سارة البريكية
مَرَّ وقت طويل على آخر رسالة تلقيتها من مؤسسة دعتني كي أتدرب فيها لمدة ثلاثة أشهر، كانت بمثابة طوق النجاة، في وقت كنت انتظر فيه بشارة أمل؛ فبعد سنوات الانتظار والتعب والدراسة، يُخيَّل لك أنك ستجد وظيفة أحلامك، فتفرح بتلك البشرى، وتنضبط وتؤدي مهام عملك على أكمل وجه؛ لتصدم بعد ثلاثة أشهر من الجهد، بأن وقتك وتعبك ذهب سدى في مهب الريح، وأن الأحلام التي رسمتها، والتخيلات التي كنت تصوغ نهايتها الجميلة باتت خيبات، وتدور هذه الحياة في وجهك، عندما يخبرك مديرك في العمل، أنه لا يوجد شاغر، وأننا سعدنا بتواجدك معنا لمدة ثلاثة أشهر وفرصة سعيدة!
تتمالك نفسك وتشعر بقوة خفية تجعلك غير مُهتم لتلك الصاعقة التي نزلت على رأسك ولكن تنتظر انتهاء ساعات العمل الطويلة وتترك كل شيء وتمضي تاركًا صندوق أحلامك على طاولة البؤس والتمني فتتوالى عليك الخيبات وأنت في طريقك إلى المنزل.
تركن تلك السيارة التي استأجرتها لمدة ثلاثة أشهر- حتى تكون إنسانًا مُنضبطًا في العمل- على حافة الطريق، وتتأمل الساعات التي قضيتها وأنت ذاهب وعائد إلى مقر عملك، وكان سقف توقعاتك الذي رسمته عاليًا ومرتفعًا، أما دعاؤك المستمر وطلبك المتكرر من الله أن تُثبت في ذلك العمل وصلوات الحاجة اليومية وتضحيتك وتظاهرك بالصحة في عز المرض وتحمل كل العقبات في سبيل أن تكون إنساناً ناجحاً.. كل ذلك ذهب وتبخّر!
إذن من أين سيأتي التفاؤل؟ وأنت شخص مُحطَّم كليًا، مرت عليك السنون العجاف وأنت في بلد يزخر بالخيرات، وتقول لنفسك: أما من وظيفة أسد بها قلة حيلتي؟ أما من وظيفة تكفيني عن سؤال النَّاس؟ أما من وظيفة تجعلني أُسخِّر قدراتي التي امتلكها لخدمة مجتمعي؟ أما من وظيفة تكون لي عونًا؟ أما من وظيفة أتكئ عليها في ظل المتغيرات الحياتية؟ أما من أذن تسمع وعقل يعي وقلب يتفكر؟!
أي تفاؤل وأنت لم تعانِ ما عنيت ولم تحس بإحساسي؟ وأن ملعقة ذهبية التي ولدت وهي في فمك لم أرها رغم أنني ناضلت وجاهدت وسعيت، ولكن لم يكن سعيي مشكورا، لعله ابتلاء أو أنها ظلمات يونس أو غياهب جب يوسف أو رياح موسمية مؤقتة أو حبال وصل مقطوعة، ولعل المسير لم يبدأ بعد، ولعلني أناجي وألوم القدر كحال بقية الخريجين الذين باتوا عالة على أهلهم وذويهم، وتقطعت بهم الأسباب وأصبح الواحد منهم يرضى بأقل الأعمال من أجل أن يحصل على قوت يومه؛ فمنهم من اتجه لبيع أصناف المأكولات على الطرقات، ومنهم من فتح حسابًا على منصات التواصل للترويج عن شيء ما يقوم به لطلب الرزق، ومنهم من بكى على الأطلال ومنهم من يفكر فيما هو أبعد من ذلك.
فمن أين يأتي التفاؤل، لا سماء تتسع للكلمات ولا بحار تعي قدر الألم الداخلي ولا جبال تثبت في وجه ذلك الخريج الذي مرت سنوات عمره وهو ينتظر ذلك الشاغر الوظيفي الذي ربما لن يأتي.
نداء..
من هنا أوجه ندائي إلى وزارة العمل للنظر العاجل والسريع واتخاذ ما يلزم لتوظيف أكبر قدر من الخريجين أصحاب درجة البكالوريوس والذين مرت عليهم سنوات وهم بانتظار الوظيفة أن يتم توظيفهم هذا العام، مع تذليل الصعاب وبعث الأمل في نفوسهم المحطمة وإيجاد شواغر وظيفية مرنة تتناسب مع هذا الوقت وهذا العمر وهذا الانتظار.
لقد مرت السنوات وأنا انتظر تلك الوظيفة وقد مرت الليالي وأنا مستلقية على طاولة أوراقي وقصائدي وذكرياتي، فمن أين يأتي التفاؤل، ولا سبيل للوصول، فهل من أحد يسمع هذا النداء؟!