الحفاظ على هويتنا العمانية

 

محمد بن حمد البادي

mohd.albadi1@moe.om

 

الحادي عشر من يناير، يومٌ من أيام عُمان الخالدة، يومٌ سطّره العمانيون في سجلات تاريخهم المجيد بمدادٍ من ذهب، يومٌ تولى فيه جلالة السلطان هيثم بن طارق المُعظم- حفظه الله ورعاه- مقاليد الحكم في البلاد، ممسكًا جلالته- أيده الله- زمام المبادرة ليكون قائدًا ودليلًا لمسيرة النهضة المظفرة، متعهدًا بأن يرعاها حق رعايتها لتكون نجمًا لامعًا في سماء العز والفخر، مواصلًا البناء والعطاء في عهد سعيد تتبوأ فيه عمان مكانةً سامية بين الأمم؛ تليق بحضارتها وتاريخها الضارب بجذوره في أعماق التاريخ.

يومٌ استقبل فيه العمانيون سلطانهم بالولاء والعرفان لما توسمنا فيه من صفاتٍ حميدة وقدرات عظيمة تؤهله لحمل هذه الأمانة.

يومٌ بدأنا فيه عهدًا سعيدًا؛ ونهضة متجددة؛ كحكاية جميلة بدأنا كتابة أول فصل من فصولها في عام 1970م، وتحديدًا عند بزوغ فجر الثالث والعشرين من يوليو المجيد، ذلك اليوم السعيد الذي تولى فيه السلطان الراحل قابوس بن سعيد بن تيمور- طيب الله ثراه- مقاليد الحكم في البلاد، معلنًا للجميع أن عُمان دخلت عصرًا جديدًا ونهضة مباركة عنوانها البناء والتعمير.

تلك النهضة التي نفخر ونفاخر بها بين الأمم، والتي نعتز بما حققناه من خلالها من تقدم وازدهار في جميع المجالات، تلك النهضة التي نحافظ بها على قيمنا من الانحلال، ونحافظ بها على مبادئنا التي نشأنا عليها من الانحطاط، ونحافظ بها ومن خلالها على عقد عاداتنا وتقاليدنا من الانفراط، ونحافظ بها على سياستنا الداخلية والخارجية لتكون معتدلة لا تفريط فيها ولا إفراط، ونحافظ بها على رموزنا وشعاراتنا الوطنية من السقوط، ونحافظ بها على مُثُلنا العليا من أن تمسها أيدي العابثين.

تلك النهضة المتجددة التي نعتبرها قاموسًا شاملًا يحوي كل مفردات تراثنا المادي وغير المادي، تلك النهضة التي أكسبتنا اعتزازًا وفخرًا لا يوصف بهويتنا العمانية، نحلق بها إلى مراتب أسمى وفضاءاتٍ أرحب، مسارعين للمجد والعلا.

فكل عام وسلطاننا المفدى بألف خير، مجددين له الولاء والوفاء، وكل عامٍ وبلادنا الحبيبة في ازدهارٍ ورخاء، وكل عام وحسّنا الوطني في تجددٍ ونماء، وكل عام وهويتنا العمانية تكتسي نورًا وبهاء؛ وكل عام وانتماءنا الوطني يرتقي هام السماء، وكل عامٍ وأرض عمان في سلامٍ وصفاء، فيا عمان نحن من عهد النبي، أوفياء من كرام العربِ، فارتقي هام السماء واملئي الكون ضياء، واسعدي وانعمي بالرخاء.

إنَّ الارتقاء بعُمان إلى الذرى العالية من السمو والرفعة التي تستحقها لهو واجبٌ وطنيٌ، وأمانة عظيمةٌ، وعلى كل مواطن- أينما كان موقعه على الخريطة- دورٌ يؤديه في هذا الشأن، فلننفتح على العالم في توازن ووضوح، ولنتفاعل معه بإيجابية لا تفقدنا مثقال ذرةٍ من أصالتنا الإسلامية والعربية، ولا تنسينا هويتنا العمانية الأصيلة.

إن الهوية العمانية التي تبلورت من خلال تناغم فريد بين المبادئ والقيم الإسلامية والعادات والتقاليد العربية، لهي مظهر جلي من مظاهر الفخر والاعتزاز يفتخر به الإنسان العماني بين شعوب العالم.

من أجل ذلك كان لزامًا علينا اعتبار المبادئ والقيم والعادات والتقاليد وكل المفردات التي تشكل الهوية العمانية من الموروثات المادية الأصيلة التي استمدت أصالتها من أصالة الحضارة العمانية منذ القدم، إرثًا خالدًا متأصلًا تناقلته الأجيال جيلا بعد جيل.

ومما لا شك فيه أن من أبجديات الحفاظ على الهوية الوطنية عدم القبول بالقوانين الأممية والدولية التي تنشر بيننا أفكارًا تغريبية، كأن تفرض علينا ما نلبس وما نأكل وما نشرب وما نعتقد وما نأخذ وما نذر.

يجب أن نكون أصحاب فكرٍ عالٍ، وأن نكون في قمة اليقظة لمواجهة الاستعمار الثقافي الذي تشنه الدول التي تعتقد أنها شرطي العالم تقود الشعوب والمجتمعات نحو ما يحقق أهدافها الاستعمارية بصورة غير مباشرة.

وأخيرًا- وعبر هذا المقال- نبعث أسمى عبارات الشكر والتقدير والعرفان؛ نابعةً من أعماق القلب؛ لأولئك الذين لا يألون جهدًا في تعزيز الشعور بالانتماء الوطني لدى النشء؛ سواءً كان في المدارس أو في المنازل، وهم لا يزالون في سنواتهم الأولى، يستثمرون في عقولهم وأدبهم وبلاغتهم ورقيهم، يتعهدونهم تربيةً وتعليمًا وتثقيفًا؛ محافظين بذلك على نواة المجتمع من الانجراف وراء أفكار التغريب والتأثر بكل ما هو غربي، ومحافظين على الهوية العمانية من التغيير والتبديل.

الأكثر قراءة