راشد بن حميد الراشدي **
مصطلح عسكري له دلالة تاريخية عظيمة كانت الحروب القديمة تعمل به من خلال مقارعة الطرفين المتحاربين وجهًا لوجه بالسيوف والرماح والسهام والمنجنيق وغيره من آلات الحرب؛ حيث كانت المسافات قريبة جداً بين الطرفين.
أما في وقتنا الحالي فتلعب الأسلحة الحديثة دورا كبيرا في حسم المعارك عبر الطائرات والصواريخ والمدافع بعيدة المدى والقنابل شديدة الانفجار والسفن القابعة في البحر والدبابات المحصنة التي تطلق قذائفها لمسافات بعيدة إضافة للتكتيكات الحربية المتطورة والخطط العسكرية المدروسة، إلا أن إرادة الله وتوفيقه وإيمان الفئة القلية المتمسكة بحبل الله المتين كان أقوى من عددهم وعتادهم، فانقلبت المعادلة رأساً على عقب رغم استعمال العدو بجيشه الجرار كل تلك المكائد والأسلحة الحديثة المتطورة فأخزاهم الله وأذلهم وجعل الهزيمة بين أعينهم، فزاغت أعينهم وانفطرت قلوبهم هلعاً بما لقوه من عذاب وقتل وأسر ومهانة، لعنهم الله.
كانت المسافة صفر هي جوهر تغيُّر سير المعركة والعودة للحروب القديمة الوجه بالوجه فقد ألجم العدو الغاشم بعد الاستهتار والغرور، بما يملكه من جيش وعدة فكانت المسافة صفر هي الفيصل الذي كبَّد العدو خسائر لم يشهدها طوال سنوات احتلاله، فتفرق شملهم وشُلت أيديهم بشجاعة الشجعان وإيمان المجاهدين الصابرين المحتسبين الذين رابطوا لملاقاة عدوهم اللدود، فأردوه صريعًا بما اقترفت يداه، فكانوا يهبون أنفسهم لله ويتبارون في الخروج بكمائن من المسافة صفر يفتكون بالعدو من تحته وعلى جنبه ومن فوقه، يزرعون المتفجرات ويطلقون من بنادقهم وآلياتهم المحمولة على الكتف قذائفهم التي صبت جام غضبها وسهامها نحو أعداء الله ففجرت آلياتهم ودباباتهم وقتلت جنودهم فكان المقاوم بعشرة آلاف جندي جبان خائفا مرتجفا في دبابته أو آليته يحيط الموت به من كل مكان بسبب أولئك الشجعان، فحققت المسافة صفر مفاجاة للعالم بأسره في تغيير حسم الحرب والمعارك لصالح جنود الله وأُهلك هنالك الظالمين .
يقول الله تعالى: "وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ".
اليوم يقاتل إخواننا في فلسطين وغزة المعتدي وقد تحالف معه القريب والبعيد من أجل نصرته، لكن هيهات للجميع أن ينتصروا فقد أعادتهم المسافة صفر لعهد صلاح الدين الأيوبي وفتح وتحرير فلسطين والقدس الشريف وتطهير أرضها من الأنجاس الملاعين قبحهم الله وأخزاهم.
اليوم تعود بنا الأيام لتبين لنا أن قدرة الله فوق قدرة البشر وأن الظالم سوف تدك صوامعه وجيوشه، فلا غالب الا الله ولا منتصر إلا الحق.
حتمًا اليوم نشهد أن المسافة صفر هي أحد مقومات النصر في معركة الحرية والاستقلال، إضافة للعوامل الأخرى التي سخّرها الله لنصرة عباده؛ فالصبر والإيمان والعمل لله والوطن، سر هذا النور الذي أشرق بأعظم الانتصارات، فلقد ردت المقاومة الباسلة اعتبارنا كعرب ومسلمين ولفلسطين الغالية بين شعوب الأرض، وغدًا سيشرق فجر جديد تكون فيه القدس وفلسطين محررةً أبيّةً، وسيعود اليهود لديارهم شتاتًا مهزومين مُطارَدِين بإذن الله… ولعنة الله عليهم إلى يوم الدين.
** عضو مجلس إدارة جمعية الصحفيين العمانية