معاملات ضحية سلوكيات وظيفية

 

جابر حسين العماني

jaber.alomani14@gmail.com

 

كنت بحاجة ماسة إلى إنجاز معاملة في إحدى المؤسسات الحكومية والخدمية، خرجت مُبكرًا، وصلت إلى موقع إنجاز المعاملة في الوقت المحدد؛ حيث تشير الساعة إلى الثامنة والنصف صباحًا، ولكني تفاجأت بغياب بعض الموظفين، وعند سؤالي عن سبب غيابهم، قيل لي: عليك الانتظار قليلًا فهم مشغولون بتناول وجبة الإفطار، مما سبب ذلك تأخيرًا في إنجاز معاملتي ومعاملات عدد من المواطنين.

إن من أهم الواجبات الضرورية التي أكد عليها الإسلام الحنيف، وتعرض لذكرها القرآن الكريم، وحثَّ على تفعيلها في المجتمع، هو تيسير معاملات الناس في المواقع الخدمية، وعدم تأخيرها وتعقيدها وتعسيرها، حتى لا يسبب ذلك إذلالًا أو إهانة أو إحراجا للمواطنين وتأخير إنجاز معاملاتهم وتعطيلها، وقد قال تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ وقال سيد الأنام محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم: (يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا وَبَشِّرُوا وَلاَ تُنَفِّرُوا).

وأكثر المجتمعات ممارسة للنجاح والإنتاج والازدهار، هي تلك المجتمعات التي تؤمن بأهمية الإخلاص والإتقان والتفاني في أداء رسالة العمل، وذلك لا يكون إلا بتسهيل وتيسير وتبسيط الأنظمة الخدمية فيها، حيث تقوم بتوفير ما يحتاجه الناس من تسهيلات لإنجاز معاملاتهم بلا تأخير أو تعقيد، مما يسبب ارتياحا للمواطنين من الناحية النفسية والذهنية والبدنية، بل ويكون سببًا لمزيد من العطاء والإنتاج الاجتماعي على مستوى المجتمع، أما المجتمعات التي لا تؤمن إلا بتعقيد الأنظمة الخدمية فيها، فهي حتمًا تعيش الكثير من التذمر والإحباط والتخبط والتخلف في شتى القطاعات الاجتماعية والأسرية والوطنية، ذلك إنها وقفت في مكانها ولم تسعَ للبحث عن المبادرات الهادفة لتطوير وازدهار مؤسساتها وإمكانيات موظفيها.

اليوم عندما نتأمل أحوال الإنسان وتأريخه الطويل، نجد أنَّ الإنسان كان يجتهد من أجل تطوير مهاراته العلمية والعملية، وذلك بهدف تقليل الكثير من الجهد على نفسه وعلى من هم حوله، وعلى سبيل المثال فقد كان الإنسان يجتهد لساعات طويلة في إعداد أنواع معينة من الطعام، ولكنه أصبح اليوم يستطيع توفير الكثير من الجهد والوقت الذي كان يهدره باستخدام الآلات الحديثة، التي جعلته يحظى بالكثير من الاختصارات وسرعة العمل، بحيث استطاع استثمار الكثير من الأوقات المهدورة بالشكل الأفضل والأجمل والأكمل، كذلك هو الحال في المواقع الخدمية ينبغي استغلال كل ما له دور في إنجاز معاملات الناس، وليس هناك أفضل من استخدام الأنظمة الإلكترونية التي يمكن من خلالها تسهيل وتسريع إنجاز معاملات المراجعين.

ولأن هناك اليوم جملة من الظواهر السيئة في بعض الدوائر الخدمية في بلادنا العربية والإسلامية، والتي تتسبب في تعطيل معاملات المواطنين، ومن الواجب الوقوف عندها بهدف اصلاحها وتنظيمها، وهنا أذكر بعضا من تلك الظواهر السيئة التي باتت تؤرق المجتمع وأبناءه، وهي كالآتي:

