كُن متفائلًا في العام الجديد

 

هنا السكاكري

ما أجمل أن نبدأ العام الجديد بالتفاؤل؛ فالتفاؤل فن تصنعه النفوس الواثقة بفرج الله فمن عرف باب الأمل لا يعرف كلمة المستحيل ومن عرف حقيقة ربه لم يتوقع إلا الجميل "أنا عند ظن عبدي بي" (حديث قدسي).

نهاية العام هي حصاد للأعمال، وهي مراجعة أحداث الماضي والتعلم منها أنها بالفعل مدرسة لكل من أراد النجاح في المستقبل. تفاءلوا بالخير تجدوه، ما أجملها من كلمة وما أروعها من عبارة، وهي فرصة لتقليب صفحات الماضي وبداية مليئة بالحماس والخير والأمل وحب الحياة. وما أسرع الأيام فهي تمضي عجلى تسابقنا وتأخذ من أعمارنا ونحن في غفلة منها إنها نهاية السنة، يستيقظ الإنسان منها ويعيد شريط ذكرياته فيها متأثرا بما مر عليه.

انتهى عام 2023 بكل ما فيه، وترك لنا سجلا ذاخرا من الذكريات لا نقول عام الفشل والنجاح واليأس والأمل، ولكنه كان مكتظا بالمواجهات والتحديات الصعبة كأحداث غزة والسودان فقد تسبب الحصار والنزوح والقصف الإسرائيلي المستمر على غزة في معاناة شديدة لسكان القطاع وخاصة الأطفال والنساء وأيضاً تأثر جميع المنطقة العربية والعالم.

وقد دعت مؤخرا الحملة العالمية لوقف فوري ودائم لإطلاق النار في غزة إلى جعل احتفالات ليلة رأس السنة الجديدة فرصة للدعوة إلى وقف لإطلاق النار في غزة، وتنفيذ فعالية رمزية مرافقة للاحتفالات المحلية في مختلف أنحاء العالم. وقال بيان لهذه الحملة إنها تدعو إلى جعل لحظة الاحتفال برأس السنة "فرصة لاتخاذ قرارات من أجل مستقبل أكثر إشراقا".

وأمنياتنا في العام الجديد هو الدعوة إلى وقف دائم لإطلاق النار وتحرير الأرض المحتلة من العدوان الغاشم المستبد بلا عودة إن شاء الله تعالى عاجلا غير آجل.

إن وقف إطلاق النار الدائم هو الخطوة الأولى لإنهاء الوضع الحالي المؤسف، وتحرك ملموس نحو مستقبل حيث يمكن للمجتمعات المتضررة من الصدمات إعادة البناء والتعافي".

وبعيدا عن المخاوف ففي ظل هذه الأجواء القاتمة، فإن الأمر لا يخلو من أصوات متفائلة، توحي بالأمل وتفريج الهم عن جميع المنطقة العربية والشعوب العربية.

أيضا كان من المتوقع ظهور توقعات بضعف الفيروس وانحساره وقد لا تكون السلالات المتحورة شديدة ويتحول الفيروس إلى فيروس تنفسي سائد كما يقال يتعامل معه الإنسان وستنتهي الجائحة عندئذ ويرجع الوضع طبيعيا تماما وتعود الحياة أجمل مما كانت. وبانتهاء الكورونا وما عقبها من القلق والصعوبات يتنفس الناس الصعداء قليلا مستبشرين بنهاية مأساة كورونا وتعود الحياة الطبيعية في غضون عام بعون الله.

