الخبرة.. سلاحٌ عكسي

 

ناصر بن سلطان العموري

abusultan73@gmail.com

 

بعد مقال سابق نشر في صحيفة "الرؤية" الغراء بعنوان "حلم التوظيف" أواخر السنة المنصرمة وتحديدًا في شهر ديسمبر، لاقى المقال وقتها قبولًا وتداولًا، نظرًا لأنه كان يمس شريحة كبيرة من الباحثين عن عمل؛ بل ويتطرق لمعضلة كبيرة تواجه المجتمع ويعاني منها الكثيرون.

وحتى لا نذهب بعيدًا، وردتنا عبر الإيميل مناشدة أخرى من باحثة عن عمل، لكنها وردت في شكل مختلف عن السابق، نطرحها عبر هذا المنبر كما وصلتنا بكل أمانة:

"أنا باحثة عن عمل منذ ما يقارب سنة كاملة أو أكثر، وأملك من الخبرات قرابة 8 سنوات، ومن خلال عملي في قطاع المبيعات والتسويق عملت لدى عدة شركات بالسلطنة، لكن دوام الحال من المحال، والقطاع الخاص للأسف الشديد لا يضمن استمرارية الموظف العماني ولا استقراره، إلّا فيما ندر من الشركات؛ فالمسؤول الأجنبي يُفضِّل أن يوظِّف بني جلدته على حساب العماني.

وأثناء رحلة عملي في القطاع الخاص خضعت لعدة مقابلات في عدة شركات؛ بل وقبلت بالراتب المعروض منهم مُجبرة لحاجتي في الوظيفة، رغم أن خبرتي تشفع لي براتب أكبر، إلّا ان ما فاجأني من بعض الشركات بعد أن أتخطى مجموعة من المقابلات وأنال الثناء على حسن أدائي من الموارد البشرية أو المدير العام بكلمات إطراء رنانة؛ بل منهم من يبعث لي بجواب اطمئنان "أنا قبلتك من الآن ويجب عليك الانتظار حتى تكملة الإجراءات"، لكن فجأة أجد سلاح الخبرة ينقلب ضدي، من خلال تعليقهم على سيرتي الذاتية الخاصة بأنها ممتازة جدًا كمبيعات وتسويق، لكن عملي في شركات منافسة سابقًا وفى نفس تخصصنا، يسبب لنا القلق، خوفًا من انتقالك لشركة منافسة أخرى مستقبلًا!

أليس من المفترض والبديهي أن الخبرة تمثل سلاحًا فعّالًا لصالح الباحث عن عمل، وأنها عنصر كفاءة وتميز؛ بل وتتنافس من أجله الشركات لا أن تتخوف منه وتنفر؟!

صادفتُ أمورًا غريبة عجيبة من بعض الشركات، كلها تسعى لاستغلال الباحثين عن عمل خصوصًا أصحاب الخبرة؛ فمنهم من يود توظيفي دون عقد، ومنهم من يود استغلال خبرتي فقط لجني الأرباح السريعة دون وجود خطة واضحة المعالم من معرفة منافسيهم ورغبات عملائها والاسعار المتوفرة في السوق لنفس المنتج وبعد أن يأخذ مبتغاه.. كِش ملك!

ولإيضاح الأمر المبهم عليّ والذي لم أجد له حلًا، ذهبت الى وزارة العمل وذكرت لهم عمّا جرى لي ولم أجد عندهم ردًا؛ بل قابلوني بابتسامة مُبطّنة وكأنهم يقولوا لي هذا هو حال الشركات لدينا.. ماذا نحن فاعلون؟!

حاولتُ مُسبقًا أن افتح المشروع الخاص بي، والذي أُسخِّر فيه خبراتي، لكن ما باليد حيلة، فقد حاصرتني القروض البنكية بعد أن توقف مشروعي أثناء فترة وباء كورونا حالي كحال الكثيرين من أمثالي.

سنة كاملة وأنا بلا عمل، والممل يقتلني، والسؤال ما زال يدور في رأسي ويُحيِّرُني: لما تنفر الشركات من خبراتي؟ ألّا يُفترض أن أكون المكسب لهم وهم من يسعون خلفي؟ أم هي حجج واهية دون أسباب واعية من قبل هذه الشركات؟ أم فعلًا هو سيناريو تمارسه بعض الشركات من خلال إيهام وزارة العمل أنهم أجروا عددًا من المقابلات مع المواطنين، لكنهم لم يجدوا الشخص المناسب.. في المقابل ما زال الموظف الأجنبي يجلس على مكتبه معززًا مكرمًا؟!". (انتهت المناشدة).

مع كل التقدير للجهود التي تقوم بها وزارة العمل فيما يتعلق بتوفير الوظائف وتقليص عدد الباحثين عن عمل وحماية الشاب العماني من الفراغ والملل، أعتقدُ أن هذه المناشدة تثبت أن هناك حلقة مفقودة بين ما تقوم به وزارة العمل من جهود وما يجب على شركات القطاع الخاص القيام به في المقابل، من تعاون وتسهيل غير موجود على أرض الواقع، وما ذُكر عبر هذه المناشدة ما هو سوى نموذج من نماذج عدة من معاناة الشباب وألمهم ووجعهم في اللهاث وراء لقمة عيش شريفة فهناك العديد مثلها يعاني الأمرين في القطاع الخاص.

الكثير من الباحثين عن عمل وخصوصا الشباب منهم من يستغل استغلالا مخزيا للبقاء في وظيفة لا توفر له المستوى الأدنى من كرامة العيش.. فلا حماية تحميهم ولا قانون يصون حقوقهم ولا قواعد ترفع من شأنهم كأبناء لهذا الوطن.

أرجو من كل جهات الاختصاص بالمواطن العماني.. وزارات وهيئات ومؤسسات ومجالس منتخبة.. النظر في هذا الموضوع المهم والحساس، وجعله من أولويات جدول أعمالهم، ومتابعة أبناء هذا الوطن وضمان حياة كريمة شريفة لهم، فهم عروق هذه الأرض وجذورها وأغصانها وأوراقها، وهم من يستحقون التنعُّم بخيراتها، وأي تقصير أو عدم اهتمام بهذه الشريحة من المجتمع ستكون نتائجه المستقبلية غير جيدة على الإطلاق.

اللهم احفظ هذا الوطن وأهله.