بكين- الرؤية
بمناسبة الذكرى الخامسة والأربعين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين سلطنة عمان وجمهورية الصين الشعبية، نظمت سفارة سلطنة عمان في قاعة مسقط في مقر البعثة بالعاصمة الصينية بكين، الملتقى الثقافي الأول، تحت عنوان: "العلاقات العمانية الصينية منذ آلاف السنين وإلى الأبد".
وشارك في أعمال الندوة نخبة من المتحدثين العمانيين والصينيين، وشهدها ثلة من ممثلي البعثات الدبلوماسية والباحثين والأكاديميين والطلبة، وقد استهل اللقاء بكلمة ألقاها سعادة السفير ناصر بن محمد البوسعيدي سفير سلطنة عمان المعتمد لدى الصين، رحب من خلالها بالحضور الكريم، وتحدث فيها عن أصالة العلاقات الثنائية الضاربة جذورها في أعماق التاريخ، متمنيًا لها مزيدا من التطور والتقدم بفضل حكمة قائدي البلدين.
عقب ذلك، افتتحت أعمال الندوة برئاسة السفير الفلسطيني السابق مصطفى السافريني، الذي تحدث عن التاريخ الطويل من المحبة والمودة والتعاون بين سلطنة عمان والصين؛ حيث شكّل طريق الحرير البحري منذُ أكثرَ من ألفي عام، باكورة التبادلات بين سلطنة عُمانَ والصين، وتلاقي الحضارتينِ العربية والصينية، وهناك -كما يقول- حاضرٌ ناطقٌ بقصصٍ مشابهة لا حدَّ لها ولا نهاية، الأمر الذي ينبئُ حتمًا بمستقبلٍ واعدٍ ومفعمٍ بالشراكة والتكامل؛ فقد أصبحت العلاقاتُ العمانيةُ الصينيةُ الراهنة، تحت الرعاية والتوجيهاتِ الإستراتيجية لصاحب الجلالةِ السُّلطان هيثم بن طارق المعظم، وفخامة الرئيس شي جين بينغ، نموذجًا للعلاقاتِ الثنائية بينَ الدول، ولم تعدْ بالخيرِ والمنفعةِ على الشعبين فقط، بل أسهمت وما زالت تسهمُ في السلامِ والاستقرار والأمن والتنمية العالميةِ.
وبدأت أوراق عمل الندوة العلمية الستة بورقة قدمتها الدكتورة مريم بنت سعيد البرطمانية من جامعة السلطان قابوس، والتي كانت بعنوان: "العلاقات التاريخية بين عمان والصين منذ فجر الإسلام وإلى العصر الحديث"؛ ذكرت فيها تواريخ مهمة، تتعلق بوصول التاجر العماني أبو عبيدة الصغير إلى الصين، وقدوم الأدميرال الصيني تشنغ خه إلى عُمان، وصولا إلى العصر الحديث، وإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين سنة ١٩٧٨م، وانضمام السلطنة إلى مبادرة الحزام والطريق. كما ألقى الدكتور فوتشي مينغ نائب عميد كلية اللغات الأجنبية، أستاذ كرسي السلطان قابوس للدراسات العربية في جامعة بكين، ورقة أخرى، أبرز فيها الدور الكبير الذي يلعبه كرسي السلطان قابوس في تدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها في الصين، والجهود المبذولة لطباعة قاموس عربي صيني في نسخته الجديدة، بالإضافة إلى الفعاليات والندوات والمؤتمرات الثقافية، التي ليس من آخرها مؤتمر الفكر العماني في مقر الجامعة في سبتمبر سنة 2018.
أما الأستاذ لي يوان تشينغ الخبير في الشؤون الدولية من قناة "CGTN" التلفزيونية العربية فقد تطرق في ورقته إلى الثقة الاستراتيجية المتبادلة، والتكامل الاقتصادي البيني، وسبل الاستفادة المشتركة للتعاون العماني الصيني الشامل؛ وصولا إلى عصر جديد، خاصة بعد مرور عقد من الزمان على طرح مبادرة الحزام والطريق، وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين.
وبنهاية الجلسة الأولى للندوة تابع الحاضرون عرضا وثائقيا قصيرا منتقى لرحلة السفينة صحار؛ انطلاقا من عملية بنائها، فمغادرتها ميناء مسقط في أواخر نوفمبر من سنة 1980، وقد تضمن العرض المرئي مشاهد حقيقية لحياة طاقم السفينة اليومية، وما تكبدوه من مصاعب، إلى جانب مقاطع نادرة من الاحتفال الكبير الذي أقيم لحظة وصول السفينة لميناء جوانجزو في الصين في شهر يوليو؛ تزامنا مع الذكرى العاشرة للنهضة المباركة.
