هل كانت إسرائيل تعرف بهجوم "حماس"؟

 

مرتضى بن حسن بن علي

 

مع قرب دخول الحرب الإسرائيلية شهرها الرابع، وامتداد حالات العنف والاعتقالات والحصار، وتدمير المنازل، من غزة إلى الضفة الغربية، تتدحرج المأساة الإنسانية، ويتم قصف المنازل والمدارس والمستشفيات والمساجد والكنائس، ويقلب فيها النَّاس جوعهم وعطشهم، ويحصون فقد أحبتهم، ويفقدون الأمل في قيام الغرب بالوقوف معهم، أو تخفيف الظلم الذي ألحقه التاريخ بهم لعقود طويلة، كاشفًا بذلك عن "ازدواجية المعايير" عند الدول الغربية الكبرى عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية.

في ظل هذه المأساة الرهيبة تكشف وسائل إعلام مُتعددة، إسرائيلية وغربية، أن نتنياهو وأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية كانوا على علم بأنَّ حماس تخطط لشن هجوم كبير، لكن نتنياهو لم يأخذ أية خطوة لمنعه، حتى يتمكن وائتلافه الفاشي من تنفيذ الخطة المُعدة سلفًا لتهجير الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية وإسرائيل، وتحقيق حلم إسرائيل بقيام دولة يهودية من النهر إلى البحر، ولا وجود لأي عنصر مسلم أو مسيحي فيها.

ويتفق عدد من المحللين والخبراء، على صعوبة التصديق بأنَّ الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية لم تكتشف استعدادات حماس لشن هجوم كبير؛ لأنَّ قطاع غزة مُحاط بشبكات تجسسٍ تكنولوجيّة وبشريّة متنوعة، كما إن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية أظهرت على مدار عقود، قدرة كبيرة على اختراق حركات المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة عن طريق زرع شبكة واسعة ومحكمة من الجواسيس، ترصد ما يجري في القطاع. هناك يقين بين خبراء الاستخبارات يستبعد أنْ تخطط حماس لعملية بهذا الحجم من دون الكشف عنها وإحباطها.

من جهة أخرى، ذهبت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية المشهورة إلى أبعد من ذلك، وذكرت- استنادًا إلى وثائق سرية- أن الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية حصلت على وثيقة لحركة «حماس» واقعة في 40 صفحة تتحدث نقطة بنقطة عن هجوم واسع النطاق شبيه بالذي نفذته «حماس». وتتحدث الوثيقة في شكل أكثر دقة عن وابل من الصواريخ، وعن طائرات بلا طيار تدمّر كاميرات أمنية وأنظمة دفاع آلية، يليه عبور مقاتلين إلى الجانب الإسرائيلي بمظلات وسيارات وسيرًا على الأقدام، وهي عناصر كانت في صلب هجوم 7 أكتوبر.

 

كما يتضح الآن استنادًا لوسائل الإعلام الإسرائيلية والغربية أن الادعاءات الإسرائيليّة بشأن قيام "حماس" بقتل عدد كبير من المدنيين الإسرائيليين كاذبة ومُضللة، وأنّ عددًا كبيرًا من القتلى الإسرائيليين كانوا من ضباط الجيش والأمن والشرطة، وأنّ القاتل الأول للمدنيين الإسرائيليين يوم 7 أكتوبر لم يكن حماس أو الفصائل الفلسطينيّة الأخرى؛ بل الجيش الإسرائيليّ نفسه. وأظهر مقطع فيديو نُشر أخيرًا قيام مروحيات "أباتشي" إسرائيلية بإطلاق النار عشوائيًا على المدنيين الإسرائيليين الذين كانوا يحاولون الفرار، من دون التمييز بين المدنيين الإسرائيليين ومقاتلي حماس. علاوة على أن روايات شهود عيان من المدنيين والعسكريين أكّدت أنّ الغالبية العظمى من الضحايا قُتلوا بنيران الجنود والدبابات الإسرائيليّة وليس من مقاتلي حماس. وقد كشفت صحيفة "هآرتس" العبرية، عن مقتل إسرائيليين "خطأً بنيران صديقة في بلدات غلاف غزة يوم 7 أكتوبر، وأنه كان هناك عدد محدود (دون ذكر رقم) من الحالات التي تم فيها تحديد المدنيين. وأشارت الصحيفة إلى أنه "بحسب مصادر عسكرية" فإن تجنب الجيش القيام بالتحقيق كان بسبب الظروف غير العادية التي عملت فيها القوات الإسرائيلية.

