المُحاكمة التاريخية

 

علي بن بدر البوسعيدي

ساعات قليلة وتبدأ أول محاكمة في التاريخ لدولة الاحتلال الصهيوني، فلأول مرة تقف حكومة تل أبيب أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني، تلك المحاكمة التي تأخرت 75 عامًا، منذ أن اغتصبت العصابات الصهيونية أرض فلسطين، وهجّرت أهلها وبدأ مسلسل جرائم الحرب والإبادة الجماعية بحق هذا الشعب المناضل الصامد.

يوم الخميس تبدأ أولى جلسات المحاكمة المنتظرة منذ أمد بعيد، لتمثل دولة الاحتلال أمام العدالة الدولية، بعد القضية التي رفعتها دولة جنوب أفريقيا، بكل جرأة وشجاعة، غير مكترثة بما قد تفقده من مصالح أو صفقات استثمارية أو تبادلات تجارية، لأنها وضعت نصب عينيها إعلاء كلمة الحق ونصرة المظلوم وإغاثة المُستضعف. وهذا موقف مُشرِّف يُحسب لهذه الدولة، رغم أنها ليست دولة عربية ولا دولة إسلامية، لكنها دولة إنسانية، تؤمن بحق الإنسان في الحياة الكريمة بكل كرامة وعزة نفس وإباء، دون أن يتعرض هذا الإنسان إلى الظلم والتنكيل والقتل والإبادة والتهجير القسري واغتصاب عرضه وأرضه.

الآن تمثُل إسرائيل رغم جبروتها وغطرستها الزائفة، اليوم تنكسر إسرائيل التي دأبت أن تتفاخر زورًا وبهتانًا بأن لديها الجيش الذي لا يُقهر، ليتضح لنا أنها ليست سوى بيت عنكبوت هش فارغ لا قوة له ولا حول. ولا شك أن محاكمة إسرائيل هي محاكمة ضمنية للولايات المتحدة التي يُباد الشعب الفلسطيني بأسلحتها الفتّاكة، وهي محاكمة للضمير الإنساني الذي ظل صامتًا أخرس لا يتفوّه منذ أكثر من 3 أشهر من العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة، والانتهاكات البشعة التي تمارسها قوات الاحتلال في الضفة الغربية والقدس المحتلتين.

وأخيرًا.. لقد شاءت الأقدار أن نشهد بعد كل هذه العقود من الاحتلال والبطش والتنكيل بأشقائنا الفلسطينيين، محاكمة هذا الكيان المُحتل على واحدة من جرائمه، رغم أننا كُنّا نأمل أن يُحاكم على كل الجرائم، جريمة احتلال الأرض، جريمة سرقة الأرض وخيراتها، جريمة التهجير القسري للشعب الفلسطيني وطرده من أرضه طيلة 75 عامًا، جريمة الإعدام الميداني للأبرياء في مختلف المواجهات التي خاضها الشعب الفلسطيني عندما كان يتظاهر سلميًا في وجه المُحتل البغيض.. جرائم لا عدد لها ولا حصر لم يُحاكم عليها الاحتلال الإسرائيلي، لكن من المؤكد أنه سيأتي اليوم الذي ينال فيه المجرم عقابه، ويتجرع ذُل العقوبة؛ لأن الحق أبلج والباطل لجلج.