صَحِبَ الفيلم موسيقى تصويرية، من المعزوفة السيمفونية تورندوت، المهداة إلى الشعب الصيني، من مؤلفها الدكتور ناصر الطائي، من دار الأوبرا السلطانية بمسقط.
أما في الجلسة الثانية للندوة، فقد تطرق الدكتور هونغ جي الباحث المساعد في قسم اللغة العربية بكلية اللغات الأجنبية في جامعة بكين -في ورقته البحثية المقدمة- إلى مختارات من الأدب العماني، وأشاد برواية سيدات القمر للكاتبة جوخة الحارثية، التي فازت بجائزة مان بوكر الدولية لسنة 2019 في بريطانيا، وبتغريبة القافر لمؤلفها زهران القاسمي، الحاصلة على الجائزة العالمية للرواية العربية في سنة 2023.
بعدها قدّم ناصر بن جمعة الحارثي (الباحث في الشؤون الصينية والتبادلات الثقافية) ورقة علمية حول تأثير الجغرافيا على العلاقات التجارية بين سلطنة عمان والصين عبر العصور؛ مُبرزًا دور الموقع الاستراتيجي الذي تتميز به سلطنة عمان، والدور النشط الذي يمكن أن تلعبه موانئها البحرية مستقبلا في تعزيز التبادلات الاقتصادية والتجارية بين سلطنة عُمان والصين.
وفي ختام الندوة، استعرض ناجي السلامي الباحث في الشؤون الصينية بمركز الحزام والطريق بجامعة التجارة والصناعة بتشجيانغ التجربة الصينية في التنمية والتطوير؛ بعد قيام جمهورية الصين الشعبية سنة 1949، ومدى إمكانية الدول العربية الاستفادة من هذه التجربة، وتطبيق السياسات الخاصة بها لتحقيق مزيد من التقدم والرخاء والرفاهية لشعوبها. وعقب انتهاء أعمال الندوة تلا السكرتير الأول بسفارة سلطنة عمان في بيجين ناصر بن أحمد الراشدي البيان الختامي للندوة، وتوصيات اللجنة العلمية المشكلة برئاسة الشيخ الدكتور محمد بن سالم الحارثي - ممثل النادي الثقافي بسلطنة عمان، والتي جاءت في ثلاثة محاور رئيسة، هي: الثقافة والأدب والعلوم، والتعاون الدولي والتجارة والاستثمار، والعروض والمشاريع والمبادرات العلمية والثقافية.
وتضمنت المحاور الثلاثة: 13 توصية، اختتمت بالدعوة إلى تعميق فكرة ومبادرة طريق اللبان العماني، ودراستها من مختلف الجوانب؛ بصفتها رافدا مهما ومحوريًّا لطرق البخور التاريخيَّة في شبه الجزيرة العربية، ومدى ارتباط ذلك كلِّه بخط الحرير القديم، وبناء مشروع عُماني حضاري خالص على تلك الفكرة والمبادرة المقترحة؛ قائم على نظْرَة استراتيجية عميقة، تنبثق منها برامج وفعاليات وأنشطة وأعمال حضارية.. علميَّة وثقافيَّة عمانيَّة مختلفة.
وعقب انتهاء أعمال الندوة العلمية، قام الحاضرون بجولة -ضمن أجندة الملتقى المعدّة- في معرض "طريق اللبان.. عُمان في السجلات الصينية القديمة" بقاعة ظفار، والذي ضم 19 لوحة، حملت نصوصًا وثائقية مهمة، ذات علاقة بالصين القديمة، أعيد بناؤها وتصميمها من جديد، على صورة رسومات ملهمة، باستخدام أساليب الرسم الصيني القديم. وقد تمحورت تلك النصوص حول عمان القديمة -بحسب المخيال الصيني، وما استلهم من تلك النصوص، أو استخرج لاحقا من إشارات دالّة، إلى جانب أهم المدن والمعابر والعلامات والحياة الاجتماعية والاقتصادية القديمة.. إلخ، ومعلومات أخرى حول اللبان العماني.
وفي نهاية برامج الملتقى، أُقيم حوار مفتوح بين الطلبة العمانيين ونظرائهم الصينيين، مع ممثلي البعثات الدبلوماسية وأعضاء السفارة والضيوف. عَقِبه مأدبة عشاء على شرف الضيوف الحاضرين؛ تجسيدا لحسن الاستقبال وكرم الضيافة المتأصلة لدى الشعب العماني، مع توزيع تحفة فنية منجزة حديثا، تضمنت قصيدة "يا من هواه" للإمام سعيد بن أحمد البوسعيدي؛ احتفالا بهذه القامة الأدبية العمانية، وتخليدًا لذكرى الملتقى الثقافي الأول بسفارة سلطنة عمان في بكين.