ومن ناحية أخرى فإن "هداس دغان" الناجية الوحيدة من المنزل الذي قُتل فيه 14 أسيرًا إسرائيليًا من بينهم زوجها من قبل القوات الإسرائيلية يوم 7 أكتوبر، خرجت عن صمتها وصرحت بأن إسرائيل هي التي قامت بقصف المنزل الذي كان يضم الأسرى الإسرائيليين في إحدى المستعمرات، بينما زعمت إسرائيل أن الأسرى تم قتلهم من قبل حماس. وتفيد مصادر عديدة بوجود توجيه عسكري قديم تطبقه القوات الإسرائيلية يسمى "بروتوكول هانيبال"، الذي يسمح باستخدام الأسلحة في حالة أسر أي جندي إسرائيلي لمنع الآسرين من مغادرة الموقع مع الأسير.

تم صياغة هذا التوجيه أول مرة في عام 1986 من قبل بعض الضباط الإسرائيليين الكبار، يسمح للوحدات الميدانية بضرب الأسرى بمختلف أنواع الأسلحة لمنعهم من مغادرة موقع الحدث مع الأسرى، حتى إذا أدى لمقتل الأسرى.فالأسير الإسرائيلي المقتول في اعتقادهم أحسن من الأسير الحي لما يثير من ضغوطات لإطلاق سراحه، ويبدو أنه تم إحياء هذا البروتوكول بعد قيام الفصائل الفلسطينية باسر عشرات الإسرائيليين بعضهم ضباط برتب رفيعة بعد أن قام رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق "غادي أيزنكوت" بإلغائه أو تجميده في عام 2016.

وفي مقال بصحيفة "هآرتس"، تساءلت الكاتبة الإسرائيلية نوعا ليمون: "هل قامت إسرائيل بإعادة تفعيل بروتوكول "هانيبال" في حادث احتجاز 15 رهينة إسرائيلية في منزل في مستعمرة بئيري لمنع اختطاف الأسرى، كما صرحت وفقاً لما ذكرته قناة 12 الإسرائيلية بعد الهجوم أنه بعد عدة ساعات من المعارك بين القوات الإسرائيلية ومسلحي حماس، خرج أحد مسلحي حماس من المنزل مع الأسيرة ياسمين بورات وأطلق سراحها، وأضافت أن بورات أبلغت الشرطة الخاصة بـ"مكافحة الإرهاب" عند استجوابها عن وجود نحو 40 من مسلحي حماس و14 أسيرًا في المنزل، وأنه في نهاية المطاف، وصل الجنرال "باراك جيرام لتولي قيادة المنطقة، وعندما علق أحد الجنود على قصف المنزل قائلاً هذا عار، أجابه الجنرال: أعرف. وبعد ذلك أطلقت دبابة كانت متمركزة بالقرب من المنزل قذيفتين على المنزل.

وتساءلت الكاتبة نوعا ليمون: لماذا لا يُنظر إلى هاتين الروايتين اللتين تفيدان بأن قواتنا أمطرت بقذائف الدبابات منزلا كان فيه مدنيون إسرائيليون محتجزون كرهائن، على أنهما حادثتان صادمتان؟ علمًا بأن إسرائيل أعلنت عن مقتل نحو 1200 إسرائيلي على يد حماس في 7 أكتوبر، كما زعمت أن حركة حماس قامت بفصل رؤوس الأطفال عن أجسادهم في محاولة لتبرير ما تقوم به، وكسب تأييد الرأي العام العالمي عمومًا والرأي العام الغربي خصوصًا. وبالفعل ومن دون التأكد من المزاعم الإسرائيلية، فإن الرئيس جو بايدين وزعماء أوروبيين آخرين قاموا بتكرار نفس المزاعم. وأضافت الكاتبة الإسرائيلية بأن الجيش الإسرائيلي طبق بروتوكول "هانيبال" بغلاف غزة في 7 أكتوبر، داعية إلى تحقيق فوري في هذه الأحداث.

عملية طوفان الأقصى كانت زلزالًا عنيفًا لإسرائيل التي استغلت الفرصة لتوجيه ضربة قاصمة لحركة حماس وبنيتها العسكرية والتنظيمية والقيادية وسحقها وتصفيتها ليكون ذلك درسًا لمن يريد الأذى بإسرائيل، ولذلك استعملت كل الأكاذيب لتبرير ما تقوم به من مجازر. ولكن وسائل الإعلام الإسرائيلية والغربية تقول إنَّ القضاء على حماس لن يكون سهلًا؛ لأنها أنشأت مئات الآلاف من المنشآت العسكرية الخاصة بها، ويختبئ عشرات الآلاف من عناصرها في الأنفاق، وهو ما يعرقل جهود الجيش الإسرائيلي في تنفيذ أهدافه. شوارع غزة ودروبها وأزقتها تحولت إلى متاهة مميتة لجنود إسرائيل، كما إن مقاتلي حماس يقومون بنصب الكمائن للجنود الإسرائيليين، مستفيدين من خبرتهم بالميدان والأرض التي يعرفونها كما لا يعرفها الجيش الإسرائيلي.