قوافل الشهداء

 

د. سالم عبدالله العامري

يُسطِّر الشعب العربي الفلسطيني ملحمةً نضاليةً بطوليةً ستُخلَّد في التاريخ، قدَّم فيها قوافل من الشهداء ولا يزال مستعدًا لتقديم المزيد من التضحيات من أجل تحرير الأقصى مسرى الرسول وأولى القبلتين وثالث الحرمين.

أمام مرأى الجميع شاهد العالم كيف يودع الفلسطينيون شهداءهم في ثبات ورباط وقوة إيمان لم يشهد له مثيل في أي وقت وزمان، في اليوم الذي تودع فيه قوافل الشهداء إلى الآفاق يولد النور من جديد في الميادين والأنفاق. فلسطين العربية الكنعانية الأصل، ستظل كما هي في قلب العالم العربي والإسلامي، القبلة الأولى والقضية العربية شاء من شاء وأبى من أبى، عربية هي بكل جوارحها من رأسها إلى أخمص قدميها، هي كما قال المتنبي "الشمس في كبد السماء وضوؤها يغشى البلاد مشارقًا ومغاربًا"، وهي الحقيقة التي يدركها جميع البشر بعقولهم وقلوبهم، يعرفها كل من دبَّ على الأرض حتى وإن اختلفوا عليها، يعرفونها حق المعرفة، يعرفون قضيتها ويعرفون من اغتصبها حتى وإن أنكروا ذلك، فالشمس لا تغطى بغربال.

فلسطين أرض المُعجزات ومهبط الديانات وموطن الأنبياء، أخذت مكانتها العظيمة مما حوته من رموز ومقدسات، بلد التين والزيتون وأسطورة الحرية والأحرار هي الثورة والثوار هي المقاومة والكرامة، ستبقى للفلسطينيين كلها من النهر إلى البحر، هي دم يجري في عروق كل إنسان حر شريف ولسان حاله يقول " أنا دمي فلسطيني" قضية الأبطال والشرفاء لن ينال شرف تحريرها إلا الأحرار.

في قلب كل جنين مكتوبة فلسطين، محفورة في القلب والوجدان والتاريخ رغم أنف الحاقدين والمستعمرين، يردد الفلسطينيون "إنا باقون ما بقي الزعتر والزيتون" و"أسياد نحن ولسنا عبيد" إنهم متجذرون في أرضهم متمسكون بوطنهم يضعون آمالهم وأحلامهم في ديارهم ولن يخرجوا من أرضهم ولن يهاجروا، يرون أن الطريق إلى فلسطين قد اقترب وستكون حرة وبين أيديهم ولسان حالهم يقول ما قاله رسام الكاريكاتور الفلسطيني ناجي العلي "الطريق إلى فلسطين ليست بالبعيدة ولا بالقريبة إنها فقط بمسافة الثورة".

فلسطين هي ملتقى القارات ونقطة التقاء الممرات، أصبحت محط أطماع الغزاة المستعمرين والمحتلين، وصارت رمزاً للصراع بين الحق والباطل بين الخير والشر، هذا الباطل الذي لا يأنف أن يستخدم أقذر الأسلحة التي لديه في كل زمان ومكان، لمواجهة الحق؛ فلا مبادئ ولا أخلاق للباطل في صراعه مع الحق، إلا أننا على يقين من أن النصر والغلبة في نهاية المطاف ستكون للحق على الباطل، مصداقاً لقوله تعالى: " وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ، فدولة الباطل ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة.

قوافل من الشهداء سالت دماؤهم الزكية ولا زالت تسيل لتسطر سجلاً حافلاً بالبطولات والتضحيات والمجد والفداء هي شرف وفخر واعتزاز لكل مسلم على ثرى تلك البسيطة، رجال صدقوا العهد والوعد فمنهم من مات على الصدق والوفاء ومنهم من ينتظر إحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة "مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا" (الأحزاب: 23)، ما غيروا عهد الله ولا بدلوه، فربط الله على قلوبهم أن اصبروا وصابروا ورابطوا واستبشروا بنصر من الله وفتح قريب.

ختامًا.. نسأل الله الرحمة للشهداء، والشفاء العاجل للمصابين والجرحى، والحرية والمجد لفلسطين الأبيّة.

تعليق عبر الفيس بوك