بلاده وأرضه وزيتونه وبرتقاله الذي تركه وراء ظهره قسرًا.

ما يزيد عن 75 عامًا من الأعوام العجاف التي عانى فيها الفلسطيني من التشرد وكأنه طريد يطالبه طريده بدم وهو في حالة من الجزع والخوف والهروب، هذا الفلسطيني المظلوم يتنقل من دولة إلى أخرى وكأنّه مجرم وما هو إلا صاحب قضية في هذه الحياة تنتقل معه حيثما حلّ وارتحل، يحمل حلمه الذي لم يمت بقلبه على أمل أن تشرق شمس فلسطين السليبة ويرجع إلى زراعة برتقاله وإلى زيتون جدّه وإلى كروم بيته التي كان يقطفها عندما كان صغيرًا.

 

الفلسطيني مرّ بمراحل من العذاب والفراق والشتات التي لا أتصور أن شعبًا على وجه الأرض مرّ بتلك المعاناة التي مرّ بها. هل تسمع عن مخيمات في هذا الكون مرّ عليها نصف قرن من الزمن غير مخيمات الفلسطينيين، هذه المخيمات التي تعاقبت عليها أجيال من أبناء الفلسطينيين على مسمع ومرأى من العالم الذي شهد على النكبة في عام 1948، وإلى يومنا هذا ما زال العالم يشاهد تلك المخيمات التي هي شاهد على الذل العربي والخزي والعار الدولي.

 

النكبة التي هي نتاج مشروع التحالف الصهيوني اليهودي الذي قضى بطرد الفلسطينيين من أرضهم وإحلال اليهود مكانهم، وبالتالي بوادر تشكيل دولة يهودية في العمق العربي حتى يتم السيطرة على الدول العربية بعد انسحاب بريطانيا وأفول الاستعمار المباشر للدول العربية والتحول إلى استعمار حديث مبني على السيطرة على اقتصاد هذه الدول؛ وذلك من خلال خلق المشاكل وتخويف الحكومات والسيطرة على الحُكّام ومنع هذه الدول من الصناعات وتجهيز جيوش قوية تدافع عن بلدانهم؛ بل نصّبت نفسها دولة حامية لهذه الدول من بطش جيرانها.

 

لم يكن عام 1948 وما حدث فيه هو وليد الصدفة، وإنّما سبق ذلك عمل منظم من تحركات وعمليات قتل وطرد في ظاهرها عمليات فردية؛ ولكن في حقيقتها كانت مُنظّمة من أجل خلق حالة من المسوغات لطرد الفلسطينيين وإجبارهم على التخلي عن ممتلكاتهم بالتخويف، وما عملته المنظمات الإرهابية اليهودية- والتي ساهمت بشكل كبير في إرهاب الفلسطينيين والتهديد بقتلهم وحرق ممتلكاتهم- ساعد بشكل كبير في نزوح بعضهم إلى مدن أخرى داخل فلسطين أو دول الجوار.

وجاء عام 1948 وهو العام الذي طرد فيه ما يزيد من 800 ألف فلسطيني وتهجيرهم إلى لبنان والأردن ومصر وسوريا والعراق وفي الداخل الفلسطيني؛ أي بعد التقسيم الذي عملته الأمم المتحدة في عام 1947 ممّا مكّن الصهاينة من إيجاد مسوغات لطرد الفلسطينيين على مراحل، منها ما قبل انتهاء الانتداب البريطاني واستُكمل بعضها بعد الانتداب، وقد حدثت مجازر دموية قتل على إثرها الآلاف من الفلسطينيين، وقد أجبرهم ذلك على النزوح والهروب من الموت.

النكبة هي عنوان للتشرّد والشتات والمخيمات والحروب والقتل والطغيان والمجازر، النكبة تعني فقدان أرض عربية وفقدان وطن واغتراب فلسطيني، وتعني الفقر والدم والجوع، وفوق ذلك كله تعني الهزيمة العربية والتراجع عن النصر والاستسلام والتطبيع الذي تحاول إسرائيل أن تصل إليه بعد هذه العقود من الزمن، ولكن هيهات أن يكون لها ذلك وفي غزة رجال كأبي عبيدة ويحيى السنوار.

تعليق عبر الفيس بوك