  • الظاهرة الأولى: بُطء شبكات الإنترنت وتعطلها، وهذا ما يلاحظه ويعاني منه المواطنين بشكل متكرر في بعض الجهات الحكومية والخدمية، مما يسبب تأخير وتعطيل إنجاز معاملات المراجعين، وهنا تقع مسؤولية كبيرة على الجهات المسؤولة في البلاد لتوفير أفضل وأجود خدمات الإنترنت في مواقع العمل مواكبة للحداثة العالمية، ففي زماننا كل شيء تغير إلى الأفضل، ونحن يجب أن نكون جزء لا يتجزأ من ذلك التغيير، لذا ينبغي اللحاق بركب العصر ومحاولة التطوير المستمر بهدف خدمة الوطن والمواطنين وأداء المسؤولية الوطنية.
  • الظاهرة الثانية: الأحاديث الجانبية التي تشغل بعض الموظفين عن أداء مسؤولياتهم أثناء فترة العمل، وهي من الظواهر السلبية التي تتسبب في عرقلة وتأخير انجاز معاملات ومصالح الناس، لذا ينبغي على الموظف احترام أوقات العمل واستغلالها في خدمة الوطن والمواطنين على أحسن وجه.
  • الظاهرة الثالثة: استخدام بعض الموظفين أجهزة الهاتف أثناء فترة العمل، والإنشغال ببرامج التواصل الاجتماعي، مما يسبب ذلك ضعف التركيز أثناء العمل، وازعاج الموظفين الآخرين والتشويش على عملهم، وبالتالي يتم تأخير إنجاز معاملات الناس ومصالحهم.
  • الظاهرة الرابعة: كسل الموظف بحيث لا يعطي أي اهتمام لأداء عمله، فتراه يسهر الليل ويتبعه بالنهار، وفي وقت العمل الرسمي يرهقه التعب والكسل، فيتثاقل عن أداء وظيفته وعمله، ويكون بذلك سببا لعرقلة وتأخير انجاز معاملات الناس، قال حفيد الرسالة الإمام الصادق: (لِلْكَسْلاَنِ ثَلاَثُ عَلاَمَاتٍ: يَتَوَانَى حَتَّى يُفَرِّطَ، وَيُفَرِّطُ حَتَّى يُضَيِّعَ، وَيُضَيِّعُ حَتَّى يَأْثَمَ).

ولقد كتب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام إلى أحد عماله: (أَمَّا بَعْدُ.. فَإِنَّ دَهَاقِينَ أَهْلِ بَلَدِكَ شَكَوْا مِنْكَ غِلْظَةً وَقَسْوَةً وَاِحْتِقَارًا وَجَفْوَةً، وَنَظَرْتُ فَلَمْ أَرَهُمْ أَهْلًا لِأَنْ يُدْنَوْا لِشِرْكِهِمْ، وَلاَ أَنْ يُقْصَوْا وَيُجْفَوْا لِعَهْدِهِمْ، فَالْبَسْ لَهُمْ جِلْبَابًا مِنَ اَللِّينِ تَشُوبُهُ بِطَرَفٍ مِنَ اَلشِّدَّةِ، وَدَاوِلْ لَهُمْ بَيْنَ اَلْقَسْوَةِ وَاَلرَّأْفَةِ، وَاُمْزُجْ لَهُمْ بَيْنَ اَلتَّقْرِيبِ وَاَلْإِدْنَاءِ وَاَلْإِبْعَادِ وَاَلْإِقْصَاءِ إِنْ شَاءَ اَللَّهُ).

  • الظاهرة الخامسة: نفسيات بعض الموظفين؛ حيث إن هناك بعض الموظفين ينظر إلى المواطن شكلا أو مظهرا أو اسرة أو انتماءً أو جنسًا، فيهتم بمعاملة المواطن أو يهملها بحسب نفسيته ومزاجه، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (النَّاسُ كَأَسْنَانِ الْمُشْطِ سَوَاءٌ). وقَالَ اَللَّه تعَالَى: "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اَللّٰهِ أَتْقٰاكُمْ".

لذا.. ينبغي على الموظف أن يعلم جيدًا أن على عاتقه مسؤولية عظيمة، فيجب عليه الإخلاص والوفاء لها، وهي مسؤولية إتقان العمل المراد إنجازه، والانتهاء منه بأفضل ما يكون، وذلك ببذل الجهود المستمرة، واجتناب التراخي في العمل، والعمل الجاد على احترام خدمة المراجعين، وإنجاز معاملاتهم بأفضل ما يكون.