وإن كانت سنة 2023، حقاً مليئة بالأحداث والتساؤلات، لكنها أيضاً كانت مليئة بالأحباب والتجارب حتى وإن كانت  التجارب على قدر من الصعوبة إلا أنها صنعت من الألم الأمل وصنعت من المستحيل إرادة وعزيمة وكل ما هو ممكن، هنا ولدت حكايات وقصص ومواقف، هنا صنعت لنفسك مدرسة من نوع آخر، مدرسة مختلفة، مازالت تجبرك على احترام روحك وعدم  التفريط والمبالغة في العلاقات حتى لأعز الناس إليك، تجنباً للعدوى، هنا وجدت أناس تقوّم الخطأ بالتدريج حتى تصل إلى الصلاح والهداية، هنا بنيت فكرك على قيم مهمة جدا، وهنا أيضاً تحملت وتعلمت الصبر والمحبة المطلقة لروحك، فقدرتها حق قدرها وتوصلت لقيمتها بعدما أدركت في الأعوام السابقة عدد الوفيات يومياً الذي كان يقارب عشرات الآلاف ولربما مئات الآلاف أيضاً، وكما قال الدكتور مصطفى محمود سابقاً: "إنه لو كانت الأشياء المادية أهم من الأشياء المعنوية، لما دفن الجسد في الأرض وصعدت الروح إلى السماء".

لنستعد لعام جديد وقلوبنا يغمرها الأمل في حياة جديدة هنيئة على مشارف عام 2024، ولو نظر كل منَّا إلى مرآة منزله ولو دقق كل واحد في وجهه جيداً وتدبر، وبسؤال كل واحد نفسه، هل قمنا بالتغيير المطلوب للوصول لأفضل صورة ممكنة من حياتنا؟ هل أنا راضٍ عن نفسي الآن وقبل الولوج الى عام جديد قد يتضمن صعوبات وتغييرات أخرى؟ هل أنا قادر على مواجهة تحديدات جديدة ومعرفة أشخاص جدد؟

كل هذه الأسئلة تبث بداخلنا اليقظة والوعي وتعمل على تجديد طاقات قوية لتشغيل محركات العقل والروح ليصل للإجابة عن هذه الأسئلة بشكل منطقي وسلس عليك فقط أن تجدد عزيمتك مع انتهاء العام لتبدأ العام الجديد بجد واجتهاد لتحقيق أهدافك.

كن متفائلا، ولا تنقل ما لا يستحق أن يكون معك في عامك الجديد لأنك ستشهد أحداثا جديدة ولا تفكر بآلام الماضي؛ فالسنة تمضي تلو الأخرى والبعض قد حقق شيئا والبعض الآخر لم يصل فلابد أن تدرك أن الأهداف قريبة وليست بالمستحيل.

ثق دائمًا أن الله سبحانه وتعالى وحده من يدفع النقم ويسبغ النعم ويزيل الهم ويكشف الغم ويسمع النداء ويجيب الدعاء وهو سبحانه أعدل من حكم، وأجود من سئل وأوسع من أعطى إن مسنا الضر أو ضاقت بنا الحيل فلن يخيب لنا في ربنا أمل، فالتفاؤل من الإيمان ويعمق الثقة بالنفس ويحفز على النشاط والعمل وهذه كلها عناصر لا غنى عنها لتحقيق النجاح.

وكتاب الله الحكيم يدعو للتفاؤل وقد ذكرت الكثير من الآيات الكريمة "سيجعل الله بعد عسر يسرًا" وأيضا حتى المذنبين يدعوهم ليتفاءلوا بمغفرة الله لهم "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله"، وأنبياء الله أيضا كانوا متفائلين جميعهم وكان نبينا الكريم يتفاءل بالكلمة الطيبة والاسم الحسن والهيئة الحسنة حتى في المرض يتفاءل "لا تسبوا الحمى؛ فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد" ولعل ما أهمنا يذهب خطايانا ويجدد قوانا وتعلمنا دروسًا مما سبق  لنا غير بناء حياة البشرية وأعادها من جديد.

تفاءلوا مع بداية العام الجديد ليذهب الألم وينبثق الأمل ولتروا جمال الحياة ورونقها فإنه لايراه إلا المتفائلون وأختم كلماتي بدعوة للجميع للتفاؤل "تفاءلوا بالخير تجدوه"، ولتجعلوا من حاضركم واحة من السعادة ومن مستقبلكم حديقة من الأمل لتحقيق النجاح

اللهم نهاية لكل ألم وفرجًا لكل هَمٍّ وفرحًا وسعادة، يا رب سنة 2024 هي سنة العوض والخير وجبر الخواطر إن شاء الله.. وكل عام والجميع بألف خير.

تعليق عبر الفيس بوك